عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 28 Jun 2021, 10:50 AM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي






بسم الله الرّحمن الرّحيم



حكم المظاهرات في الإسلام


حوار مع الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان

(الحلقة الثانية)


قال الدكتور في (ص7-8):

"الوقفة السادسة: أدلّة المظاهرات السلميّة:

1- الأصل فيها الإباحة والبقاء على البراءة الأصلية حتى يرد دليل خاص في المنع وهي وسيلة جديدة ولا يترتب عليها مفسدة لأنها سلمية بحته. ومتى ترتب عليها مفسدة فهي محظورة.

2- جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلّها أدلة للمظاهرات السلميّة كقوله تعالى:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... "،[آل عمران: 110].

وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين :"مَن رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

ويجوز الاحتجاج([1]) على المنكر بسائر الجوارح ويقاس على اليد واللسان- كل وسيلة مناسبة كما قرّره السّلف والخلف في مصنفاتهم.

كما قرّر العلماء إذا حضر جماعة مكانا أو حفلا فيه منكر ولم يستطيعوا أن يغيّروه فيجب عليهم أن يخرجوا و يفارقوا المكان. وهذا هو عين الاحتجاج على المنكر وأهله".


التعليق:

أقول: أمر عجيب هذا:

1- إذ يعترف أنّ المظاهرات الأصل فيها الإباحة والبقاء على البراءة الأصلية، ثم يدّعي أن جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية، وهذا منه اضطراب وتناقض واضح.


وهذا تعريف الإباحة والبراءة الأصلية عند الأصوليين:

قال ابن قدامة -رحمه الله- في "روضة الناظر" مع مذكرة أصول الفقه (ص44-45) :

"القسم الثالث (المباح) وحده ، ما أذن الله في فعله وتركه غير مقترن بذمّ فاعله وتاركه ولا مدحه، وهو من الشرع .."، الخ كلامه .

علّق عليه العلامة الشنقيطي –رحمه الله- بقوله: "اعلم أنّ الإباحة عند أهل الأصول قسمان :

(أ) الأولى : إباحة شرعية، أي عرفت من قبل الشرع كإباحة الجماع في ليالي رمضان المنصوص عليها بقوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، [سورة البقرة: 187]، وتسمى هذه الإباحة الإباحة الشرعية .

(ب) الثانية: إباحة عقلية وهي تسمّى في الاصطلاح البراءة الأصلية، والإباحة العقلية وهي بعينها (استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل ناقل عنه ).


ومن فوائد الفرق بين الإباحتين المذكورتين أنّ رفع الإباحة الشرعية يسمى نسخًا كرفع إباحة الفطر في رمضان ، وجعل الإطعام بدلاً عن الصوم المنصوص في قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، [سورة البقرة:184]، فإنّه منسوخ بقوله: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [سورة البقرة: 185].


وأمّا الإباحة العقلية فليس رفعها نسخًا؛ لأنّها ليست حكما شرعيا، بل عقليًّا".

أ- فهي إباحة عقليّة وليست شرعيّة.

ب- استصحاب هذه الإباحة والبراءة حتى يرد دليل شرعي ناقل عنها، ولا دليل مع الدكتور.

جـ- أنّها ليست حكماً شرعياً، بل هي حكم عقلي، وهذا على التسليم بأنّ الأصل في المظاهرات والمسيرات الإباحة، والحقّ أنّها محرّمة، وتتناولها بالتّحريم عدد من الأدلّة، ومنها أدلّة تحريم الإحداث والابتداع في الدّين، وآيات وأحاديث النّهي عن الفساد والإفساد في الأرض، والأحاديث الآمرة بالصبر على جور الأمراء واستئثارهم وإتيانهم بما ينكره المسلمون عليهم.


2- مَن قال من علماء الإسلام المعتبرين أنّ الأصل في المظاهرت الإباحة؟


3- إنّ المظاهرات فيها مطالبات الحكام بالحريات ومطالباتهم بالحقوق، وهذا العمل من الشغب والفساد يأباه الإسلام بأدلّته الجليّة الواضحة.


ومن الأدلّة قول الرسول الكريم والنّاصح الأمين:

"إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟ قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3603)، ومسلم حديث (1843).

فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أطلعه الله على ما سيكون في هذه الأمّة من جور الأمراء واستئثارهم بالأموال والمناصب وغيرها، ولما أخبر أصحابه بهذا الواقع الذي سيكون لا محالة، سأله أصحابه الكرام: كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟

فأجابهم -صلى الله عليه وسلم- بما يجنّبهم الخوض في الفتن وسفك الدّماء، فقال: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ". ولم يقل -صلى الله عليه وسلم-: ثُورُوا عليهم وتظاهروا،، وطالبوا بحقوقكم، وامنعوهم حقهم كما منعوكم حقوقكم.


