عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22 May 2019, 06:54 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي




***قوله: «أو جامع مَن نوى الصّوم في سفره أفطر ولا كفّارة».

قوله: «مَن نوى الصوم في سفره» أي كان صائماً في سفره أفطر أي: فسد صومه بجماعه.

مثاله: إنسان مسافر سفراً يبيح الفطر فصام، ثم في أثناء النهار جامع زوجته، فهذا يُفطر لأنه جامع، والجماع من المفطرات وليس عليه كفارة؛ لأنه لم ينتهك حرمة الصوم حيث إنّ الصوم لا يجب عليه في السفر ويلزمه القضاء، وعليه فالّذين يذهبون إلى العمرة في رمضان ويصومون هناك، ثم يجامع أحدهم زوجته في النهار ليس عليه كفّارة، لأنّه مسافر، والمسافر يباح له الفطر فيباح له الجماع والأكل، هذا إذا نوى أقلّ من أربعة أيّام، أمّا إذا نوى أكثر من أربعة أيام، فالمسألة خلافية معروفة.

والصحيح أنّه مسافر حتى لو أقام الشهر كلّه يجوز له الفطر.



-وقوله: «أفطر ولا كفّارة» هذا جواب الشرط وهو يشمل الصور الثلاث:

1 ـ إذا جامع دون الفرج فأنزل.

2 ـ إذا كانت المرأة معذورة.

3 ـ إذا جامع من نوى الصوم في سفره.


***وإنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ كَرَّرَهُ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يُكَفِّر فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ في الثانية، وفي الأولَى اثْنَتَانِ، وإنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ فَكَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ.

-قوله: «وإنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ كَرَّرَهُ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يُكَفِّر. فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ في الثانية، وفي الأولَى اثْنَتَانِ، وإنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ فَكَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ» .

ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ مسألتين:

المسألة الأولى: إذا جامع في يومين بأن جامع في اليوم الأوّل من رمضان، وفي اليوم الثاني فإنّه يلزمه كفّارتان، وإن جامع في ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وإن جامع في كل يوم من الشّهر فثلاثون كفّارة أو تسع وعشرون حسب أيّام الشهر. وذلك لأنّ كل يوم عبادة مستقلّة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول، بفساد صوم اليوم الثاني.

وقيل: لا يلزمه إلاّ كفارة واحدة إذا لم يكفّر عن الأوّل وهو وجه في مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة، وذلك لأنّها كفارات من جنس واحد فاكتفي فيها بكفّارة واحدة،

- كما لو حلف على أيمان متعدّدة ولم يكفّر، فإنّه إذا حنث في جميعها فعليه كفّارة واحدة،

-وكما لو أحدث بأحداث متنوّعة، فإنّه يجزئه وضوء واحد، ويُقال هذا أيضاً في كفّارة الظّـِهَار إذا لم يكفّر عن الأوّل.

-وأمّا قتل النفس فتتعدّد الكفّارة، لأنّها عوض عن النفس، كما لو قتل المحرم صيوداً في الحرم.

وهذا القول وإن كان له حظ من النّظر والقوّة، لكن لا تنبغي الفتيا به، لأنّه لو أفتي به لانتهك النّاس حرمات الشّهر كلّه، لكن لو رأى المفتي الذي ترجّح عنده عدم تكرّر الكفّارة مصلحة في ذلك، فلا بأس أن يفتي به سرًّا، كما يصنع بعض العلماء فيما يفتون به سرًّا كالطّلاق الثلاث.


المسألة الثانية:
إذا جامع في يوم واحد مرّتين، فإن كفّر عن الأوّل لزمه كفّارة عن الثاني، وإن لم يكفّر عن الأول أجزأه كفّارة واحدة، وذلك لأنّ الموجَب والموجِب واحد، واليوم واحد، فلا تتكرّر الكفارة.

