عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31 Jul 2017, 10:52 AM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي هل الفاء على بابها في قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً))

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
أما بعد:
فقد أثير إشكال حول الفاء في قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ))[الحج:63] وهو أن الفاء حرف عطف يفيد التعقيب، وإصباح الأرض مخضرة بعد نزول الماء إنما يكون بعد مهلة.
أجيب عن ذلك بجوابين، أحدهما: نظري علمي، والآخر واقعي مشاهد.
أما النظري العلمي: فإن الفاء تأتي للتعقيب، وهو في كل شيء بحسبه، ألا ترى أنه يقال: (تزوج فلان فولد له) إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن كانت متطاولة، و: (دخلت البصرة فبغداد) إذا لم تقم في البصرة ولا بين البلدين( 1).
والدليل على ذلك قوله تعالى: ((ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا)) [المؤمنون:14]، وقد ثبت في الحديث الصحيح( 2) أن بين كل شيئين أربعين يوما.
وزاد ابن الحاجب جوابا آخر لم يذكره غيره، وهو أن هذه الفاء فاء السببية، وفاء السببية لا يشترط فيها التعقيب، وإنما شرطها أن يكون ما بعدها مسببا عن الأول كما لو صرح بالشرط( 3).
وأما الواقعي المشاهد:
فقد قال السمين الحلبي: (( أجيب عن ذلك بما نقله عكرمة: من أن أرض مكة وتهامة على ما ذكر، وأنها تمطر الليلة فتصبح الأرض غدوة خضرة، فالفاء على بابها. ))( 4)
وقال ابن عطية: (( وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى( 5) نزل المطر بعد قحط وأصبحت تلك الأرض التي تسقيها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف دقيق. ))( 6)
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــ
( 1) ينظر: أمالي ابن الحاجب:(1/123-124)،مغني اللبيب لابن هشام:(ص162).
(2 ) عن عبد الله بن مسعود: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، قال: ﴿إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ... ﴾ الحديث. أخرجه البخاري،كتاب بدء الخلق ،باب ذكر الملائكة،برقم:(3208)، ومسلم ،كتاب القدر ،باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ،برقم:(2643).
(3 ) أمالي ابن الحاجب:(1/123-124).
( 4) الدر المصون للسمين الحلبي:(8/301).
( 5) وهو إقليم كبير يقع وراء جبال الأطلس إلى جهة الجنوب المقابلة لبلاد حاحا في أقصى إفريقيا (المغرب)، يحدها غربا المحيط الأطلسي،وجنوبا رمال الصحراء، وشمالا جبال الأطلس وشرقا نهر سوس الذي سميت به هذه الناحية، فيه مدن عظيمة أزلية وقرى متصلة وعمارات متقاربة، وبه أنواع الفواكه الجليلة المختلفة الألوان والطعوم، وبه قصب السكر الذي ليس على وجه الأرض مثله طولا وغلظا وحلاوة،ونساؤها في غاية الحسن والجمال. ينظر:خريدة العجائب وفريدة الغرائب لسراج الدين بن الوردي:(ص51)،وصف إفريقيا للحسن الوزان الفاسي:(ص113).
(6 ) المحرر الوجيز لابن عطية:(4/131).


التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة ; 31 Jul 2017 الساعة 11:09 AM
رد مع اقتباس