ولا تنس أنّ الدكتور قد ادّعى أنّ المظاهرة حصلت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد بيّنا بطلان هذه الدعوى.

وقال -صلى الله عليه وسلم- للأنصار الكرام: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حتى تَلْقَوْنِي على الْحَوْضِ"، أخرجه البخاري حديث (3792)، ومسلم (1845).

فلم يأمر الأنصار الذين قامت على كواهلهم وكواهل المهاجرين نصرة الرسول والإسلام ودولة الإسلام العظمى التي لا نظير لها، لم يأمرهم إلاّ بالصبر في هذه الدنيا حتّى يلقوه -صلى الله عليه وسلم- على الحوض.

إنّ حق الأنصار على المسلمين والحكّام لعظيم وعظيم، ومع ذلك يأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصبر عند وجود الأثرة لا بمناهضة الحكّام الّذين لا دور لهم في إقامة دولة الإسلام ونصرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في حال الشدّة والقلّة في العدد والعدّة والمال.

وهذا أَصْلٌ ربّى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمّته، ودان به أئمّة الإسلام وقرّروه، ورفضه الخوارج الّذين نكبوا الإسلام والمسلمين بفتنهم وسفكوا دماءهم.

وقد حذَّر منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (3611)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1066).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "...يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (3344)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1064).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إلى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا منه في شيء"، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (3/224).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: " الخوارج كلاب النّار"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/355)، وابن ماجه في "سننه" حديث (173).


ومعلوم عند أهل العلم والتأريخ أنّ الخوارج قسمان:


-قسم: يسلّون السّيوف على الحكّام والأمّة.

-وقسم: يحرّكون الفتن بالكلام والإثارة والتهييج على الخروج. وهم المعرفون بـالقعد، ورأس هذا الصنف عمران بن حطان مادح ابن ملجم قاتل علي.


وبعض الأحزاب السياسية هم امتداد لهذا النّوع من الخوارج، كما أنّ المعتزلة امتداد لهم.


وهاك كلام بعض أهل العلم في وصف الخوارج القعد.

قال أبو بكر البيهقي في "القضاء والقدر" (330) رقم (573):

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا يعلى حمزة بن محمد العلوي النهدي يقول : سمعت أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن القاسم الحسني - وما رأيت علويا أفضل منه زهدا وعبادة - يقول : المعتزلة قعدة الخوارج عجزوا عن قتال الناس بالسيوف فقعدوا للناس يقاتلونهم بألسنتهم أو يجاهدونهم - أو كما قال -.


وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (5/303):

" وكان من رءوس الخوارج من القعدية بفتحتين وهم الذين يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال قاله المبرد قال وكان من الصفرية وقيل القعدية لا يرون الحرب وإن كانوا يزيّنونه".


وقال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (454):

"عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي الخوارج. قال أبو العباس المبرد: كان عمران رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم انتهى. والقعدية قوم من الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون الخروج بل يزينونه وكان عمران داعية إلى مذهبه وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي -رضي الله عنه- بتلك الأبيات السائرة".


فـالمظاهرات تنطوي على مقدمات من إثارة الأحقاد والتهييج على طريقة الخوارج القعد، وإشعار الناس بالظلم، وحث للناس على المطالبات بالحقوق والحريات وغير ذلك من المثيرات، وقبل ذلك نفخ ونفث الشيطان في النفوس، ثم يندفع الناس في الشوارع والميادين في هياج وفوضى وصخب والغالب أن يكون من المتظاهرين تحد وتخريب، لا يحكمهم ولا يحكم عواطفهم عقل ولا شرع. فتأتي النتائج المرة من الاصطدام بقوّات الدولة؛ الأمر الذي يؤدّي إلى سفك الدماء وإهدار الأموال ونهبها إلى آخر المفاسد التي حصلت وتحصل.


وقول الفنيسان عن المظاهرات: "وهي وسيلة جديدة ولا يترتب عليها مفسدة".


كلام باطل ومصادم للواقع، بل للشرع الإسلامي، فكم يقع بها ويترتّب عليها من المفاسد الكثيرة والكبيرة من التخريب والتدمير للممتلكات وإزهاق الأرواح وغرس الشحناء والأحقاد، (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، [سورة البقرة: 205].

