عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05 Aug 2011, 06:37 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المطلب الثاني:
الإلحاد في الأسماء الحسنى من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة

إن مما لابد أن نذكره هنا أن لمعرفة حقيقة الإلحاد في الأسماء الحسنى سبيلان:

الأول: ذكر النصوص والأقوال المصرحة بذلك، والثاني: معرفة الطريق المستقيم وتقريره وتوضيحه حتى تستبين سبيل الملحدين.

أولا: ذكر النصوص والأقوال المصرحة بذلك:

لم ترد آيات صريحة في المنع والتحذير من الإلحاد في الأسماء الحسنى سوى ماجاء في آية الأعراف:
قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180]
روى ابن ابي حاتم: عن ابن عباس: الإِلْحَادُ، أَنْ دَعَوُا اللاتَ وَالْعُزَّى فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وعنه كذلك: التَّكْذِيبُ.
وعن الاعمش: يُدْخِلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا.
وعن عطاء: الإِلْحَادُ: الْمُضَاهَاةُ(1) .
وروى الطبري: عن ابن عباس: مثل ما سبق.
وعن مجاهد: اشتقوا "العزى" من "العزيز"، واشتقوا "اللات" من "الله".
وعن قتادة: يلحدون؛ يشركون(2) .
قال البغوي: "قال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله: تسميته بما لم يُسَمَّ به، ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجملته: أن أسماء الله تعالى على التوقيف..." (3) .
قال شيخنا أبو بكر الجزائري: "فقد أخبر تعالى فيها بأن الأسماء الحسنى له تعالى خاصة لا يشاركه فيها أحد من خلقه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مائة اسم إلا اسما أي تسعة وتسعون اسما ووردت مفرقة في القرآن الكريم ، وأمر تعالى عباده أن يدعوه بها يا الله ، يا رحمن يا رحيم يا رب ، يا حي يا قيوم ، وذلك عند سؤالهم إياه وطلبهم منه ما لا يقدرون عليه ، كما أمرهم أن يتركوا أهل الزيغ والضلال الذين يلحدون في أسماء الله فيؤوّلونها، أو يعطلونها، أو يشبهونها، أمر عباده المؤمنين به أن يتركوا هؤلاء له ليجزيهم الجزاء العادل على ما كانوا يقولون ويعملون، لأن جدالهم غير نافع فيهم ولا مُجدٍ للمؤمنين ولا لهم
"(4) .

ثانيا: معرفة الطريق المستقيم وتقريره وتوضيحه:

قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام:55].
قال أبو بكر الجزائري: "أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات مستقبلاً لبيان الهداية الإلهية ليهتدي من أراد الله له الهداية وقد طلبها ورغب فيها، ولتستبين وتتضح سبيل المجرمين، فلا تُتبع وَيَنْهى عن أتباعها، لأنها طريق الهلاك والدمار"(5) .

قال ابن عثيمين: "ولا يعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة، لأنه كما قيل : بضدها تتبين الأشياء. فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته أن نجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، على القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب، فإذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن خلاف الاستقامة هو الإلحاد"(6) .

قال تعالى: { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } [الرعد:30]
عن قتادة وابن جريج ومقاتل أن الآية نزلت في مشركي مكة لما رأوا كتاب الصلح يوم الحديبية ، وقد كتب فيه علي رضي الله عنه : " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فقال سهيل بن عمرو : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة .
ومنهم من قال : « سمع أبو جهل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " يا الله يا رحمن " ، فقال : إن محمدا ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهين ، فنزلت ».
وعن بعضهم أنه لما قيل لكفار قريش : { اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ } قالوا : { وَمَا الرَّحْمَنُ } فنزلت (7) . وقيل غير ذلك مما يطول .
روى ابن جرير أيضا عن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ساجدا يقول : " يا رحمن، يا رحيم " ، فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى. فأنزل : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا }[الفرقان:60] (8) .
وقال تعالى:{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء:110]،
وقال:{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }[طه:8]،
وقال:{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }[مريم:65]،
وقال:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }[الشورى:11]،
وقال:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[الحشر:22-24]،
وفي الصحيحين: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ». وَزَادَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ »(9) .