ومذهب الأئمة الثلاثة وهو قول في المذهب لا يلزمه عن الثاني كفارة، لأنّ يومه فسد بالجماع الأول، فهو في الحقيقة غير صائم، وإن كان يلزمه الإمساك، لكن ليس هذا الإمساك مجزئاً عن صوم، فلا تلزمه الكفّارة، لأنّ الكفّارة تلزم إذا أفسد صوماً صحيحاً، وهذا القول له وجه من النظر أيضاً.

مثاله:

رجل جامع في أوّل النّهار بعد طلوع الشمس بربع ساعة، ثم كفّر بعتق رقبة، ثم جامع بعد الظهر، فعلى المذهب يلزمه كفارة ثانية، لأنّه كفّر عن الأولى، وهو الآن وإن كان ليس صائماً صوماً شرعياً لكنّه يلزمه الإمساك، وعلى القول الثاني لا تلزمه الكفّارة، لأنّ الجماع لم يرد على صوم صحيح، وإنّما ورد على إمساك فقط، وإذا تأمّلت المسألة وجدت أنّ القول الثاني أرجح وأنّه لا يلزمه بعد أن أفسد صومه كفّارة؛ لأنّه ليس صائماً الآن، أمّا الإمساك فيلزمه الإمساك، لأنّ كل مَن أفطر لغير عذر، حرم عليه أن يستمرّ في فطره.

ولا فرق بين أن يكون الجماع واقعاً على امرأة واحدة أو اثنتين، فلو جامع الأولى في أول النهار، والثانية في آخره، ولم يكفّر عن الأول، فعليه كفارة واحدة.


***وَكَذَا مَنْ لَزِمَه الإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ وَمَنْ جَامَعَ وَهُوَ مُعَافَى، ثُمَّ مَرِضَ، أوْ جُنَّ، أَوْ سَافَرَ لَمْ تَسْقُطْ. .........


-قوله: «وَكَذَا مَنْ لَزِمَه الإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ» أي: وكالصّائم الذي كرّر الجماع أو فعله مرّة واحدة مَن لزمه الإمساك إذا جامع.

هذا له صور منها:

لو قامت البيّنة في أثناء النّهار بدخول الشّهر، وكان الرّجل قد جامع زوجته في أوّل النّهار قبل أن يعلم بالشّهر، فيجب عليه القضاء، وتجب عليه الكفّارة، لأنّه لزمه الإمساك في هذا اليوم، ولذلك يقول الفقهاء: يكره للإنسان أن يجامع زوجته في يوم الثلاثين من شعبان، لاحتمال أن تقوم البيّنة أثناء النّهار، ثم يلزم بالكفّارة،

وهذا القول ضعيف لقوله تعالى: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} [البقرة: 187] ولقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فَصُومُوا» [(387)].

-ومنها لو كان الرّجل مسافراً وكان مفطراً فقدم إلى بلده، فالمذهب يلزمه أن يمسك، مع أنّ هذا الإمساك لا يعتدّ به، ولو جامع فيه فإنّ عليه الكفارة، لأنّه يلزمه الإمساك.

-ومثل ذلك أيضاً إذا كان مريضاً يُباح له الفطر وقد أفطر، ثم شفاه الله وزال عنه المرض الذي استباح به الفطر، فإنّه على المذهب يلزمه الإمساك، فإن جامع فعليه الكفّارة.

-وكذلك بالنسبة للمرأة لو طهرت من الحيض في أثناء النّهار فيلزمها على المذهب الإمساك، فلو جامعها زوجها الذي يباح له الفطر فعليها الكفارة.

والقول الثاني: أنّه لا يلزمهم الإمساك، لأنّ هذا اليوم في حقّهم غير محترم، إذ إنّهم في أوّله مفطرون بإذن من الشّرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النّهار، إلاّ إذا قامت البيّنة، فهذا شيء آخر وعلى هذا لا تلزمهم الكفّارة إذا حصل الجماع.

وهذا هو القول الرّاجح، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «مَن أفطر أوّل النّهار فليفطر آخره» [(388)] أي: مَن أبيح له أن يفطر في أوّل النّهار، أبيح له أن يفطر في آخر النهار.