وكل فساد وإفساد في الأرض إلى يوم القيامة تتناوله الآيات والأحاديث الناهية عن الفساد والإفساد، وأصول الإسلام وفروعه كذلك، ومن أعظم الفساد والإفساد المظاهرات وما يترتب عليها من الشرور وأخطر أنواع الفساد والإفساد، ولا ينكر ذلك إلا مكابر.



قال الدكتور: "2- جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية".


التعليق:


1- تذكّر أيّها القارئ تقريره السابق بأنّ الأصل في المظاهرات الإباحة، وتذكّر أنّها لا ترقى حتى إلى الإباحة، وقد بيّنتُ لك فيما سلف أنّ الأصل فيها التحريم.

2- ليس للمظاهرات أيّ صلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا بآياته وأحاديثه، وحاشا هذه الشريعة الحكيمة الغرّاء أن تشرّع الفوضى الّتي لا يقوم بها إلاّ الدهماء وأهل الغوغاء وأهل المطامع الدنيوية والأهواء ومَن ينخدع بهم من البلهاء.

3- إنّ المظاهرات معروفة لدى العرب والعجم، وهي عبارة عن تجمّعات غوغائية، يشترك في المطالبات بها المسلم الغِرّ والكافر يجوبون فيها الشوارع والميادين، ولهم شعارات وهتافات بأصوات عالية منكرة وحركات بغيضة واختلاط منكر بين الرجال والنساء يحرمه الإسلام ويأباه الشرف والمروءة.

وغالباً أو تسعة وتسعين في المائة أن يكون فيها تخريب وتدمير للممتلكات، ونهب للمتاجر، وإحراق للسيارات، ويكون فيها سفك للدماء، ويندر جداً أن تكون سلمية، والحكم للغالب لا للنادر.

أفيجوز لمسلم أن يدَّعي هذه الدّعوى العريضة أنّ جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات؟

فالأحاديث التي أسلفناها ومنهج أهل السُنَّة والجماعة وأئمّتهم كلّها تدين الديمقراطية أمّ المظاهرات، وتدين المظاهرات القائمة فعلاً على الفساد والإفساد.

ومَن يقول غير هذا فقد صادم نصوص القرآن والسُنَّة وما عليه أئمّة الإسلام وأهل الحق والسُّنَّة.


4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام، والمعروف أوّل ما يدخل فيه التّوحيد، والمنكر أوّل ما يدخل فيه الشّـِرْكُ والبِدَع الكبرى.

فهل المظاهرات التي شرعها اليهود والنصارى من أهدافها وأولوياتها الدعوة إلى التّوحيد ومحاربة الشرك والبدع والضلالات؟

وعلى فقهك هذا الذي لم تسبق إليه تكون المظاهرات لأتفه الأسباب من أوجب الواجبات.


فاتّقِ الله في الإسلام والمسلمين، فلقد أدخلتَ المظاهرات في التشريع الإسلامي من باب المباحات، ثم قفزت بها قفزة هائلة إلى أن جعلتها من أوجب الواجبات، فجعلت آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدلّة على المظاهرات السلميّة، وهذا والله من أنكر المنكرات.

ومعروف أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام، ومن أوجب الواجبات، فكيف تجعل المظاهرات من أصول الإسلام، ومن أوجب الواجبات مع أنّها في الحقيقة من أخبث البدع ومن أنكر المنكرات؟


5- إنّ المظاهرات من أقذر تشريعات اليهود والنصارى، فلا يجوز لمسلم أن يدنّس بها الإسلام، وهي من أنكر المنكرات، فالآيات والأحاديث الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر تتناولها باعتبارها من أنكر المنكرات، وهي ضد المعروف الذي شرعه الإسلام، ودان به المسلمون الملتزمون بعقائد الإسلام وعباداته وسياسته وأخلاقه.


6- إنّ الآيات والأحاديث التي تذمّ التّفرّق والاختلاف وأسبابهما لتنطبق على المظاهرات وما يترتب عليها.


7- إنّ الأحاديث التي تذمّ البدع وتحذّر منها وتصفها بأنّها من شرّ الأمور لتنطبق على المظاهرات مهما كان شكلها.


ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في جلّ خطبه أو كلّها:

"أَمَّا بَعْدُ فإن خَيْرَ الحديث كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، أخرجه مسلم حديث (867)، وأحمد (3/371).

والمظاهرات من شرّ البدع والمحدثات، وليست من هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، نزهه الله عنها.

