عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 26 Jan 2012, 09:12 AM
أبو أنس عبد الله الجزائري أبو أنس عبد الله الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
الدولة: الجزائر المحروسة
المشاركات: 107
افتراضي


لفظة "الحد" بين الإثبات والنفي

تعريف الحد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "نقض تأسيس الجهمية" (1/443): " الحد : ما يتميز به الشيء عن غيره, من صفته وقدره."اهـ
والأقوال في هذه المسألة على النحو التالي:
* القول الأول: قول من يقول هو فوق العرش ولا يوصف بالتناهي ولا بعدمه إذ لا يقبل واحداً منهم, فعندهم أن الله فوق العرش ولا يوصف بأن له قدرا,ً وهذا يقوله بعض أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف من الكلابية والكرامية والأشعرية ومن وافقهم من أتباع الأئمة من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم.
* القول الثاني: قول من يقول هو غير متناه إما من جانب وإما من جميع الجوانب، وهذا يقوله أيضاً طوائف من أهل الكلام والفقهاء وغيرهم وحكاه الأشعري في المقالات عن الطوائف.
* القول الثالث: قول السلف والأئمة وأهل الحديث والكلام والفقه والتصوف الذين يقولون: له حد لا يعلمه غيره.(1)

ثم إن السلف استعملوه إثباتا ونفيا, ففي استعمالهم له في حالة الإثبات, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "نقض تأسيس الجهمية" (1/397):
"إن كثيراً من أئمة السنة والحديث أو أكثرهم (2), يقولون إنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه بحد."اهـ

وإنما استعمله السلف في مسألة إثبات علو الله على خلقه وتميزه وانفصاله عنهم وعدم اختلاطه بهم أو حلوله فيهم، فلما زعم الجهمية أن الخالق في كل مكان وأنه غير مباين لخلقه ولا متميز عنهم، قال بعض أئمة السلف: مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وذكروا الحد، لأن الجهمية زعموا أنه ليس له حد وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "نقض التأسيس" (1/442):
"ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها، ويجحدون قَدْرَهُ؛ حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي، عالم، قدير: قد عرفنا حقيقته وماهيته، ويقولون إنه لا يباين غيره. بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم؛ فيقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا كذا ولا كذا, أو يجعلوه حالاً في المخلوقات أو وجوده وجود المخلوقات."اهـ


ومع هذا فهم يقولون إنه حد لا يعلمه إلا الله, قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" (2/35) بعد أن نقل الآثار الواردة عن السلف في إثبات الحد:
" فهذا وأمثاله مما نقل عن الأئمة، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره."اهـ


ثم ليعلم الأريب أن الإمام عثمان بن سعيد الدارمي أثبت معنيين للحد, فقال في "نقضه على المريسي" (1/244):
"وادعى المعارض أيضا أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية, وهذا هو الأصل الذي بنى عليه جهم جميع ضلالاته واشتق منها أغلوطاته وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها أحد من العالمين.
فقال له قائل ممن يحاوره: قد علمت مرادك بها أيها الأعجمي وتعني أن الله لا شيء, لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وغاية وصفة وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة فالشيء أبدا موصوف لا محالة ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية وقولك:" لا حد له" يعني: أنه لا شيء.
قال أبو سعيد:
والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه, ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك إلى الله.
ولمكانه أيضا حد وهو على عرشه فوق سماواته فهذان حدان اثنان."اهـ

وأما من استعمله من الأئمة في حالة النفي, فذلك في مسألة نفي الإحاطة بالله علماً وإدراكاً، فإنه لا منازعة بين أهل السنة بأن الله تعالى غير مدرك الإحاطة والخلق عاجزون عن الإحاطة به، فهم لا يستطيعون أن يحدوا الخالق جل وعلا، أو يُقَدِّرُوه، أو يبلغوا صفته، فمن نفى الحد على هذا المعنى فهو مصيب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " نقض التأسيس" (2/162):
"المحفوظ عن السلف والأئمة إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله."اهـ

ثم اعلم أيها الكريم أنه قد ثبت عن الإمام أحمد في أثر أنه نفى الحد عن الله, قال حنبل: "قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُم}، و{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟, قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد و لا صفة" . (3)
وفي رسالة الإصطخري قال الإمام أحمد: "والله عز وجل على عرشه ليس له حد، والله أعلم بحده." (4)

ولا يظن ظان أن للإمام أحمد في هذا روايتان, فإن أصحابه منهم من ظن أن هذين الكلامين يتناقضان فحكى عنه في إثبات الحد لله تعالى روايتين وهذه طريقة الروايتين والوجهين, ومنهم من نفى الحد عن ذاته تعالى ونفى علم العباد به كما ظنه موجب ما نقله حنبل وتأول ما نقله المروذي والأثرم وأبو داود وغيرهم من إثبات الحد له على أن المراد إثبات حد للعرش. "بيان تلبيس الجهمية"(1/ 433).
فإن الأمر ليس كذلك, قال ابن القيم في "مختصر الصواعق" (2/213) موضحا وجه كلام الإمام أحمد:
" أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حدّاً يدركه العباد ويحدونه."اهـ
وقال شيخ الإسلام في "بيان تلبيس الجهمية" (1/ 433):
" فهذا الكلام من الإمام أبي عبد الله أحمد رحمه الله يبين أنه نفى أن العباد يحدون الله تعالى أو صفاته بحد أو يقدرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك, وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره, أو أنه هو يصف نفسه وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها كما ذكر من كلامهم في غير هذا الموضع ما يبين ذلك."اهـ (4)



_______
(1) انظر "درء تعارض العقل والنقل" ( 6/300- 301).
(2) كعثمان بن سعيد الدارمي، وعبد الله بن المبارك، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، والخلال، وحرب الكرماني، وإسحاق بن راهويه، وابن بطة، وأبي إسماعيل الأنصاري الهروي، وأبي القاسم ابن منده، وقوام السنة الأصبهاني، وإسماعيل بن الفضل التيمي، والقاضي أبي يعلى، وأبي الحسن بن الزاغوني، والحافظ أبي العلاء الهمداني، وغير هؤلاء.
انظر: "الرد على بشر المريسي" (ص23-24)، و"الرد على الجهمية" له (ص5)، و"التمهيد" لابن عبد البر (7/142)، و"إثبات الحد لله تعالى" لمحمود بن أبي القاسم الدشتي (ق3-6)، و"درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية (2/33-34، 56-60)، و"نقض تأسيس الجهمية" (1/397، 426-433) و(2/160، 180).
(3) أورده شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (5/496).
(4) انظر "طبقات الحنابلة" (1/29).
(4) وقد استفدت جل هذا المبحث من تحقيق التميمي لـ: "كتاب العرش" تصنيف الإمام الذهبي, مع ما أضفته والله الموفق.



التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس عبد الله الجزائري ; 26 Jan 2012 الساعة 10:37 AM
رد مع اقتباس