تنبيه:

ظاهر قوله: مَن لزمه الإمساك إذا جامع، يشمل ما إذا جامع في أوّل النهار قبل ثبوت دخول الشهر، ثم ثبت دخوله بعد ذلك فيلزمه الإمساك والكفّارة، والصحيح أنّ الكفّارة لا تلزمه لأنّه جاهل.

مسألة:

مَن أفسد صومه بالأكل والشرب، يجب عليه الإمساك والقضاء مع الإثم، ولو جامع زوجته فعليه الكفّارة، لأنّ أكله وشُربه محرّم عليه.


***قوله: «ومَن جامع وهو مُعَافَى، ثم مرض، أو جُنَّ، أو سافر لم تسقط» .
-هذه عكس المسألة السابقة، أي: أنّه جامع وهو مُعَافَى صائم، ثم مرض في أثناء النّهار بمرض يبيح له الفطر فتلزمه الكفّارة، مع أنّه في آخر النّهار يباح له أن يفطر، لكن هو حين الجماع كان ممّن لم يؤذن له بالفطر فلزمته الكفّارة.

-وكذلك أيضاً مَن جامع وهو عاقل، ثم جُنَّ في أثناء النّهار، فالصّوم يبطل بالجنون وعليه الكفّارة، لأنّه حين الجماع من أهل الوجوب.

-وكذلك مَن جامع في أوّل النهار، ثم سافر في أثنائه، فإنّه يباح له الفطر، وتلزمه الكفّارة.

فإذا قال: قد أذن لي بالفطر آخر النّهار فلا كفّارة عليّ، كالّذي أذن له بالفطر أوّل النّهار وجامع في آخره ورجّحتم أنّه لا كفّارة عليه فما الفرق؟

فالجواب:

أنّ الفرق ظاهر جداً، فأنت حينما جامعت لم يؤذن لك بالفطر، بل أنت مُلزم بالصّوم، وما طرأ من العذر فهو طارئ بعد انتهاكك لحرمة الزّمن، فظهر الفرق.


***وَلاَ تَجِبُ الكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الجِمَاعِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ. ........

-قوله: «ولا تجب الكفّارة بغير الجماع في صيام رمضان»

أراد المؤلف ـ رحمه الله ـ أن يبيّن ما تجب به الكفّارة من المُفطرات، فبيّن أنّها لا تجب بغير الجماع في صيام رمضان. فهذان شرطان:

-الأوّل: أن يكون مُفسد الصّوم جماعاً،

-والثاني: أن يكون في صيام رمضان،

ونزيد شرطين آخرين

-أحدهما: أن يكون الصّيام أداء،

-والثّاني: أن يكون ممّن يلزمه الصّوم.

فلا تجب الكفّارة بالجماع في صيام النّفل، أو في صيام كفّارة اليمين، أو في صيام فدية الأذى، أو في صيام المتعة لمن لم يجد الهدي، أو في صيام النّذر،

ولا تجب الكفّارة إذا جامع في قضاء رمضان، ولا تجب إذا جامع في رمضان وهو مسافر، ولا تجب الكفّارة في الإنزال بِقُبْلَة، أو مباشرة، أو نحو ذلك، لأنّه ليس بجماع.

وإنّما نصّ المؤلف على هذه المسألة مع أنّ الأصل عدمها، وقد ذكرت سابقاً، لأنّ الفقهاء إذا نفوا حكماً معلوماً انتفاؤه، فإنّما يريدون الإشارة إلى الخلاف أي خلافاً لِمَن قال بذلك،

وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:

القول الأوّل: أن الفطر بالإنزال كالجماع لأنّه من جنسه فيقولون: تجب الكفّارة فيما إذا أفطر بالإنزال من مباشرة أو تقبيل أو ما أشبه ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد ولكنّها ضعيفة.

القول الثاني: أنّه إذا قصد انتهاك حُرمة رمضان، فإنّه يلزمه القضاء والكفّارة، لأنّ هذا لم يقصد مجرّد الفطر بل قصد انتهاك الحرمة وهذا ضعيف أيضاً.

