عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27 Aug 2017, 01:38 PM
لزهر سنيقرة لزهر سنيقرة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 343
افتراضي التَّعليق المفيد على فتوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة في اجتماع الجمعة والعيد





التَّعليق المفيد على فتوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة في اجتماع الجمعة والعيد

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسوله.
أمَّا بعدُ:
فإنَّنا نعيشُ هذه الأيَّام المباركات أيَّام العشر من ذي الحجَّة اَّلتي هي أفضل الأيَّام عند الله ، والعملُ الصَّالح فيها أفضلُ وأحبُّ إلى الله تبارك وتعالى منه في سائر الأيَّام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «مَا مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فيها أحبُّ إلى الله مِنْ هَذِه الأيَّام» يعني أيَّام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولَا الجِهَادُ فِي سبيلِ الله، إلَّا رجلٌ خَرَجَ بنفسِه ومالِه فلم يرجع من ذلك بشيء»، أخرجه البخاريُّ (969)، واللَّفظ لأبي داود (2438).
ولهذا رُغِّبنا إلى كثيرٍ من القُربات والطَّاعات، كأنواع الصَّدقات، وذكر الله ، والإكثار من الصَّلاة والصِّيام، فقد دلَّت النُّصوص على فضل هذا كلِّه في هذه الأيَّام.
ومن فضل الله علينا في هذا العام أنْ جمعَ لنا عيدينِ في يومٍ واحدٍ، عيد الأضحى، وعيد المسلمين الأسبوعي، وهو يومُ الجمعة، وقد وقع هذا في زمن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اجتمع عيدان من أعياد المسلمين.
فكيف كانت سنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الشَّأن؟
سُئل شيخُ الإسلام ابن تيميَّة كما في «مجموع الفتاوى» (24/210) عن هذه المسألة، فأجاب بقوله:
«الحمد لله، إذا اجتمع الجمعة والعيد في يومٍ واحدٍ فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه تجب الجمعة على من شهد العيد، كما تجب سائر الجُمَع، للعمومات الدالَّة على وجوب الجمعة».
هذا القولُ الأوَّل، وحاصله أنَّه ليس في هذا الاجتماع شيءٌ خاصٌّ، بل تجب الجمعة كما هي واجبةٌ في سائر الجُمَع الَّتي لم تجتمع مع عيدٍ آخر.
القول الثَّاني، قال : «والثَّاني: تسقط عن أهل البَرِّ، مثل أهل العوالي والشَّواذِّ، لأنَّ عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لَمَّا صَلَّى بهم العيد».
أي: تسقط الجمعة على طائفةٍ من النَّاس دون غيرهم، وهم الَّذين يقصدون الجوامع من الأماكن البعيدة، كالَّذين يسكنون البَرَّ، والشواذ من الناس من أهل العوالي أو القرى، الَّذين لا يُجمِّعون في قُراهم ومَداشِرهم، بل يقصدون المساجد الجامعة الَّتي تُقام فيها صلاةُ الجمعة، كما كان الشَّأن في زمن النَّبيِّ وفي عهد الصَّحابة من بعده، يقصد أهل العوالي المسجد النَّبويَّ لحضور صلاة الجمعة.
فلمَّا اجتمع العيد والجمعة رخَّص عثمان رضي الله عنه وأرضاه ـ لأهل العوالي بعد أن صلَّوا معه العيد في عدم الرُّجوع مرَّةً أخرى لأجل شهود صلاة الجمعة.
القول الثَّالث، قال : «والقول الثَّالث ـ وهو الصَّحيح ـ أنَّ من شهد العيد سقطت عنه الجمعة» أي: سقط وجوبُها عليه.
قال: «لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد. وهذا هو المأثور عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه، كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزُّبير وغيرهم، ولا يُعرف عن الصَّحابة في ذلك خلاف.
وأصحاب القولين المتقدِّمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنَّة عن النَّبيِّ لَمَّا اجتمع في يومه عيدان، صلَّى العيد ثمَّ رخَّص في الجمعة، وفي لفظ أنَّه قال: «أيُّها النَّاس! إنَّكم قد أصبتم خيرًا فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد، فإنَّا مُجَمِّعُون» ـ أي: إنَّنا نُصَلِّي صلاة الجمعة ـ.