وفُُسِّّر الإحصاء في الحديث بأشياء وجماع ذلك ثلاثة أمور، الإتيان بها مجتمعة هو معنى الإحصاء:
الأول: حفظها.
الثاني: معرفة معانيها.
الثالث: التعبد لله جل وعلا بها.

وفي سنن ابن ماجه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا إنه وتر يحب الوتر من حفظها دخل الجنة وهي الله الواحد الصمد الأول الآخر الظاهر الباطن الخالق البارئ المصور الملك الحق السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم اللطيف الخبير السميع البصير العليم العظيم البار المتعال الجليل الجميل الحي القيوم القادر القاهر العلي الحكيم القريب المجيب الغني الوهاب الودود الشكور الماجد الواجد الوالي الراشد العفو الغفور الحليم الكريم التواب الرب المجيد الولي الشهيد المبين البرهان الرءوف الرحيم المبدئ المعيد الباعث الوارث القوي الشديد الضار النافع الباقي الواقي الخافض الرافع القابض الباسط المعز المذل المقسط الرزاق ذو القوة المتين القائم الدائم الحافظ الوكيل الفاطر السامع المعطي المحيي المميت المانع الجامع الهادي الكافي الأبد العالم الصادق النور المنير التام القديم الوتر الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قال زهير فبلغنا من غير واحد من أهل العلم أن أولها يفتح بقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى» .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "والذي عوَّل عليه جماعةٌ من الحفاظ: أنّ سرد الأسماء في هذا الحديث مُدرَج فيه"(10) .

وفي حديث ابن مسعود الذي صحَّحه ابن حبَّان: "أسألك بكلّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفسَك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من خلقك أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك"(11) .

قال شيخ الإسلام: "ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه وله سبحانه في كل لغة أسماء وهي في اللغة العربية أسماء كثيرة"(12) .

وقال: "الأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله : نفيا وإثباتا فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه"(13) .

وقال ابن القيم: "وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها"(14) .
قال النووي في شرح حديث "الدين النصيحة": "أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشريك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص..." (15) .

ــــــــــــــــــــــ

1 - عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم ، تح: أسعد محمد الطيب،د ط ( صيدا، المكتبة العصرية )ج5 ص1623.
2 - ابن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن 13/ 282-283.
3 - الحسين بن مسعود البغوي، معالم التنزيل 3/307، تح: عبد الله النمر وآخرون، ط4 ( د ب، دار طيبة للنشر والتوزيع،1417 هـ - 1997 م).
4 - أبو بكر بن جابر الجزائري، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير2/265، ط5 ( د ب، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم، 1424هـ/2003م).
5 - أيسر التفاسير 2/67.
6 - محمد بن صالح العثيمين، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، جمع وترتيب : فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، ط: الأخيرة ( د ب، دار الوطن- دار الثريا، 1413 هـ) 1/158.
7 - ذكر هذا الآثار البغوي في تفسيره 4/318.
8 - جامع البيان في تأويل القرآن 17/580.
9 - محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، الجامع الصحيح المختصر ، تح: د. مصطفى ديب البغا، ط3 ( بيروت، دار ابن كثير، 1407 – 1987) رقم: 2585. و مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح ، د ط (بيروت، دار الجيل مع دار الأفاق الجديدة) رقم: 6986 واللفظ له.
10 - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، تح: سامي بن محمد سلامة، ط2 (د ب، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1420هـ - 1999م).
11 - محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، تح: شعيب الأرنؤوط ، ط2 (بيروت، مؤسسة الرسالة، 1414 – 1993) ج3 ص253 برقم: 972.
12 - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، درء تعارض العقل والنقل، تح: محمد رشاد سالم، (الرياض، دار الكنوز الأدبية ، 1391هـ) ج2 ص115.
13 - ابن تيمية، مجموع الفتاوى 3/03.
14 - محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد، تح: هشام عبد العزيز عطا وآخرون، ط1 (مكة المكرمة، مكتبة نزار مصطفى الباز، 1416هـ – 1996م) ج1 ص177 .
15 - يحيى بن شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 2/38، ط2 (بيروت، دار إحياء التراث العربي، .1392هـ).


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيد الله عبد الله ; 05 Aug 2011 الساعة 06:46 PM
رد مع اقتباس