القول الثّالث: أنّ الكفّارة لازمة بالأكل والشُّرب إن كان للغذاء أو للدّواء بخلاف الأكل والشرب الذي ليس للدّواء ولا للغذاء، فإنّه يفطر لكن ليس فيه كفّارة،

وكل هذه أقوال مبنيّة على آراء ليس لها أصل لا من الكتاب ولا من السُّنَّة،

والصّواب أنّ الكفّارة لا تجب إلاّ بالجماع في نهار رمضان، لأنّ الكفّارة لم ترد إلاّ في هذه الحال، والأصل براءة الذّمّة وعدم الوجوب، فنقتصر على ما جاء به النّص فقط.


***وظاهره أنّ الكفارة تجب بالجماع، وإن لم يحصل إنزال، وهو كذلك، لأنّ الكفّارة مرتّبة على الجماع، لقوله في حديث الأعرابي: «وقعت على امرأتي» فجعل العلّة الوقاع ولم يذكر الإنزال.

مسألتان:

-الأولى: قال في الروض: «والنزع جماع»: أي لو كان الرّجل يجامع زوجته في آخر الليل، ثم أذّن مؤذّن، وهو ممّن يؤذّن على طلوع الفجر، فنزع في الحال، فإنّه يترتب عليه ما يترتب على الجماع من القضاء والكفارة، وهذا من غرائب العلم؛ فكيف يكون الفارُّ من الشيء كالواقع فيه؟!!

ولهذا كان القول الرّاجح أنّه ليس جماعاً بل توبة، وأنّه لا يفسد الصّوم وليس عليه كفّارة.

الثانية: وقال في الروض أيضاً: «والإنزال بالمساحقة كالجماع»، والمساحقة تكون بين المرأتين، فلو أنزلتا فليس عليهما إلاّ القضاء، ولا كفّارة، وإن أنزلت إحداهما فعليها القضاء فقط دون الكفّارة، هذا على الصّحيح.

***وَهْيَ عِتْقُ رَقْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِيِّنَ مِسْكِيناً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ.

-قوله: «وهي» أي: كفّارة الوطء في نهار رمضان.

-قوله: «عتق رقبة» أي: فكّها من الرّق، ووجه المناسبة هو أنّ هذا الرّجل لمّا جامع في نهار رمضان مع وجوب الصّوم عليه، استحقّ أن يعاقب، ففدى نفسه بعتق الرّقبة.

-قوله: «فإن لم يجد» يعني إن لم يجد رقبة، أو لم يجد ثمنها.

-قوله: «فصيام شهرين متتابعين» : «فصيام» الفاء رابطة للجواب وصيام مبتدأ وخبره محذوف، والتّقدير فعليه صيام شهرين متتابعين بدلاً عن عتقه الرقبة.

-قوله: «فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً» أي: فعليه إطعام ستين مسكيناً،

والمسكين هنا يشمل الفقير والمسكين، لأنّ الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعاً كان الفقير أشدّ حاجة، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر صارا بمعنى واحد، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.

ودليل ذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للرجل الذي قال إنّه أتى أهله في رمضان «اعتق رقبة»، فقال: لا أجد، قال: صُمْ شهرين متتابعين، فقال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد»[(389)] فجعلها النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتّبةً، وهذه أغلظ الكفّارات، ويساويها كفّارة الظّهار الذي وصفه الله بأنّه منكر من القول وزور، ويليها كفّارة القتل، لأنّ القتل ليس فيه إلاّ خصلتان، العتق والصّيام وليس فيه إطعام.

-وقوله: «صيام شهرين متتابعين» هل المعتبر الأهلّة، أو المعتبر الأهلّة في شهر كامل والأيّام في الشّهر المجَزَّأ؟

في هذا قولان للعلماء، والصحيح أنّ المعتبر الأهلّة، سواء في الشهر الكامل، أو في الشهر المجَزَّأ.

