عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03 Jan 2018, 03:34 PM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي خمس مسائل في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ... ﴾ [البقرة:198]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أمابعد:
قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة:198]
في الآية خمس مسائل:
-المسألة الأولى: في معنى ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا ﴾.
اتفق المفسرون على تقدير حرف الجر (في) قبل ﴿ أَنْ تَبْتَغُوا ﴾؛ أي في أن تبتغوا أي تطلبوا( 1).
-المسألة الثانية: في متعلق (في أن تبتغوا).
اختلف المفسرون والمعربون في متعلق (في أن تبتغوا) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: متعلق بـــ ﴿جُنَاحٌ ﴾ لما فيه من معنى الفعل وهو الميل والإثم. وهو "قول الزجاج، وجوزه العكبري والسمين الحلبي"(2 ).
القول الثاني: متعلق بمحذوف صفة لــ ﴿ جُنَاحٌ ﴾ فيكون مرفوع المحل أي: جناحٌ كائنٌ في كذا. جوزه "العكبري والسمين الحلبي"( 3)
القول الثالث: متعلق بـ ﴿ لَيْسَ﴾. وهو رأي القرطبي( 4)، وضـعفه العكبري(5 )، وحكم بتخطئته السمين الحلبي( 6).
-المسألة الثالثة: معنى ﴿ فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾
اختلف في معنى الفضل إلى قولين:
القول الأول: الربح بالتجارة، وهو قول أغلب المفسرين( 7)، وقد حكى أبو حيان الإجماع على جواز التجارة والاكتساب في الحج استدلالا بهذه الآية( 8).
القول الثاني: هو أن يبتغي الإنسان حال كونه حاجا أعمالا أخرى تكون موجبة لاستحقاق فضل الله ورحمته مثل إعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، ذكره الفخر الرازي( 9).
-المسألة الرابعة: في إعراب ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾ ومعناه.
اختلف المفسرون والمعربون في إعراب ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾ومعناه على ستة أقوال:
القول الأول: أن تكون الكاف في محل نصب على أنها نعت مصدر محذوف أي: ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة. وهو "قول الزمخشري والقرطبي والشوكاني"( 10)، وذكره "العكبري وأبو حيان والسمين الحلبي والآلوسي"( 11).
القول الثاني: أن تكون الكاف في محل نصب على الحال من ضمير المصدر المقدر، نسبه السمين الحلبي لسيبويه( 12).
القول الثالث: أن تكـون الكاف للتعليل بمعنى اللام، أي: اذكروه لأجلِ هدايته إياكم، وهو قول "البغوي وابن الجوزي"( 13)، وذكره "أبو حيان والسمين الحلبي والآلوسي"(14 )، واختاره "ابن عاشور وابن عثيمين"(15 ).
القول الرابع: أن تكون الكاف في محلِّ نصب على الحال من فاعل ﴿وَاذْكُرُوهُ﴾ تقديره: مشبهين لكم حين هداكم. ذكره "العكبري وأبو حيان والسمين الحلبي"(16)
القول الخامس: أن تكون الكاف بمعنى (على) كقوله تعالى: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة :185]. ذكره السمين الحلبي( 17).
القول السادس: المقصود من الكاف مجرد التقييد لا التشبيه؛ أى اذكروه على الوجه الذي هداكم إليه لا تعدلوا عما هديتم إليه؛ أي على حسب ما شرع؛ كما تقول: افعل كما علمتك. وهو قول "إسماعيل حقي"(18 )، وذكره البيضاوي وأبو السعود وابن عثيمين"(19 ).
-المسألة الخامسة: في عود الضمير في ﴿ مِنْ قَبْلِهِ ﴾.
اختُلف في عود الضمير في ﴿ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يرجع إلى الهدى. قال بهذا القول "مقاتل بن سليمان( 20)، وهو رأي أكثـر المفسرين"( 21).
القول الثاني: أنه يرجع إلى الإسلام، قاله "ابن عباس، وذكره أبو حيان"( 22).
القول الثالث: أنه يرجع إلى القرآن، قاله "سفيان الثوري( 23)، وجوزه ابن كثير وابن عثيمين"( 24)، وذكره أبوحيان"( 25).
القول الرابع: أنه يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كناية عن غير مذكور. جوزه ابن كثير وابن عثيمين"، وذكره البغوي( 26).
