عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 Feb 2008, 12:45 AM
سفيان القبائلي الجزائري سفيان القبائلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 285
افتراضي

خصائص الداعية]


فكل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلّم فإنه لا يُكتفى باتباعه، أن يقوم بالعبادات الخاصة. من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج وبر والدين، وصلة رحم، بل لابد أن يكون داعية إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بحاله ومقاله.. ولابُدَّ أن يكون أيضًا داعية إلى الله على بصيرة.. بحال من يدعوهم..؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذًا إلى اليمن، قال له: «إنك ستأتي قومًا أهل كتاب..» وأخبره بحالهم؛ ليكون مستعدًّا لملاقاتهم.. حتى ينزل كل إنسان منزلته، ولا ريب أنَّ كل إنسان عاقل.. يعلم الفرق بين دعوة الإنسان الجاهل، ودعوة الإنسان المعاند المكابر، ولهذا قال الله ـ تعالى ـ {وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُواْ آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، فالذين ظلموا لا نجادلهم بالتي هي أحسن، وإنما نجادلهم بما يليق بحالهم، وظلمهم، ولابُدَّ أن يكون الداعية عالمًا بأسلوب الدعوة.. وكيف يدعو الناس.. وهذا أمرٌ مهم جدًّا، بالنسبة للدُّعاة.. كيف يدعون الناس؟ هل يدعون الناس بالعنف، والشدِّة، والقدح فيما هم عليه، وسب ما ينتهجونه؟! أو يدعون الناس باللين والرفق، وتحسين ما يدعونهم إليه دون أن يقبوحهم فيما هم عليه من منهج وسلوك؟ نستمع يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم بل لعباده، لجميع المؤمنين: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108].
نحن نعلم جميعًا أن سب آلهة المشركين أمرٌ مطلوب؛ لأنها آلهة باطلة، كما قال الله ـ تعالى ـ: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62].
وسبّ الباطل، وبيان منزلته للناس أمرٌ مطلوب لابد منه.. ولكن إذا كان يترتب على ذلك مفسدة أكبر، مع إمكان زوال الباطل بدون هذه المفسدة.. فإن الله يقول: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ومعلوم أنهم إذا سبُّوا الله فإنهم يسبونه عدوًا بغير علم، بل نعلم أن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ منزه عن كل عيب، ونحن إذا سببنا آلهتهم، فقد سببناها بحق، ومع ذلك نهى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ عن هذا الحقِّ خوفًا من هذا الباطل العادي؛ لأنه شر، وبناءً على ذلك فإذا رأى الداعية شخصًا على أمرٍ يرى هذا الداعية أنه باطل، وصاحبه يرى أنه حق، فليس من طريق الدعوة التي أرشد الله إليها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلّم أن يقدح فيما هو عليه، من مذهب أو نحلة؛ لأن ذلك ينفره، وربما يؤدي إلى أن يسب ما أنت عليه من الحق؛ لأنك سببت ما هو عليه من الباطل الذي يعتقده حقًّا، ولكن الطريق: أن أبين له الحق، وأشرحه له؛ لأن كثيرًا من الناس، ولا سيما المقلدون، قد يخفى عليهم نور الحق.. بما غشيهم من الهوى والتقليد، لذلك أقول: يبين الحق ويوضح، ولا شك أن الحق تقبله الفطر السليمة؛ لأنه دين الله وشرعه.. فلابد أن يؤثر هذا الحق... أن يؤثر في المدعو.. لا أقول: إنه يؤثر في الحال؛ لأن هذا قد يكون من الأمور الصعبة.. لكن قد يؤثر ولو بعد حين.. قد يفكر هذا المدعو فيما دُعِيَ إليه، مرةً بعد أخرى حتى يتبين له الحق، فالمهم أن الداعية لابد أن يكون ذا بصيرة بما يدعو إليه في الأسلوب الذي يدعو إليه الناس؛ لأن هذا أمر مهم بالنسبة لقبول الدعوة ورفضها.. ولا يخفى علينا جميعًا ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلّم في كيفية الدعوة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالتي هي أحسن، لا يخفى علينا قصة الأعرابي الذي جاء فبال في طائفة من المسجد ـ فزجره الناس وأنكروا عليه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال: «دعوه ولا تزرموه...»
فلما فرغ من بوله.. أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بما تزول به هذه المفسدة، وهي أن يصب عليه ذنوبٌ من ماء، أي: دلو أو شبهه، ثم دعا الأعرابيّ، وقال له: «إن هذه المساجد، لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ والصلاة، وقراءة القرآن» أو كما قال صلى الله عليه وسلّم. فتأمل هذه الدعوة إلى الحق بهذا الأسلوب.. ماذا تتصور من حال هذا الأعرابي الذي دعاه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى تعظيم المساجد.. بهذا الأسلوب الليّن السهل، إنك لن تتصور إلاَّ أن هذا الأعرابي سيقبل وسيطمئن وسيرتاح، وسيجد الفرق بين ما قام به الصحابةـ رضي الله عنهم ـ من الزجر، وما قام به النبي صلى الله عليه وسلّم من التعليم الهادئ، الذي ينشرح فيه الصدر، ويطمئن به القلب..

رد مع اقتباس