فإن قيل: ما الفرق بين القولين؟

فالجواب:

يظهر ذلك بالمثال، فإذا ابتدأ الإنسان هذين الشّهرين من أوّل ليلة ثبت فيها الشهر ـ ولِنَقُل إنّه شهر جُمادى الأولى ـ ابتدأه من أوّل يوم منه فيختمه في آخر يوم من شهر جمادى الآخرة، ولنفرض أن جُمادى الأولى تسعة وعشرون يوماً، وكذلك جمادى الآخرة ـ فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً، وهذا لا شك أنّه يعتبر بالهلال.

لكن إذا ابتدأ الصّوم من نصف شهر جمادى الأولى فجمادى الآخرة معتبرة بالهلال لأنّه سوف يدرك أوّل الشهر وآخر الشهر فيعتبر بالهلال يقيناً.

أمّا الشهر الثاني الذي ابتدأهُ بالخامس عشر من جُمادى الأولى فيكمله ثلاثين يوماً، ويكون آخر صومه اليوم الخامس عشر من رجب على القول الثاني الذي يعتبر الشهر المجزأ ثلاثين يوماً،

أمّا على القول الراجح الذي يعتبر الأهلّة مطلقاً: فإنّ آخر أيام صومه هو الرابع عشر من شهر رجب، إذا كان شهر جمادى الأولى تسعة وعشرين يوماً، فإذا قدّرنا أنّ شهر جمادى الأولى ناقص، وكذلك شهر جمادى الثانية فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً.

-وقوله: «متتابعين» أي: يتبع بعضهما بعضاً بحيث لا يفطر بينهما يوماً واحداً، إلاّ لعذر شرعيّ كالحيض والنّفاس بالنسبة للمرأة، وكالعيدين وأيام التشريق، أو حسّي كالمرض والسّفر للرجل والمرأة بشرط ألاّ يسافر لأجل أن يفطر، فإن سافر ليفطر انقطع التّتابع.

-وقول المؤلّف: «فإطعام ستّين مسكيناً» : هنا قدّر الطّاعم دون المُطعم فهل المطعم مقدّر؟

المشهور من المذهب أنّه مُقدّر وهو مدٌّ من البر أو نصف صاع من غيره لكل مسكين، والمد ربع الصاع، أعني صاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى هذا فتكون الأصواع لستين مسكيناً خمسة عشر صاعاً بصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، من البر، وصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم ينقص عن الصاع المعروف الآن هنا في القصيم الخمس، وعلى هذا يكون الصاع في القصيم خمسة أمداد، ويكون إطعام ستين مسكيناً اثني عشر صاعاً بأصواع القصيم.

وقيل: بل يطعم نصف الصاع من البر أو غيره، واحتج هؤلاء بأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ حين حلق رأسه في العمرة، قال: «أطعم ستّة مساكين لكل مسكين نصف صاع» [(390)] وأطلق، ولم يقل من التمر أو من البر، وهذا يقتضي أن يكون المقدّر نصف الصاع، وإذا كان كذلك فزد على ما قلنا النصف، فيكون بالنسبة لصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثين صاعاً، وبالنسبة لصاعنا أربعة وعشرين صاعاً.

والأمر في هذا قريب، فلو أن الإنسان احتاط وأطعم لكل مسكين نصف صاع لكان حسناً.

وقيل: إنّه لا يتقدر بل يطعم بما يعد إطعاماً فلو أنه جمعهم وغدّاهم أو عشّاهم أجزأ ذلك، لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً[(391)]؟ وهذا هو الصحيح.


مسألة:

الطعام والمُطْعَم ينقسم في الشّرع إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ما قُدر فيها الطعام دون المطعم.

الثاني: ما قدر فيها المطعَم دون الطعام.

الثالث: ما قدر فيها الطعام والمطعَم.

مثال الأول:

زكاة الفطر فإنّها صاع من طعام تعطى لواحد أو اثنين أو تجمع صاعين أو ثلاثة لواحد، لا مانع.

مثال الثاني:

هذه المسألة ومثل كفّارة اليمين.

