عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03 Sep 2017, 03:22 PM
أحمد القلي أحمد القلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2017
المشاركات: 135
افتراضي

بارك الله فيك وزادك علما وفقها

في الحقيقة والى حد الساعة لم أجد اماما من أئمة المعتزلة احتج بهاته الآية على نصرة مذهبه , والمعتزلة معروف مذهبهم القائم على تقديم العقل على النقل , وهم لا يستدلون بالشرع الا استئناسا أو تباعا للعقل
ومذهيهم في وجوب مراعاة الأصلح مختلفون فيه بين مذهب البصريين ومذهب البغداديين , ولهم أدلة أوضح وأصرح من هاته الآية لكن القرآن يرد عليهم في كثير من المواضع , وهذه الآية بالذات فيها ما يدل على نقيض مذهبهم عند التأمل , وقبل الحديث عن ذلك ينبغي الرجوع الى كلام ابن القيم الذي فند هذا القول في الآية ونسب أصحابه الى عدم التحقيق مع عدم التحصيل فقال في الزاد (1-41)
( وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ وَلَا تَحْصِيلَ إِلَى أَنَّ " مَا " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} مَوْصُولَةٌ))انتهى
وقد تبين مما سبق أن الذين قالوا بهذا هم أئمة التحقيق و أرباب التحصيل و من بعدهم هم عيال عليهم , ولو لم يكن فيهم الا الامام الطبري لرجحت كفته على كفة كل من طعن في هذا القول ,
كيف وقد وافقه الزجاج امام العربية , والنحاس نقل كلام الزجاج ولم ينبس بحرف , وجوز ذلك الزمخشري وهو أعلم بالعربية ممن رد هذا القول , و ان لم يكن الامام البغوي من أهل التحقيق والتحصيل فما في الدنيا بعده تحقيق ولا تحصيل ؟

والاشكال الذي وقع لمن انتقذ هذا القول الذي اختاره الطبري وجوزه غيره كامن في تفسير كلمة (الخيرة ) فالطبري فهمها على أنها الشيء المختار والخير , ومن رد كلامه حملها على أنها الاختيار , ومن ثم وقع الخلل والاشكال

قال الطبري في الموضع السابق
(والثالث: أن معنى الخيرة في هذا الموضع: إنما هو الخيرة، وهو الشيء الذي يختار من البهائم والأنعام والرجال والنساء، يقال منه: أعطي الخيرة والخيرة، مثل الطيرة والطيرة، وليس بالاختيار،)) انتهى

وقد ذكر من قبل أن الله تعالى يختار الخيرة من عباده الصالحين الخيرين فيجتبيهم لولايته كما اختار المشركون خيرة أموالهم لآلهتهم , وهذا المعنى انما بناه على قول ابن عباس الذي أسنده فقال

((وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار للهداية والإيمان والعمل الصالح من خلقه، ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم، نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم، فكذلك اختياري لنفسي. واجتبائي لولايتي، واصطفائي لخدمتي وطاعتي، خيار مملكتي وخلقي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) قال: كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهلية. فإذا كان معنى ذلك كذلك، فلا شك أن "ما" من قوله: (ويختار ما كان لهم الخيرة) في موضع نصب، بوقوع يختار عليها، وأنها بمعنى الذي.)) انتهى

ولا يوجد لأحد من السلف كلام في الآية الا هذا القول الذي رواه الطبري عن ابن عباس ورواه كذلك ابن أبي حاتم في التفسير

وهذه طريقته في التفسير ومنهجه في التحقيق وهو غايةفي التحصيل , يورد كلام الصحابة والتابعين في الآية , ثم يرجح ما يراه الأقرب والأصوب وهنا لم يجد الا هذا القول فوجه الآية الى معناه
ثم استدل بأشعار العرب والتي لم تخطر على بال أحد ممن طعن فيه
ولا يوجد أي منفذ لمذهب الاعتزال في هذا الاستدلال , لأن فيه أن الله تعالى يختار الخيرة من خلقه ليختصوا بولايته , ومن ثم فيوجد الأشرار من خلقه ممن لم يجتبيهم , وهذا يبطل قول المعتزلة الذين أوجبوا على الله تعالى فعل الأصلح , وهو ما يسمونه (العدل ) وهم قصدوا عدم قدرة الله تعالى على فعل العباد , وأن الكفر ليس مقدورا عليه , لأنه قبيح والله تعالى لا يخلق الا الأحسن والأصلح

ولفظ الآية لا يساعدهم على مفهومهم هذا لأن فيه معنى الاختيار , وقد قال الله تعالى قبل ذلك (يخلق ما يشاء ) وهذا اثبات لعموم المشيئة و الارادة التي ينفيها القدرية , فكل شيء هو داخل تحت مشيئة الله تعالى غير خارج عن ارادته , ثم عطف على هذا القول ب(ويختار ) فكان من حق الكلام أن تكون (ما ) الثانية مثل (ما) الأولى لأنها معطوفة عليها والسياق واحد .
لكن ثمة فرق بين الاختيار والخلق , فالخلق مرده الى صفة الارادة والمشيئة
والاختيار مرجعه الى صفة الحكمة والرحمة , فحكمته تقتضي أن يختار هذا من هذا ورحمته توجب أن يدخل فيها من اصطفاه واجتباه
و بذلك ينهدم مذهب المعتزلة والقدرية الذين أوجبوا على الله تعالى بعقولهم مراعاة الأصلح , فالواجب هو ما أوجبه على نفسه العلية , وما حرمه مما لا يليق بصفات الكمال الواجبة لذاته المقدسة
لذلك أوجب على نفسه الرحمة وكتبها في كتاب له فهو تحت العرش , وحق عليه مجازاه الصالحين برحمته وفضله
كما يجازي العصاة بعدله وقسطه , وللكلام بقية باذن الله تعالى ..





التعديل الأخير تم بواسطة أحمد القلي ; 03 Sep 2017 الساعة 05:19 PM
رد مع اقتباس