الـنـتـائـج:
من خلال الدراسة ظهر لي –والله تعالى أعلم- :
- في المسألة الثانية: جواز القول الأول والثاني؛ فيكون المعنى ليس عليكم جناح في أن تبتغوا أو ليس عليكم جناح كائن في أن تبتغوا...، والجناح الإثم، وتبتغوا أي تطلبوا؛ واخترت هذين القولين لأنه لا يستقيم المعنى إلا بهما.
- في المسألة الثالثة: ترجيح القول الأول ، وهو أن معنى الفضل: التجارة والتكسب؛ ودليله سبب نزول الآية، وهو: عن أبي أمامة التيمي، قال: قلت لابن عمر: إنَّا نُكْرِي، فَهَلْ لَنَا مِنْ حَجٍّ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَتَأْتُونَ الْمُعَرَّفَ، وَتَرْمُونَ الْجِمَارَ، وَتَحْلِقُونَ رُءُوسَكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي، فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَنْتُمْ حُجَّاجٌ "( 27)
وعن عبد الله ابن عبَّاس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: "كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَـجنَّـةُ وَذُو المـَجَاز أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ( 28).
- في المسألة الرابعة: ترجيح القول الثالث والسادس، وهو أن الكاف في ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾ للتعليل، والمعنى: اذكروه لأجل هدايته إياكم؛ "والكاف قد تأتي للتعليل، كما قال ابن مالك في الألفية:
شَبِّه بِكافٍ وَبِها التَّعلِيلُ قَدْ *** يُعنَى وَزَائِدًا لِتَوكِيدٍ وَرَدْ ( 29)
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا ﴾ الآية [البقرة: 151]؛ وكما في التشهد في قوله: ﴿ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. ﴾( 30)؛ أي لأنك صليت على إبراهيم فصل على محمد( 31)."( 32)
ويجوز أن تكون للتقييد؛ أي اذكروه على حسب ما شرع، ولا منافاة بين القولين.
- في المسألة الخامسة: جواز الأقوال كلها؛ إذ لا منافاة بينها وكلها متلازمة(33 ).

هذا ما تيسر جمعه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
( 1) ينظر:معاني القرآن وإعرابه للزجاج:(1/271)،إعراب القرآن للنحاس:(1/102)،التفسير البسيط للواحدي: (4/43)، الكشاف للزمخشري: (1/245)،مفاتيح الغيب للرازي:(5/322)،التبيان للعكبري:(1/162)، تفسير القرطبي:(2/413)، تفسير البيضاوي: (1/131)،الدر المصون للسمين الحلبي:(1/455)،وغيرها.
(2 ) ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج:(1/271)،التبيان للعكبري:(1/162)،الدر المصون للسمين الحلبي: (1/455).
( 3) ينظر: التبيان للعكبري:(1/162)،الدر المصون للسمين الحلبي: (1/455).
(4 ) ينظر:تفسير القرطبي:(2/413).
( 5) ينظر:التبيان للعكبري:(1/162).
(6 ) ينظر:الدر المصون للسمين الحلبي: (1/455).
(7 ) ينظر:تفسير الطبري:(4/163)، معاني القرآن وإعرابه للزجاج:(1/271)،تفسير ابن أبي زمنين:(1/210)،التفسير البسيط للواحدي: (4/43)، الكشاف للزمخشري:(1/245)،زاد المسير لابن الجوزي:(1/166)،مفاتيح الغيب للرازي:(5/322)، تفسير القرطبي: (2/413)، تفسير البيضاوي:(1/131)،نظم الدرر للبقاعي:(3/148)،فتح القدير للشوكاني:(1/231)، تفسير الفاتحة والبقرة لابن عثيمين: (2/421).
( 8) ينظر:البحر المحيط لأبي حيان:(2/293).
(9 ) ينظر:مفاتيح الغيب للرازي:(5/322).
(10 ) ينظر:التبيان للعكبري: (1/163)،البحر المحيط لأبي حيان:(2/298)،الدر المصون للسمين الحلبي:(2/332)،روح المعاني للآلوسي: (1/484).
( 11) ينظر:الكشاف للزمخشري:(1/247)،تفسير القرطبي:(2/427)،فتح القدير للشوكاني:(1/232).
( 12) ينظر:الدرالمصون للسمين الحلبي:(1/456).
( 13) ينظر:تفسير البغوي:(1/230)،زاد المسير لابن الجوزي:(1/166).
( 14) ينظر:البحر المحيط لأبي حيان:(2/298)،الدر المصون للسمين الحلبي:(2/332)،روح المعاني للآلوسي:(1/484).