مثال الثالث:

مثل فدية الأذى، كحلق الرأس في الإحرام، قال تعالى: {{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}} [البقرة: 196] وانظر إلى الآية يقول الله: {{صَدَقَةٍ}} لم يقل أو إطعام

وبيّنها الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال لكعب بن عجرة: تطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع[(392)]، والمشهور من المذهب يقولون إنّ الإطعامات المطلقة تحمل على هذا المقيّد، فكل إطعام لا بد أن يكون نصف صاع، لكن يقال لهم: أنتم تقولون نصف صاع من غير البر، ومدٌّ من البر، مع أن حديث كعب بن عجرة نصف صاع مطلقاً، فأنتم الآن قستم ولا قستم، والصّواب أنّ ما لم يُقيد يكفي فيه الإطعام.


-قوله: «فإن لم يجد سقطت» أي: الكفّارة، ودليل ذلك من الكتاب، والسُّنّة،

- أمّا من الكتاب فقوله تعالى: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}} [الطلاق: 7] ، وهذا الرّجل الفقير ليس عنده شيءٌ فلا يكلّف إلاّ ما آتاه الله، والله ـ عزّ وجل ـ بحكمته لم يؤته شيئاً، ودليل آخر قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ،

ودليلٌ ثالثٌ العموم، عموم القاعدة الشرعيّة، وهي أنّه لا واجب مع عجزٍ، فالواجبات تسقط بالعجز عنها، وهذا الرّجل الذي جامع لا يستطيع عتق الرّقبة ولا الصيام ولا الإطعام، نقول إذاً: لا شيء عليك وبرئت ذمّتك.


فإن أغناه الله في المستقبل فهل يلزمه أن يكفر أو لا؟

فالجواب:

لا يلزمه لأنّها سقطت عنه، وكما أنّ الفقير لو أغناه الله لم يلزمه أن يؤدّي الزكاة عمّا مضى من سنواته لأنّه فقير فكذلك هذا الذي لم يجد الكفّارة إذا أغناه الله تعالى لم يجب عليه قضاؤها.

-أمّا الدليل من السُنَّة فهو أن الرّجل لمّا قال: (لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً) لم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم أطعمهم متى استطعت، بل أمره أن يطعم حين وجد، فقال: (خذ هذا تصدّق به، فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله... فقال: أطعمه أهلك)، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمّتك، فدل هذا على أنّها تسقط بالعجز.

وقال بعض العلماء: إنّها لا تسقط بالعجز، واستدلوا بالحديث، قالوا: لأن الرجل قال: لا أجد، فلمّا جاء النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم التمرُ، قال: خُذ هذا تصدّق به، ولو كانت ساقطة بالعجز لم يقل: خُذ هذا تصدّق به.

فيُقال: الجواب:

إِنَّ هذا وجده في الحال، يعني وجده في المجلس الذي أفتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم به، فكان كالواجد قبل ذلك، ولهذا لمّا قال: أطعمه أهلك، لم يقل: وعليك كفّارة إذا اغتنيت.

والقول الرّاجح أنّها تسقط،

وهكذا أيضاً نقول في جميع الكفّارات، إذا لم يكن قادراً عليها حين وجوبها فإنّها تسقط عنه، إمّا بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}} [الطلاق: 7] وما أشبه ذلك،

وعلى هذا فكفّارة الوطء في الحيض إذا قلنا: إنّ الوطء في الحيض يوجب الكفّارة، فإنّها تسقط.

وفدية الأذى إذا لم يجد ولم يستطع الصوم تسقط،

وهكذا جميع الكفارات بناءً على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناءً على القاعدة العامة الأصوليّة التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنّه (لا واجب مع عجز).

والغريب أنّ بعض العلماء سلك مسلكاً غريباً وقال: إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال له: «أطعمه أهلك» أي: كفّارة، لا أنّه دفعٌ لحاجتهم، وهذا ليس بصواب لأمرين:

أولاً: أنّه لا يمكن أن يكون الرّجل مصرفاً لكفّارته كما لا يكون مصرفاً لزكاته، أرأيت لو أنّ شخصاً عنده دراهم تجب فيها الزّكاة، وهو مدين فإنّه لا يصرف زكاته في دينه، وهذا أيضاً لا يمكن أن يصرف كفّارته لنفسه.

