عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 02 Apr 2021, 12:01 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي



آخر قصّة في هذه السورة:



قصة ذي القرنين:

قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا}[الكهف:83]، يعني قصّة أصحاب الكهف، وصاحب الجنّتين، وخلق آدم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50]، وما فيها من الابتلاء، وكذا قصة موسى والخضر، ثم قصة ذي القرنين وبناء السد، فما العلاقة بينهم جميعا، ما علاقة هذه الآيات بعضها ببعض؟

كلّها في إعطاء الدرس الكبير كيف تنجح في الابتلاء بحسب اختلاف الناس، هذا ابتلاء الملوك، قصة ذي القرنين ابتلاء الملوك، ابتلاء ذوي المسؤولية، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف:83، 84]، من هو ذو القرنين؟ ذو القرنين كان في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام، ملك من الملوك أعطاه الله من كلّ شيء سببا، يعني من كل شيء علما، فيعلم أشياء كثيرة: في القوّة، وفي السياسة، وفي البناء، وفي الحيل العسكرية، وفي تجهيز الجيوش، وفي الحصار، وفي كيفية التعامل مع الأعداء، فقد أعطاه الله من كلّ شيء سببا، يعني علما على الراجح، {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:85]، يعني: فأتبع طريقا في مسألة بالعلم الذي علمه فيها، ومن المعلومات التي عنده علم الجغرافيا، وطرق الأرض وما فيها، ذو القرنين ملك صالح موحّد جاهد لتكون كلمة الله هي العليا، وجاهد ليعظم دين إبراهيم الخليل عليه السلام في الناس، فنشر التّوحيد، وأحبط للشرك مناره، بدأ يمشي في الأرض، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} هنا اختبار الملك، اختبار المسؤولية، {إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}[الكهف:86]، خيَّره الله –جلّ وعلا-:{إِمَّا أَن تُعَذِّبَ}يعني: بالقتل أوالحبس أو التعزير، {وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} تعتقهم أو تعطيهم عطاء واسعا وتتّخذ فيهم حسنا، فقد خيَّره الله ابتلاء واختبارا له فيما أعطاه، فنجح في الاختبار والابتلاء، فأجاب قائلا: {أَمَّا مَن ظَلَمَ}يعني: بالشِّرْك، وبما دونه، فكل عقوبة بحسبها،{فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ}بأنواع العذاب: إما بالقتل، أو بما دونه، {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى} يعني: الحياة الحسنة والعطاء، {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}[الكهف:87، 88]، أيضًا سيخاطب بالخطاب الجيّد، فأعطى الله هذا مثلا لمّن ابتلاهم الله –جلّ وعلا- بالمسؤوليات عظمت أو صغرت:

-أولاً: أن يتواضع، فليس فوق حكم الله –جل وعلا- حكم، فالأمر لله، {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ}[الأنعام:57].

-ثانيًا: أن لا يحكّم رأيه فيما لله فيه أمر، فلا مجال فيه للاجتهاد، لأنّ هناك مسائل مجمع عليها ومنصوص عليها بأمر الله -جلّ وعلا-، أو بوحيه لكتابه، أو بإجماع أهل الحق عليها، فهذه، لا مجال فيها للاجتهاد، وهناك مسائل فيها مجال للاجتهاد يعني في الشريعة الإسلامية: إمّا لورود النص فيه مجال للاجتهاد أو لاختلاف العلماء أو لأشباه ذلك، فهنا يتحرى الحق بما يرى فيه المصلحة والاستعداد للحاضر والمستقبل.

فبيَّن الله –جلّ وعلا- أنّ ذا القرنين نجح في الابتلاء، ولذلك بعد قوله:{وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}[الكهف:88]، قال الله –جلّ وعلا-: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:89]، يعني: ذهب لطريق آخر، يعني: الله –جل وعلا- أعطاه فلما جاوب بهذه الإجابات، وفعل هذا الفعل الذي حمده الله تعالى عليه أعطاه أنّه ذهب إلى طريق آخر فانتصر فيه، ولذلك سمي ذا القرنين وأصحّ الأقوال فيها أنّه قرن الشمس في مشرقها ومغربها، لأنّه ملك أقصى ما تصل إليه الشمس في عرف الناس آنذاك، وأقصى ما تغرب فيه الشمس، فأثنى الله –جل وعلا- عليه بذلك.

الخلاصة ممّا ذكر:

نحن بحاجة أمام القرآن العظيم أن نقبل عليه، وأن نجعله الحجة في ألستنا، فطالب العلم الذي لم يحفظ القرآن عليه أن يحفظ القرآن، فإنه الأنس والهدى والرّشاد، أنسك في خلوتك، وفي صلاتك، وإذا تكالبت عليك الأمور، فـالقرآن هو السلوى والصلة بالله جلّ وعلا هي الجنة، القرآن العظيم فيه العلم، علمه مَن علمه وجهله مَن جهله، ولذلك أثر عن شيخ الإسلام ابن تيمية ‘ أنّه قال في آخر حياته في السجن، وقد سجن كسجن أصحاب الكهف بسبب التّوحيد:

(ندمت أنني لم أجعل حياتي كلها في تفسير القرآن)، (22) لأنّه وجد مع الخلوة زيادة وزيادة في نعمة الله عليه بالقرآن، فاحفظوا القرآن، والذي أوصيكم به ابدأوا بحفظ سورة (الكهف) لماذا؟ لأنّ حفظها يساعدكم على قراءتها يوم الجمعة قبل الصلاة إذا بكرتم إليها إن شاء الله، أو بعد العصر في ساعة من ساعات الإجابة، وتكرارها يوم الجمعة بعد أن تحفظها يشجعك لحفظ سور أخرى، ثم أيضًا احرص على التّدبّر في القرآن وقراءة التفاسير، لأنّ القرآن إذا قرأته بتدبّر بعد العلم تجد له أنس عجيب، حتى بعض الآيات تجلس تكرّرها ليلة كاملة من عجب ما فيها من العلم، وما تفتح لك من رؤيا في أمور معاصرة حتى في حياتك الشخصية أو في حياة بيتك أو في العالمين بأجمعهم.

أسأل الله –جل وعلا- أن يوفّقنا وإيّاكم لما فيه الخير والسداد، وأن ينفعنا بالقرآن، وأن يعلّمنا منه ما جهلنا، وأن يذكّرنا منه ما نسينا، وأن يزيدنا علما وعملا، وأن يجزي خيرا كلّ مَن دعا إلى هذه المحاضرة، وأعان عليها، وأن يوفّقنا وإيّاكم إلى ما فيه الرشد والسداد،

أسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يوفّق ولاة أمورنا لما فيه الرشد والسداد، وأن يجعلنا وإيّاهم من المتعاونين على البرّ والتّقوى، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر الزلل في القول والعمل والرأي، إنّه جواد كريم،

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلِّ اللّهمّ وسلّم وبارك على نبينا محمد.



الصور المرفقة
نوع الملف: png ويسألونك عن ذي القرنين.PNG‏ (519.9 كيلوبايت, المشاهدات 1175)
نوع الملف: png إنّا مكّنّا له في الأرض.png‏ (597.4 كيلوبايت, المشاهدات 847)
رد مع اقتباس