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في موعظته العظيمة التي ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قال العرباض -رضي الله عنه- فقلنا: يا رَسُولَ اللَّهِ كأن هذه مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، قال:

" أوصيكم بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإن كان عَبْداً حَبَشِيًّا، فإنّه من يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بعدي اخْتِلاَفاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وإن كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/126)، وأبو داود حديث (4607)، والترمذي حديث (2676).


والمظاهرات من شرّ البدع والضلالات التي حذرنا منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهي مخالفة لسنّته وسنّة خلفائه الراشدين المهديّين التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نعضّ عليها بالنّواجذ.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قال: فَمَنْ"، أخرجه البخاري حديث (3456)، ومسلم حديث (2669).


والمظاهرات من سنن اليهود والنصارى، ولا يأخذ بها ويتّبعهم فيها إلاّ مَن خذله الله فيخالف المنهج الإسلامي والنّصوص القرآنية والنّبوية، فيتعلق بها ويحرِّف لها النّصوص القرآنية والنبوية، فيزداد فتنة على فتنته، ويفتن الناس بهذا العمل، "وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينقصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"، أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (1017)، وأحمد في "مسنده" (4/357) . وقد يكون من هذه الأوزار دماء وأشلاء المسلمين.


8- كل الآيات والأحاديث الناهية عن الفساد والإفساد تنطبق على المسيرات والمظاهرات بكل أشكالها وآثارها.





قال الدكتور في (ص8) :

"3- حديث أبي هريرة عند أبي داوود والبخاري في (الأدب المفرد 1/216) قال:" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّ لي جارا يؤذيني فقال له أصبر - ثلاثا- فكرّر عليه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : انطلق فأخرج متاعك في الطريق. فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق فجعلوا يقولون: اللّهمّ العنه. اللّهمّ أخزه، فأتاه جاره فقال له: ارجع إلى منـزلك فو الله لا أوذيك".


أقول:

1- تذكّر أنّه قد ادّعى أنّ الأصل في المظاهرات الإباحة، وقد عرفت معنى الإباحة، وأنّها ليس لها دليل شرعي.

2- إنّ هذا الحديث لا يدلّ على المظاهرات، لا من قريب ولا من بعيد، وفي الاستدلال به على المظاهرات غلوّ شنيع. إذ مؤدّى هذا الاستدلال أنّه كلّما وقع ظلم على شخص من حاكم أو محكوم ولو كان ضعيفاً قام الشعب بمسيرات ومظاهرات، وتصب على الظالم اللّعنات.

فهذه المظاهرات لا يقول بها ولا يدعو إليها حتّى الغُلاة في الديمقراطية ولا مَن اخترعوها، فَاتَّقِ الله، فلا تحمل النصوص النبوية ما لا تحتمله وما لا يقبله عقل ولا شرع، ولا حتّى الغلاة في الديمقراطية والمظاهرات؛ لأنّ مؤدى فقهك أنّ الناس سيعطّلون مصالحهم الدينية والدنيوية لانشغالهم بالمظاهرات على مر الأيام والسنوات؛ لأنّه لا يخلو وقت من ظلم الأفراد للآخرين.

3- هذا الاجتماع المذكور في الحديث لم يكن عن تنسيق سابق ممّن اجتمعوا على هذا الرجل، وليس لهم مطالب ضد الحاكم، كما هو واقع المظاهرات، وكلّ ما في الأمر أنّ رجلاً جلس في قارعة الطريق بطريقة عجيبة، والناس يخرجون إلى أعمالهم، فيأتي الرجل فيقف عند هذا المشهد الغريب، ويأتي الثاني والثالث كذلك، فحصل منهم في هذا الاجتماع استنكار على أذى جاره، فقد ظهر لك أنّ هذا الاجتماع الذي حصل على الوجه الذي ذكرنا ليس من المظاهرات في شيء، فلا سبب ولا غاية، ولا تجمّع مقصود، ونعوذ بالله من الجرأة على تحريف الكلام عن مواضعه.

وأنا أسأل: مَن سبقك إلى هذا الفقه من فحول الإسلام؛ فقهاء ومحدّثين ولغويّين؟


قال الدكتور في (ص8-9):

"4- ومنها الحديث الصحيح عند أصحاب السنن أبو داوود (2/245) وابن ماجه (2/366) والنسائي في الكبرى ( 5/371)والحاكم (المستدرك 2/188) على شرط مسلم ووافقه الذهبي . وأخرجه ابن حبان في (صحيحه 9/499) وعبد الرزاق في (مصنفه 9/442) عن إياس بن عبد الله قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله قد ذئـر(اجترأ) النساء على أزواجهن. فأمر بضربهن. فلمّا أصبح قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لقد طاف البارحة بآل محمد سبعون امرأة، كلّ امرأة تشتكي زوجها ثم قال : فلا تجدون أولئك خياركم"ا.هـ .