ثانياً: أنّ الكفّارة إطعام ستين مسكيناً، وهذا الرّجل ـ الذي يظهر والله أعلم ـ أنّه ليس عنده إلاّ زوجته أو ولد أو ولدان أو أكثر، ولو كانت كفّارة لقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل عندك ستون شخصاً تعولهم، حتى يثبت الأمر.

فهذا المسلك مسلك ضعيف
.

والمذهب لا يسقط من الكفّارات بالعجز إلاّ اثنتان: كفّارة الوطء في الحيض، وكفّارة الوطء في رمضان، وباقي الكفّارات لا تسقط بالعجز بل تبقى في ذمّته، لأنّ الدّين لا يسقط بالعجز عنه.

أرأيت لو أن شخصاً يطلبك دراهم وعجزت، فلا يسقط دينه بل يبقى في ذمّتك، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «دين الله أحق بالقضاء» [(393)].

مسألة:

كلّما جاءت الرّقبة مطلقة، فلا بد من شرط الإيمان، لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لمّا جاء معاوية بن الحكم يستفتيه في جارية غضب عليها ولطمها فأراد أن يعتقها، فدعاها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وقال: أين الله؟ فقالت: في السّماء، فقال: اعتقها فإنّها مؤمنة[(394)]؛ ولأنّ إعتاق الكافرة قد يستلزم ذهابها إلى الكفّار، لأنّها تحرّرت فتذهب إلى بلاد الكفر ولا يرجى لها إسلام.

مسألة:

اشتراط سلامة الرّقبة من العيوب فيه خلاف:

فقيل بالإشتراط، وقيل: لا نشترط سوى ما اشترط الله وهو: الإيمان،

-واستدلّ مَن قال بالاشتراط، أنّ إعتاق المعيب عيباً يخلّ بالعمل خللاً بيّناً. فإنّ إعتاقه يكون به عالة على غيره، وعدم إعتاقه أحسن له.

والمسألة تحتاج لتحرير، لكن الذي يظهر لي أنّه لا يشترط.

-----------------------------------------------------------------------

[356] أخرجه أبو داود في الطهارة/ باب في الإستنثار (142)، والنسائي في الطهارة/ باب المبالغة في الإستنشاق (1/66) والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم... (788)، وصححه ابن خزيمة (150)، وابن حبان (1087).

[357] «الإنصاف» (3/299).

[358] «حقيقة الصيام»، ص(37).

[359] أخرجه أحمد (2/498)؛ وأبو داود في الصيام/ باب الصائم يتقيء عمداً (2380)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء فيمن استقاء عمداً (720)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في الصائم يقيء (1676)؛ والنسائي في «الكبرى» (3117)؛ وصححه ابن خزيمة (1960)؛ وابن حبان (3518)؛ والحاكم (1/427)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[360] «المحلى» (6/203).

[361] أخرجه البخاري في الصوم/ باب فضل الصوم (1894)؛ ومسلم في الصيام/ باب حفظ اللسان للصائم (1151) (164) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[362] أخرجه مسلم في الزكاة/ باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1006) عن أبي ذر رضي الله عنه.

[363] أخرجه البخاري في العلم/ باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال (132)، ومسلم في الحيض/ باب المذي (303) عن علي رضي الله عنه.

[364] أخرجه الإمام أحمد (5/351)؛ وأبو داود في النكاح/ باب في ما يؤمر به من غض البصر (2149)؛ والترمذي في الأدب/ باب ما جاء في نظرة الفجاءة (2777)؛ والحاكم (2/194)، عن بريدة رضي الله عنه ولفظه: «وليست لك الآخرة».

وقال الترمذي: «حسن غريب»، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في «غاية المرام» (183).

[365] أخرجه البخاري في العتق/ باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه (2528)؛ ومسلم في الإيمان/ باب إذا هم العبد بحسنة (127) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[366] أخرجه البخاري في الصوم/ باب الحجامة والقيء للصائم (1938).

