عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18 Nov 2015, 10:19 PM
أبو الحسن نسيم أبو الحسن نسيم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 390
افتراضي الطريقة المثلى للتعليم وطلب العلم عند العلّامة ابن خلدون


اعلموا ـ رحمكم الله ووفقكم لما فيه رضاه ـ أنَّ التَّعليم للعلم من أفضل الأعمال، وهو من الدعوة إلى الله الذي هو أحسن الأقوال، كما ذكر ربنا الرحمان: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين).
ولا بدَّ للمعلِّم أن يسلك طريق السَّلف الماضين في تعليم العلم، وتكوين المَلَكَة عند طلّابه، لأنَّ الهدف الكبير الذي يسعى إليه المعلِّم هو تمكين قواعد العلم في قلوب طلابه، بحيث يستوعبون أصول مسائل الفنِّ التي تفتح لهم الآفاق في فهم كل ما يورد عليهم، بطريقة محكمة بعيدة عن التشتُّت والفوضوية التي تعتري بعض المتعلمين بسبب عدم سلوك طريق أهل العلم في أخذ العلم، فتكون لهم معلومات وثقافة في العلم بعيدة عن التأصيل الصحيح، وهذه نصيحة جميلة للإمام ابن خلدون - رحمه الله - جعلتها على شكل نقاط، وأتبعت فيها بتصرف يسير شرح الشيخ عبد الله البخاري-حفظه لبعض مواطن من كلامه في تعليقه على ثلاثة الأصول الشريط الثالث، سائلا الله العلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا سلوك طريق العلماء الأكابر في التحصيل والتعليم، إنه جواد كريم.

1-التدرج في التعليم ولا يهجم على العلوم هجوما واحدا، فيلقنه شيئا فشيئا لا دفعة واحدة، قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه المسمَّى "ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر": ج1ص734: (اعلم أنّ تلقين العلوم للمتعلّمين إنّما يكون مفيدا إذا كان على التّدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا).

2-اعتناء المعلم بأصول المسائل،فلا يتفرع لهم تفرعا يتعمق فيه فهذا لا يناسبهم بل يربطهم بالأصول والكليات التي تفهم بها أحكام الجزئيا قال –رحمه الله-:( يُلقي عليه أوّلا مسائل من كلّ باب في الفنّ هي أصول{ أي الأصل الذي يبنى عليه غيره} ذلك الباب)

3- يعتمد في طريقة شرحه الشرح المجمل من غير تفصيل مع مراعاة حال الطلاب واستعداداتهم العقلية حتى يكمل الفن الذي يدرسه قال –رحمه الله-: (ويقرّب له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعي في ذلك قوّة عقله واستعداده لقبول ما يورده عليه {أي قوة عقل المستمتع وقوة إدراكه وهل عنده استعداد أو لا، فالإفادة لا بد أن تكون ويشترط فيها صلاح المحل وخلوه من الضد،لا بد أن يصادف محلا قابلا وخاليا من الضد،فإذا وجد الضد فلا يمكن أن يجتمع الضد مع الضد،إذ الأضداد لا تجتمع}، حتّى ينتهي إلى آخر الفنّ).

4-بعد المرحلة الأولى يكون الطالب قد استوعب مفاهيم هذا الفن على سبيل الإجمال تكسبه ملكة جزئية لا كلية،ضعيفة لا قوية يحتاج بعدها إلى أن يعلو لدرجة أخرى قال –رحمه الله-: (وعند ذلك يحصل له ملكة {أي الطالب} في ذلك العلم {في ذلك العلم} إلّا أنّها جزئيّة وضعيفة {لأنها على سبيل الإجمال أو المعنى الإجمالي للباب}. وغايتها أنّها هيّأته لفهم الفنّ وتحصيل مسائله {هيأت المكان والطالب ليتقبل}).

5-ينتقل المعلم في تدريسه لفن من الفنون لمرحلة أعلى وهي مرحلة أوسع فيها الشرح المستوفى بعد الإجمال في المرحلة الأولى قال –رحمه الله-: (ثمّ يرجع به إلى الفنّ ثانية فيرفعه في التّلقين عن تلك الرّتبة إلى أعلى منها ويستوفي الشّرح والبيان ويخرج عن الإجمال {ما يبتعد ويتفرع ولكن يشرح ويبين بحسث الطالب يستوعب استيعابا تاما} ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه إلى أن ينتهي إلى آخر الفنّ فتجود ملكته {تكون الملكة أحسن من الأولى}).