( 15) ينظر:التحرير والتنوير لابن عاشور:(2/242)،تفسير الفاتحة والبقرة لابن عثيمين:(2/423).
( 16) ينظر:التبيان للعكبري:(1/163)،البحر المحيط لأبي حيان:(2/298)،الدر المصون للسمين الحلبي: (2/333).
( 17) ينظر: الدر المصون للسمين الحلبي: (2/333).
( 18) ينظر:روح البيان لإسماعيل حقي:(1/317).
( 19) ينظر:تفسير البيضاوي:(1/131)،تفسير أبي السعود:(1/208).
( 20) هو:مقاتل بن سليمان بن بشير،أبو الحسن،الأزدي البلخي،من كبار المفسرين،قال ابن المبارك:ما أحسن تفسيره لو كان ثقة! قال البخاري:مقاتل لا شيء البتة.قال الذهبي:أجمعوا على تركه،من مصنفاته:التفسير الكبير،نظائر القرآن،الناسخ والمنسوخ، توفي سنة (150هـ).ينظر في ترجمته:سير أعلام النبلاء للذهبي:(7/201)،طبقات المفسرين للداوودي:(2/330).
( 21) ينظر:زاد المسير لابن الجوزي:(1/166)،البحر المحيط لأبي حيان:(2/300)،تفسير الطبري:(4/184)،معاني القرآن وإعرابه للزجاج:(1/273)،تفسير البغوي:(1/230)،المحرر الوجيز لابن عطية:(1/275)،زاد المسير لابن الجوزي:(1/166)، البحر المحيط لأبي حيان:(2/300)،الدر المصون للسمين الحلبي: (2/334)،تفسير ابن كثير:(1/555)،روح المعاني للآلوسي:(1/484)،محاسن التأويل للقاسمي:(2/75)،التحرير والتنوير لابن عاشور: (2/242).
( 22) ينظر: زاد المسير لابن الجوزي:(1/166)،البحر المحيط لأبي حيان:(2/300).
( 23) هو:سفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوْريّ،أبو عبد الله،الكوفي،ولد سنة (97ه)،أحد الأئمة الأعلام،وأمير المؤمنين في الحديث، كان آية في الحفظ،من كلامه:ما حفظت شيئا فنسيته،من مصنفاته:الجامع الكبير والجامع الصغير كلاهما في الحديث،وكتاب في الفرائض.توفي سنة (161ه).ينظر في ترجمته:طبقات الحفاظ للسيوطي:(1/95)،الأعلام للزركلي:(3/104).
( 24) ينظر:تفسير ابن كثير:(1/555)،تفسير الفاتحة والبقرة لابن عثيمين: (2/424).
( 25) ينظر:زاد المسير لابن الجوزي:(1/166)،البحر المحيط لأبي حيان:(2/300)،تفسير ابن كثير:(1/555)،تفسير الفاتحة والبقرة لابن عثيمين: (2/424)
( 26) ينظر:تفسير البغوي:(1/230).
( 27) أخرجه الإمام أحمد في مسنده:(10/473).
( 28) أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب التفسير،سورة البقرة،باب ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭼ، رقم: (4247)،وابن جرير في تفسيره:(4/169).
( 29) ألفية ابن مالك:(35).
( 30) أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب الدعوات،باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،رقم:(6357)،ومسلم في صحيحه،كتاب الصلاة،باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،رقم:(406)، وأحمد في مسنده:(3/239).
(31 ) واحتج ابن عثيمين على أن الكاف هنا للتعليل فقال:(( ... وبهذا المعنى يزول الإشكال الذي أورده كثير من أهل العلم على هذا الحديث،وقال:المعروف أن المشبه به أقوى من المشبه، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم، فكيف يشبه الأفضل بالمفضول؟ فكل أجاب بجواب؛ ولكن إذا قلنا: إن الكاف هنا للتعليل، وإنّ ذكرها من باب التوسل بنعم الله السابقة على نعمه اللاحقة، فإنه يزول الإشكال نهائياً.)) شرح ألفية ابن مالك لابن عثيمين:(465-466), وينظر:مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:(5/282).
( 32) تفسير الفاتحة والبقرة لابن عثيمين:(2/423).
( 33) ينظر:تفسير ابن كثير:(1/555)،تفسير الفاتحة والبقرة لابن عثيمين:(2/424).


التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة ; 03 Jan 2018 الساعة 04:25 PM
رد مع اقتباس