فإذا كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجن جماعات أو فرادى في ليلة واحدة يشتكين ضرر أزواجهن أليست هذه هي مظاهرة سلمية؟! فما الفرق بين هذا لو خرج اليوم أو غدا مثل هذا العدد أو أقل أو أكثر أمام وزارة الداخلية، أو وزارة العدل، أو المحكمة الشرعية، أو دار الإفتاء، يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن أولئك الذين يمنعونهن من الزواج أو خرجن يطالبن بإطلاق أولادهن أو أزواجهن الذين طال سجنهم مع انتهاء مدة الإحكام الصادرة بحقهم أو لم يحاكموا أصلا !! وإذا جاز هذا للنساء كما جرى في عهد النبوة فما الذي يمنعه في حق الرجال قولوا الحق يا رعاكم الله!!؟".


التعليق:

أقول:

1- أعتقد أنّه لا توجد في الدنيا مظاهرات مثل هذه المظاهرات التي يدعو إليها هذا الرجل، وما أعتقد أن أحداً يفكر هذا التفكير.

أرأيت لو كان هذا الرجل وزيراً أو قاضياً أو رئيساً لدار الإفتاء أيقبل مثل هذه الفتن والفوضى ضدّه وضدّ غيره في المؤسسات الأخرى إذا كانوا من أصدقائه؟


2- إنّ هذا الحديث مداره على رجل اسمه إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي، وقد اختلف في صحبته. قال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" (2/280):

" إياس بن عبد الله بن أبى ذباب الدوسي مديني له صحبة، روى عنه عبد الله بن عبد الله بن عمر سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك".

والظاهر أن أبا حاتم وأبا زرعة إنّما حكما له بالصحبة بناء على إسناد هذا الحديث. وهذا وحده لم يقنع الأئمّة أحمد والبخاري وابن حبان، فنفوا صحبته، وهذا النفي حال بين الذهبي والحافظ ابن حجر وبين الجزم بصحبته.

قال الذهبي في "الكاشف": مختلف في صحبته، وعنه ولد لابن عمر د س ق. ولم يزد على ذلك.

وقال في "تذهيب التهذيب": د س ق إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي مختلف في صحبته له عن النبي –صلى الله عليه وسلم- "لا تضربوا إماء الله، وعنه عبد الله ويقال عبيد الله بن عبد الله بن عمر". ولم يزد على ذلك، ولم يرجح صحبته، ولا عدم صحبته.

وترجم الحافظ ابن حجر لإياس هذا في كتابه "تهذيب التهذيب" (1/389)، وقال : "مختلف في صحبته...، ثم قال: قلت: جزم أحمد بن حنبل والبخاري وابن حبان أن لا صحبة له، ولم يخرج أحمد حديثه في مسنده، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكره في الصحابة، والراجح صحبته".

وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" خلال ترجمته لإياس: "مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين" ، ولم يرجح الحافظ هنا صحبته كما ترى.


والظاهر أنّه غيّر رأيه في الترجيح، والدليل على ذلك أنّه ألّف "تقريب التهذيب" بعد تأليفه لـتهذيب التهذيب، وقد نصَّ على ذلك في مقدمة "تقريب التهذيب" فيكون رأيه الأخير هو ما قاله في "التقريب"، وهو عدم الجزم بصحبته.

وقال الحافظ في "الإصابة" (رقم382): " إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي من أهل مكة قال ابن حبان يقال: إنّ له صحبة، ثم أعاده في التابعين، وقال: لا يصح عندي أن له صحبة، روى له أبو داود والنسائي وغيرهما حديثاً بإسناد صحيح، لكن قال ابن السكن: لم يذكر سماعاً، وقال البخاري: لا نعرف له صحبة".


وقول الحافظ: "بإسناد صحيح" ، يقصد أنّ الإسناد صحيح إلى إياس لا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


أقول: والذي يترجح لي أنّه لا تثبت له الصحبة. وذلك أنّ العلماء قد قرّروا الأمور التي تثبت بها صحبة الصحابي، وهي: كما قال الحافظ في "الإصابة" (1/14):

" الفصل الثاني: في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابياً.

