عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13 Dec 2014, 09:05 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي [موضوع للمشاركة] أعمل فكرك يا طالب العلم...

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمد وآله وصحبه.

أمَّا بعد:

فإنَّ الفوائد والاستنباطات التي يستخرجها أهل العلم –رحمهم الله- من نصوص الوحي من كتاب وسنَّة تتفاوت درجتها، فمنها ما هو قريب لا يحتاج إلى إعمال فكر لدلالة النص عليه بمنطوقه، ومنها ما هو أخفى من الأوَّل يلوح لمن كانت له بعض الآلات في العلم، ومنها ما يكون أدقَّ وأخفى لا يقف عليه إلا قلَّة وقد يكون ذلك راجعا لكون الحكم يستفاد من مجموع نصين أو نصوص يجمع بينها ليصل إلى الحكم أو الفائدة مما لا يطلع عليه إلا القليل.

ثمَّ الفوائد التي تستفاد من النَّص مباشرة لدلالته عليها بالمنطوق مع قرب مأخذها ووضوحها إلا أنها قد تخفى لتقصيرٍ يحصل في النَّظر والتأمُّل في النَّص الشرعيِّ فيوقف عليها من قِبَل غيره من العلماء –رحمهم الله- ممَّن كملت فيه آلة النَّظر، فأحببت أن أجمع لهذا الصِّنف من الفوائد أمثلة تكون مبيِّنة للمراد، داعيةً إلى الحثِّ على النَّظر في النُّصوص الشَّرعية بتفكٌّر ورويَّة، ولا شكَّ أن كل طالب علم عني بقراءة كتب العلماء أو الجلوس إليهم لتمر عليه مثل هذه الفوائد التي بمجرد سماعها: "تلج إلى صدره ويضبطها لسهولة مأخذها".

فأرجو من إخواني أن لا يبخلوا على أنفسهم بإثراء الموضوع بالأمثلة التي صادفتهم، حتى يكون المقال مفيدا من جهتين الأولى وهي المقصود النَّظر والتأمُّل في النُّصوص الشَّرعية، والثَّانية الاستفادة من الفوائد المطروحة.

ومن معرفة الجميل لأهله فقد طرأت فكرة المقال في ذهني وأنا أقرأ لما كتبه الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في "شرحه على العقيدة الواسطيَّة" فأسأل الله تعالى أن يرحمه وأن يجزيه خير الجزاء ويعلي درجته.


المثال الأول:
قال الله تعالى: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"[البقرة: 222].

يقول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في "شرحه على العقيدة الواسطية"(ص 202):

«"ويحب المتطهرين": إذا غسلت ثوبك من النجاسة تحس بأن الله يحبك، لأن الله أحبك المتطهرين؛ وإذا توضأت تحس بأن الله أحبك، لأنك تطهرت؛ إذا اغتسلت تحس بأن الله أحبك، لأن الله يحب المتطهرين...

ووالله؛ إننا لغافلون عن هذه المعاني، وأكثر ما نستعمل الطهارة من النجاسة أو من الأحداث لأنها شرط لصحة الصلاة؛ خوفا من أن تفسد صلاتنا لكن يغيب عنا كثيرا أن نشعر بأن هذا قربة وسبب لمحبة الله لنا، لو كنا نستحضر عندما يغسل الإنسان نقطة بول أصابت ثوبه أن ذلك يجلب محبة الله له؛ لحصلنا خيرا كثيرا، لكننا في غفلة» اهـ.


المثال الثَّاني:

من الأدلَّة على إثبات عذاب القبر الإجماع واستفيد من نصٍّ لا يكاد يخفى على مسلم!

يقول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في "شرحه على العقيدة الواسطية" (ص 486):

«وأما الإجماع، فكل المسلمين يقولون في صلاتهم: «أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر...» ولو أن عذاب القبر غير ثابت ما صح أن يتعوذوا بالله منه، إذ لا يتعوذ من أمر ليس موجودا، وهذا يدل على أنهم يؤمنون به» اهـ.


المثال الثَّالث:

ما ورد في فتنة القبر من أن «المنافق أو المرتاب يقول إذا سئل: هاه هاه لا أدري...» الحديث.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في "شرحه على العقيدة الواسطية" (ص 481):

«وتأمل قوله: «هاه! هاه!» كأن شيئا غاب عنه يريد أن يتذكره وهذا أشد في التحسر؛ أن يتخيل أنه يعرف هذا الجواب، ولكن يحال بينه وبينه، ويقول: «هاه! هاه!» ثم يقول: «سمعت الناس يقولون شيئا فقلته»...» اهـ.

المثال الرابع:

ما ذكره العلَّامة ابن القيم –رحمه الله- في كتابه: "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى"(ص 28-29):

«قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: «الأديان ستة، واحد للرحمن، وخمسة للشَّيطان».

وهذه الأديان الستة مذكورة في آية الفصل، في قوله تعالى: "إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن اله على كل شيء شهيد"[الحج: 17]» اهـ.

تمَّ ما قصد ولله الحمد، وينتبه إلى أنَّه ليس المقصود ركون طالب العلم إلى ما فهمه من النُّصوص الشَّرعيَّة من غير مراجعة كتب العلماء وما استفادوه منه، بل عليه الرُّجوع إلى العلماء والمشايخ وعرضه على طلبة العلم حتى يطمئنَّ إلى أنَّ نظره سويٌّ خاصَّة إذا لم يكن محصِّلا للآلات التي تمكِّنه من النَّظر حتى لا يقع في ما لا تحمد عقباه، ويدخله العجب والغرور والكبر واستصغار العلماء ونحوه، بل المقصود التأمُّل ومحاولة الاستفادة مع مراجعة المشايخ والطَّلبة المتمكِّنين فقد كانت هذه جادَّة العلماء مع المتون العلميَّة كما ذكر ذلك العلامة ابن بدران –رحمه الله- في آخر "المدخل".


فتحي إدريس
14/صفر/1436هـ

رد مع اقتباس