قال الشَّيخ: «وأيضًا فإنَّه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع، ثمَّ إنَّه يصلِّي الظُّهر إذا لم يشهد الجمعة، فتكون الظُّهر في وقتها، والعيد يُحَصِّلُ مقصودَ الجمعة. وفي إيجابها على النَّاس تضييقٌ عليهم، وتكدير لمقصود عيدهم، وما سُنَّ لهم من السُّرور فيه والانبساط، فإذا حُبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال، ولأنَّ يوم الجمعة عيدٌ، ويوم الفطر والنَّحر عيدٌ، ومن شأن الشَّارع إذا اجتمع عبادتان من جنسٍ واحدٍ أدخل إحداهما في الأخرى، كما يُدخل الوضوء في الغسل، وأحد الغسلين في الآخر، والله أعلم». انتهى كلامُه رحمه الله.
فأصحُّ الأقوال وأرجحُها هو ما رجَّحه شيخ الإسلام من أنَّه إذا شَهِدَ مَن شَهِدَ صلاة العيد فإنَّ صلاة الجمعة يسقط عليه وجوبُها، ولكن إذا شهدها له ذلك، وإنْ تركها صلَّاها ظهرًا، لا كما يقول به بعض النَّاس تبعًا لفتوى ضعيفة قال بها أهل العلم، مفادها أنَّه يسقط عنه الجمعة والظُّهر، بل يُصلِّيها ظهرًا كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة ، وكما قرَّرته «اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء».
فالقولُ بترك الظُّهر ألبتَّةَ قولٌ ضعيفٌ لا يُعَوَّلُ عليه، ولا يُلْتَفَتُ إليه.
هذا الَّذي دلَّت عليه سنَّة نبيِّنا فقد روى أبو داود في «سننه» (1070) وغيرُه عن إِيَاس بن أبي رملة الشاميِّ، قال: «شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم، قال: أشهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلَّى العيد، ثمَّ رخَّص في الجمعة، فقال: «مَنْ شَاءَ أن يُصَلِّي فليُصَلِّ».
وروى أبو داود أيضًا (1073) عن أبي هريرة عن رسول الله أنَّه قال: «قَد اجتَمَعَ فِي يومِكُم هَذَا عِيدَانِ، فمَن شَاءَ أجْزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ، وإنَّا مُجَمِّعُونَ».
قال أهلُ العلم: فدلَّ ذلك على التَّرخيص في الجمعة لمن صَلَّى العيد في ذلك اليوم.
وعُلِمَ عدمُ الرُّخصة للإمام من قوله : «وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ»، ولِمَا رواه مسلم أيضًا في «صحيحه» (878) من حديث النُّعمانِ بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كان رسول الله يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بـ«سبِّح اسم ربِّك الأعلى»، وهل أتاك حديث الغاشية»، قال: «وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يومٍ واحدٍ، يقرأ بهما أيضًا في الصَّلاتين»، أي: قرأ بهاتين السُّورتين في العيد وفي الجمعة، محافظةً على هذه السنَّة ومواضبَةً عليها.
وهذا من فضل الله ـ تبارك وتعالى ـ على هذه الأمَّة، أن أكرمها بمثل هذه الأعياد المباركة الَّتي هي أعياد خير ورحمةٍ وبركةٍ، يمنُّ الله فيها على عباده بأنواعٍ من الخيرات.
وتتجلَّى في هذا حكمةٌ بالغةٌ في تشريع الأحكام، وأنَّ المقصود من الاجتماع في هذا اليوم قد تحقَّق في الصَّلاة الأولى، ولمَّا كان ربُّنا ـ تبارك وتعالى ـ لم يجعل علينا ـ من رحمته بنا ـ في الدِّين من حرجٍ، ، ونظرًا لِمَا يحمله هذا يوم العيد من معاني المسرَّات والفرح والانبساط، فإنَّ النَّبيَّ رخَّص لمن شهد العيد ألَّا يُصَلِّيَ الجُمعة، فإذا صلَّاها فله ذلك، ولا يجوز للإمام أن يتركها فإذا جاء الإمام ولم يجد مَن يُصَلِّي معه الجمعة صَلَّاها ظهرًا هو أيضًا.
نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا في هذه الأيَّام المباركات لفعل الخيرات، وأن يرزقنا الإخلاص فيها، وأن يتقبلَّها منا، إنَّه سميعٌ مجيبٌ.
وسبحانك اللَّهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلَّا أنتَ، أستغفركَ وأتوبُ إليكَ.
أزهر سنيقرة
الأحد 5 ذو الحجة 1438.

رد مع اقتباس