وذلك بأشياء : أوّلها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ، ثم بالاستفاضة والشهرة، ثم بأن يروى عن آحاد من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ؛ وكذا عن آحاد التابعين ، بناء على قبول التزكية من واحد؛ وهو الراجح، ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة: أنا صحابي .

أمّا الشرط الأول - وهو العدالة - فجزم به الآمدي وغيره؛ لأنّ قوله قبل أن تثبت عدالته: أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك - يلزم من قبول قوله إثبات عدالته؛ لأنّ الصحابة كلّهم عدول، فيصير بمنـزلة قول القائل: أنا عدل؛ وذلك لا يقبل.."([2]) .


أقول: إنّ إياساً لم يوجد له من الأشياء المذكورة أيّ شيء، فلم تثبت صحبته عن طريق التواتر، ولا عن طريق الاستفاضة والشهرة، ولا بشهادة أحد من الصحابة أنه من الصحابة، ولم يقل هو: إني صحابي، ولا قال أحد من ثقات التابعين: إنّه صحابي.

ثم هو قد روى هذا الحديث بصيغة لا يثبت بها سماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو ليس له إلاّ حديث واحد فقط، لم يقل: حدثني أو حدثنا رسول الله أو سمعت أو سمعنا رسول الله يقول كذا، وإنّما قال في روايته لهذا الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبمقتضى قواعد أهل الحديث يصير إياس تابعياً مجهولاً، فحديثه هذا حسب أصول أهل العلم ضعيف؛ لأنه حديث مرسل، فيه جهالة.

أضف إلى هذا أنّه معارض لقول الله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)، [سورة النساء : 34]. فقد أباح الله للرجال ضرب النساء إذا استدعى الحال ذلك.

ومعارض أيضاً للحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال في حجة الوداع: "... فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ولكم عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.."([3]).

فقد أباح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للرجال ضربهن إذا وجد موجب لضربهن. قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسير هذه الآية (4/27): "وكذا قال ابن عباس وغير واحد ضرباً غير مبرح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، وقال الفقهاء هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا".

فقد ظهر أنّ حديث إياس بن عبد الله مع ضعفه، قد خالف نصاً قرآنياً وحديثاً نبويّاً صحيحاً وعليه عمل فقهاء الإسلام.

قال البغوي بعد إيراد هذا الحديث: " فيه دليل على جواز ضرب النساء على ما أتين به من الفواحش، وتركن من الفرائض، وكذلك إذا خرجت بغير إذنه من بيته، أو أدخلت بيته غير ذي محرم لها، أو خانته خيانة ظاهرة، فله تأديبها بالضرب، لأنّه قيّم عليها، ومسؤول عنها" ، "شرح السنة"، (9/159).


فبطل قول الدكتور: " فإذا كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجن جماعات أو فرادى في ليلة واحدة يشتكين ضرر أزواجهن أليست هذه هي مظاهرة سلمية؟!".


وأقول:

1- إنّ هذا لفقه باطل، فالحديث على ضعفه لا يدل على مظاهرة سلمية، ولا غير سلمية، وهو على ضعفه لا يدل على تجمع مقصود ولا غير مقصود، وإنما فيه أن نساء جئن إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، كل واحدة جاءت على انفرادها تشكو زوجها، ثم تذهب، وتأتي الأخرى تشكو زوجها وتذهب، فأين هي المظاهرات المعروفة بصخبها وهتافاتها في الشوارع والميادين بتجمعاتها المعروفة.


2- إنّ هذا الفقه فيه إساءة إلى ذلك المجتمع النبوي الطاهر المنـزّه عن أفكار وأعمال اليهود والنصارى وتشريعاتهم المناقضة لهدي محمد –صلى الله عليه وسلم-.


ثم قال الدكتور داعياً إلى المظاهرات النسائية مع الأسف الشديد على الطريقة الأوربية:

" فما الفرق بين هذا لو خرج اليوم أو غدا مثل هذا العدد أو أقل أو أكثر أمام وزارة الداخلية، أوزارة العدل، أو المحكمة الشرعية، أو دار الإفتاء، يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن أولئك الذين يمنعونهن من الزواج أو خرجن يطالبن بإطلاق أولادهن أو أزواجهن الذين طال سجنهم مع انتهاء مدة الإحكام الصادرة بحقهم أو لم يحاكموا أصلا !! وإذا جاز هذا للنساء كما جرى في عهد النبوة فما الذي يمنعه في حق الرجال قولوا الحق يا رعاكم الله!!؟".


