عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08 Jun 2019, 06:29 PM
جمال بوعون جمال بوعون غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
المشاركات: 103
افتراضي

جزاك الله خيرا الأخ فتحي على ما كتبتَ في الذب عن أخينا أبي معاذ، وهذا من حق الأخ على أخيه، وقد أجدتَّ وأفدتَّ.
هذا وقد كنتُ كتبت كلمةً في هذا الموضوع بالذات نشرتها بين إخواني في (الروضة) رأيتُ أن أضيفها هنا عسى أن أكون مشاركا في الخير مع إخواني، قلت في هذه الكلمة:
إن من المخلفات السيئة التي خلفتها الفتنُ الواقعةُ و البلايا التي أسفرت عنها الفُرقةُ الحاصلةُ: أن يُعَيّرَ الرّجلُ بالعمل لكسب رزقه، فقد رأيت أحد الأغمار لمّا أعيتْه الحُجج ولم يجِد سبيلا إلاّ اللّجج، علّق على تغريدة لأخينا أبي معاذ مرابط -حفظه الله ورعاه وسدد خطاه- قائلا : (أنصحك أن ترجع إلى بيع الكاوكاو) وهو تعييرٌ وتهكمٌ وسخرية لا تصدُر إلا من نفسٍ ظالمة جاهلة لا تعرف إلا ما أُشربت من هواها، و إلا فإن العقلاء -فضلاً عن أهل الديانة و العلم- يعلمون أن سعي الإنسان في كسب رزقه من طريق الحلال لصيانة نفسه و كفِّ يده وحفظ ماء وجهه هو عمل الشرفاء من الناس. لكن عند الأنذال من الناس الذين غَيّبتْ الفتنُ عقولهم وغيّرت الأهواءُ فِطرهم صار عملُ الشرفاء هذا مما يُعَيَّرُ به الإنسان.
وقد أعجبني جوابُ أخينا مرابط على هذا المُعيِّر المُعْوِر فهو على وجازته ألقمه حجرا بل حشا جوفه نارًا.
و من باب زيادة البيان أقول: إن سعي الإنسان في كسب رزقه هو سنةُ الأنبياء والمرسلين و دأبُ أتباعهم من الصالحين،
روى البخاري (2143) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم) فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: (نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأكل الإنسان من عمل يده، روى البخاري (1966) عن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)*.
وكان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يتكسبون بالتجارة والزراعة و الصناعة و غيرها، ولا زال كذلك كثيرٌ من أهلِ العلم من التابعين و أتباعهم إلى يومنا هذا. وكان سفيان الثوري رحمه الله يسميه (عمل الأبطال) فقد روى أبو نعيم عن أبي الأحوص قال: قال لي سفيان الثوري: (عليك بعمل الأبطال: الكسب من الحلال، والإنفاق على العيال) (حلية الأولياء 6/ 381)
ومن قلَّبَ بصرَهُ في تراجم علماء الإسلام و رواة الحديث وجد أن كثيراً منهم كان صاحب حِرفة أو مهنة بل إن كثيراً منهم نُسِبَ إلى حرفته أو مهنته، حتى ألّفَ بعضهم في ذكر من نُسِبَ من العلماء إلى مهنة أو حرفة.
إن من شرف المسلم عموماً و السلفي خصوصا وبالأخص طالب العلم أن يعمل و يتكسب -ولا تعارض بين طلب العلم و طلب الرزق- لئلا يكون عالةً على غيره بل ربما بذلَ دينه في مقابل ما يُعطى، أخرج البيهقي في (شعب الإيمان ١١٨٣) عن علي بن عثام رحمه الله قال: (ما أحبَّ إلَيَّ أن يكون المسلم محترفاً فإن المسلم إذا احتاج أول ما يبذل دينه)، و روى أبو نعيم عن عبد الله بن محمد الباهلي قال: جاء رجل إلى سفيان الثوري فقال: يا أبا عبد الله، تمسك هذه الدنانير؟ فقال: أسكت، لولا هذه الدنانير لتمندل بنا هؤلاء الملوك. قال: وقال سفيان: من كان في يده من هذه شيء، فليصلحه، فإنه زمان من احتاج كان أول ما يبذله دينه.(حلية الأولياء 6/ 380).

رد مع اقتباس