[367] أخرجه البخاري في الصوم/ باب الحجامة والقيء للصائم (1940).

[368] أخرجه أحمد (4/123)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في الصائم يحتجم (2368)؛ والنسائي في «السنن الكبرى» (3126) ط/الرسالة؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في الحجامة للصائم (1681)؛ وصححه ابن حبان (3533)؛ والحاكم (1/428).

وقال عبد الله بن أحمد في مسائله (682): «سمعت أبي يقول: هذا من أصح حديث يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في إفطار الحاجم والمحجوم».

ونقل الحاكم عن إسحاق بن راهويه تصحيحه، وصححه علي بن المديني والبخاري كما في «التلخيص» للحافظ (2/193).

وقال النووي في «شرح المهذب» (6/350): «على شرط مسلم»، وانظر في طرق هذا الحديث «السنن الكبرى» للنسائي.

[369] «المبدع» (3/16).

[370] سبق تخريجه ص(287).

[371] «حقيقة الصيام» ص(81، 82، 83، 84).

[372] وللإمام أحمد مفردات منظومة شرحها الشيخ منصور البهوتي، وهي مفيدة.

[373] أخرجه ابن ماجه في الطلاق/ باب طلاق المكره والناسي (2043) عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، ولفظه: «إن الله تجاوز لي عن أمتي...»؛ وأخرجه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (2045) ولفظه: «إن الله وضع عن أمتي...» وصححه ابن حبان (7219)، وصححه الحاكم (2/198) على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

[374] أخرجه البخاري في الصوم/ باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً (1933)؛ ومسلم في الصيام/ باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1155).

[375] أخرجه البخاري في الأذان/ باب التشهد في الآخرة (831) ومسلم في الصلاة/ باب التشهد في الصلاة (402) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[376] وقد تقدم الكلام على هذا الشرط عند قول المؤلف: «عامداً».

[377] أخرجه البخاري في التفسير/ باب {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} (4509)؛ ومسلم في الصيام/ باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (1090) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.

[378] سبق تخريجه ص(333).

[379] سبق تخريجه ص(377).

[380] أخرجه أحمد (2/180)؛ وأبو داود في الطهارة/ باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً (135)؛ والنسائي في الطهارة/ باب الاعتداء في الوضوء (1/88)؛ وابن ماجه في الطهارة/ باب ما جاء في القصد من الوضوء وكراهية التعدي (422)؛ وصححه ابن خزيمة (174)؛ وصححه الحافظ في «التلخيص» (82).

[381] سبق تخريجه ص(333).

[382] أخرجه البخاري في الصوم/ باب متى يحل فطر الصائم (1954)؛ ومسلم في الصيام/ باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار(1100) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[383] سبق تخريجه ص(333).

[384] أخرجه البخاري في الصوم/ باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدّق عليه فليكفّر (1936)؛ ومسلم في الصيام/ باب تحريم الجماع في شهر رمضان... (1111).

[385] أخرجه البخاري في البيوع/ باب من أجرى الأمصار على ما يتعارفون بينهم... (2211)؛ ومسلم في الأقضية/ باب قضية هند(1714) عن عائشة رضي الله عنها.

[386] سبق تخريجه ص(402).

[387] سبق تخريجه ص(303).

[388] أخرجه ابن أبي شيبة (3/54).

[389] سبق تخريجه ص(402).

[390] سبق تخريجه ص(185).

[391] سبق تخريجه ص(402).

[392] سبق تخريجه ص(185).

[393] سبق تخريجه ص(46).

[394] أخرجه مسلم في المساجد/ باب تحريم الكلام في الصلاة (537).

******************

للتنبيه فقط:

المصدر: من الموقع الرّسمي القديم للشيخ العثيمين رحمه الله. ورابط الموضوع لايعمل الآن. وقد تمّ نشره من قبل في: 18/07/2013

وفّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه. وأعاننا جميعًا على ذكره وشكره وحسن عبادته.



رد مع اقتباس