أقول:

إنّ في هذا الكلام لدعوة خطيرة إلى أعمال لا تعرفها الجزيرة العربية في جاهلية ولا في الإسلام ، فأيّ مسلم حرّ أبيّ يرضى لزوجته أو أخته أو ابنته أن تخرج فتشترك في أفعال قبيحة من الفوضى والجلبة والصياح ما ينافي المنهج الإسلامي الذي يأمر النساء بالحجاب والقرار في البيوت والحياء والحشمة، وخفض الأصوات، وغض الأبصار، ومَن يأمن أن يهرع أهل الفجور إلى حضور هذه المظاهرات النسائية الشبابية التي تقوم على الهتافات المنكرة المنطوية على الفحش في الأقوال والأفعال، والتي من لوازمها قيام المجرمين بالتخريب والتدمير، بل وسفك الدماء، ومشاركة عُبّاد القبور الذين يستغيثون بغير الله ويلجؤون إليهم في الشدائد.


لقد نهى الإسلام عن التشبه بالكفار فيما هو أدنى من المظاهرات، كمشابهتهم في طريقة الأكل والشرب واللباس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تشبّه بقوم فهو منهم"، رواه أبو داود([4]) بإسناد حسن من حديث ابن عمر –رضي الله عنه-، وله شواهد، وقد ورد من قول عمر بن الخطاب، ومن قول حذيفة نحوه، فهو يرتقي إلى درجة الصحة.


لا مانع في الإسلام أن يشتكي المظلوم إلى مَن يزيل الظلم عنه، بطريقة شريفة، أمّا أن يتجمهر الرجال أو النساء أمام الوزارات والمحاكم للمطالبة بالحقوق، وقد يكون بعضها حقوقاً مفتعلة، فهذا لا يعرفه الإسلام، ولا يعترف به، ويعده تهديداً وإرجافاً بالفتن، وخروجاً عن الآداب والأخلاق الإسلامية، بل هو خروج على الحاكم المسلم.

وهذه الأعمال الشنيعة لا يعرفها المسلمون على مرّ التأريخ الإسلامي، حتى جاء تلاميذ أوروبا وأمريكا وأفراخها، فأخذوا من عقائد الأوروبيين والأمريكان وأخلاقهم ومظاهرهم وتشريعاتهم ومنها المظاهرات التي يقومون بها، تحقيقاً لمصالح سادتهم وتنفيذاً لتشريعاتهم وإفساداً في بلدان المسلمين، وتمرداً على الأخلاق والتشريعات الإسلامية الحكيمة التي تنهى عن الفساد والمفاسد التي تؤدي إليها هذه المظاهرات.

وأنا لا أظن أنّ في دعاة المظاهرات مَن دعا إلى مثل هذه الصور الغريبة البغيضة التي يدعو إليها هذا الرجل، وأعتقد أنّهم يستغربونها.

ومن المستغرب جداً أن تأتي دعوة هذا الرجل إلى المظاهرات بهذا الحماس في هذا الوقت العصيب الذي يعاني العالم الإسلامي من ويلات المظاهرات ونتائجها المرّة في الأنفس والأموال ما يشيب لهوله النواصي.

ألا يدرك هذا الرجل ومن وراءه ما حصل من المصائب والكوارث المهولة الناشئة عن المظاهرات من سفك الدماء الذي ذهب فيه آلاف القتلى وآلاف الجرحى وآلاف المشردين والترويع العام للنساء والأطفال، بل والرجال، وإهلاك الأموال والحرث والنسل.

وكم ستترك في نفوس الألوف المؤلفة من البغضاء والأحقاد والتعطش للانتقام والأخذ بالثأر، فما هو رأي أهل الدين والنهى والأبصار؟

يا هذا إنّ الله يقول: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً..)، [سورة المائدة : 32].

ورسول الهدى –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ على اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ".
أخرجه الترمذي في "جامعه" حديث (1395)، وابن ماجه في "سننه" حديث (2619)، والنسائي في "المجتبى" حديث (3987) من طرق مرفوعاً وموقوفاً على عبد الله ابن عمرو، ورجح الترمذي وقفه، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" حديث (2609)، وفي صحيح الترغيب والترهيب حديث (2438)، وفي "صحيح الجامع الصغير" حديث (5077)، ويبدو لي أن هذا الحديث صحيح موقوفاً على عبد الله بن عمرو وحسن مرفوعاً بمجموع طرقه؛ لأنه روي مرفوعاً عن البراء بن عازب وبريدة وعبدالله بن عمرو من طرق فيها كلام، لكن يقوي بعضها بعضاً.


ونسأل الله العافية من الأهواء الداعية إلى الفتن والزلازل.



قال الدكتور في (ص9):

"5-قال محمد بن حرب سئل الإمام أحمد عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه قال: (يأمره قلت فإن لم يقبل؟ قال: تجمّع عليه الجيران وتهوّل عليه لعل الناس يجتمعون ويشهرون به) (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال صـ117".


أقول:

1- لا ندري من هو محمد بن حرب الذي روى هذا القول عن الإمام أحمد.

2- فيقال لهذا الرجل: أثبت العرش ثم انقش، أي أثبت أن هذا القول صدر عن الإمام أحمد.

3- أنّه لو ثبت هذا القول عن الإمام أحمد فلا علاقة له بأي وجه من الوجوه بالمظاهرات.

4- أنّ الإمام أحمد وعلماء السُنَّة واجهوا محنة القول بتعطيل صفات الله، والقول بخلق القرآن وإنكار رؤية الله في الدار الآخرة في عهد ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية المأمون والمعتصم والواثق، فواجهوا تلك المحنة الشديدة بالحكمة والصبر انطلاقاً من التّوجيهات النبوية، مع أنّهم يعتقدون أنّ هذه العقائد التي دُعوا إليها عقائد كفرية.

جاء في "ذكر محنة الإمام أحمد بن حنبل" (ص70-71) لحنبل بن إسحاق قوله: "فلمّا أظهر الواثق هذه المقالة، وضرب عليها وحبس، جاء نفر إلى أبي عبد الله، من فقهاء أهل بغداد، فيهم بكر بن عبد الله، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، وغيرهم، فأتوا أبا عبد الله، وسألوا أن يدخلوا عليه، فاستأذنت لهم، فأذن لهم([5])، فدخلوا عليه، فقالوا له: يا أبا عبد الله إن الأمر قد فشا وتفاقم، وهذا الرجل يفعل ويفعل، وقد أظهر ما أظهر، ونحن نخافه على أكثر من هذا، وذكروا له أن ابن أبي دؤاد مضى على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في الكتاب مع القرآن، القرآن كذا وكذا.

فقال لهم أبو عبد الله: وماذا تريدون؟ قالوا: أتيناك نشاورك فيما نريد، قال: فما تريدون؟ قالوا: لا نرضى بإمرته ولا بسلطانه، فناظرهم أبو عبد الله ساعة، حتى قال لهم، وأنا حاضرهم: أرأيتم إن لم يبق لكم هذا الأمر، أليس قد صرتم من ذلك إلى المكروه، عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقّوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا، واصبروا حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر، ودار بينهم في ذلك كلام كثير لم أحفظه، واحتج عليهم أبو عبد الله بهذا. فقال له بعضهم: إنا نخاف على أولادنا، إذا ظهر هذا، لم يعرفوا غيره ويمحى الإسلام ويدرس. فقال أبو عبد الله : كلا، إن الله عز وجل ناصر دينه وإن هذا الأمر له رب ينصره، وإنّ الإسلام عزيز منيع.
فخرجوا من عند أبي عبد الله، ولم يجبهم إلى شيء ممّا عزموا عليه أكثر من النهي عن ذلك، والاحتجاج عليهم بالسمع والطاعة، حتى يفرج الله عن الأمّة، فلم يقبلوا منه".

وقال أبو بكر الخلال في "السنة" ( 1/ 132):

" وأخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكارا شديدا.

أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: ثنا معاوية بن هشام قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم أنهما كرها الدم يعني في الفتنة.

أخبرني محمد بن أبي هارون([6]) ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث([7]) حدثهم قال: سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد، وهَمَّ قوم بالخروج فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه ( يعني أيام الفتنة )؟ قلت: والناس اليوم، أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: وإن كان فإنّما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمّت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا، ويسلم لك دينك خير لك، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به".

فموقف الإمام أحمد هذا مستمد من منهاج النبوة في حماية الأمّة من الفتن التي تؤدي إلى سفك الدماء ونهب الأموال وإهدارها وقطع السبل إلى شرور أخرى.

ومن هذه الفتن التي حذَّر منها الإمام أحمد وغيره المظاهرات والمسيرات الوافدة من بلدان الكفر والفتن.


الصور المرفقة
نوع الملف: png خطر المظاهرات.png‏ (531.8 كيلوبايت, المشاهدات 1579)
نوع الملف: png حكم الاعتصامات.png‏ (842.5 كيلوبايت, المشاهدات 1435)
رد مع اقتباس