6-بعد المرحلة الثانية تتكون ملكة عند الطالب قد استفاد معها من المرحلتين الأوليين التدرج وبناء العلم بناء محكما،فتنفتح المقفلات من أبواب العلم وتتضح الغوامض من ذلك الفن قيكون قد حصل على الطريقة المثلى في التعليم قال –رحمه الله-: (ثمّ يرجع به وقد شدا{قوي وتحسن وفهم،ما تصير به المرحلة الثالثة وأنت تشرح له توحيد الألوهية مثلا لأنه قد أخذه من قبل} فلا يترك عويصا ولا مبهما ولا مغلقا إلّا وضّحه وفتح له مُقفله فيخلص من الفنّ وقد استولى على ملكته وهذا وجه التّعليم المفيد وهو كما رأيت إنّما يحصل في ثلاث تكرارات).

7-قد يحصل لبعض الطلاب إنفتاح في العلم دون هذه المراحل الثلاث بحسب الإستعدادات وما تهيأ عنده من القدرات الفكرية والعلمية قال –رحمه الله-: (وقد يحصل للبعض في أقلّ من ذلك{ليس بالضرورة أن الكل في ثلاث مراحل}بحسب ما يُخلق له ويتيسّر عليه).

8-الحذر من عدم سلوك التدرج والولوج في الأمور الصعبة من مقفلات العلم فيكل الذهن وتضعف القدرات على تحصيله،ويجعله يمل وينقطع عن تحصيل ذلك الفن، مما يجعل المعلم منتبها للمسلك الصحيح في تعليم طلابه قال –رحمه الله-: (وقد شاهدنا كثيرا من المعلّمين لهذا العهد الّذي أدركنا يجهلون طرق هذا التّعليم وإفاداته {ما ذا يتولد إذا جهل المعلم طرق التعليم} ويحضرون للمتعلّم في أوّل تعليمه المسائل المقفلة من العلم ،ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلّها ،ويحسبون ذلك مرانا على التّعليم وصوابا فيه، ويكلّفونه رعي ذلك وتحصيله، ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها وقبل أن يستعدّ لفهمها فإنّ قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا {مثل المادة التي تدرس في الأولى والسادسة كالرياضيات يتعلم في الأول كيف يرسم الواحد والإثنين ويجلس في ذلك زمنا ثم يتدرج في العمليات وهكذا يتدرج بمرحلة السادس،ي تعلم علوم متفرعة من الجمع والطرح والتقسيم،فإذا أتى الطالب في الاولى درس السادسة ما يمكن ان يستوعبه،بل يكون سببا في صده ونفرته،ولو جئت من في السادسة وتدرسه ما اخذه في الأولى فهو اسخفاف به وبعقله وتحقير لشأنه فيجب أن يعط الطالب في كل مرحلة ما يناسبه،التدرج سنة السلف فإذا أردت أن تخرق سنة السلف فلست منهم كما قال الزهري من أخذ العلم جملة فاته جملة} ويكون المتعلّم أوّل الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة إلّا في الأقلّ وعلى سبيل التّقريب والإجمال والأمثال الحسّيّة. ثمّ لا يزال الإستعداد فيه يتدرّج قليلا قليلا بمخالطة {قراءتها ،النظر، سماعها، طرحها ،طريقة عرض المسألة} مسائل ذلك الفنّ وتكرارها عليه والإنتقال فيها من التّقريب إلى الاستيعاب الّذي فوقه، حتّى تتمّ الملكة في الاستعداد ثمّ في التّحصيل ويحيط بمسائل الفنّ وإذا ألقيت عليه الغايات في البدايات وهو حينئذ عاجز عن الفهم والوعي، وبعيد عن الاستعداد له كلّ {تعب مشدود الذهن يريد الغيايات ولم يهضم البدايات} ذهنه عنها وحسب ذلك من صعوبة العلم في نفسه (كثير مما لا يعرف معنى العلم يتشقق فيما يلقيه على الطلاب ويظن أن ذلك من العلم )فتكاسل عنه وانحرف عن قبوله وتمادى في هجرانه. وإنّما أتى ذلك من سوء التّعليم{لأن المعلم لا يعرف التعليم،فليست الشقشقة وتشتيت الذهن من العلم} ولا ينبغي للمعلّم أن يزيد متعلّمه على فهم كتابه الّذي أكبّ على التّعليم منه بحسب طاقته وعلى نسبة قبوله للتّعليم مبتدئا كان أو منتهيا).

9-يحذر المعلم من خلط مسائل الكتاب قال-رحمه الله-: (ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتّى يعيه من أوّله إلى آخره ويحصّل أغراضه ويستولي منه على ملكة بها يَنفُذ في غيره. لأنّ المتعلّم إذا حصّل ملكة ما في علم من العلوم استعدّ بها لقبول ما بقي وحصل له نشاط في طلب المزيد والنّهوض إلى ما فوق حتّى يستولي على غايات العلم وإذا خلط عليه الأمر عجز عن الفهم وأدركه الكلال وانطمس فكره ويئس من التّحصيل وهجر العلم والتّعليم. والله يهدي من يشاء).

10-من آفات التعليم الإنقطاع عن مجالس التعليم وهذه من أعظم القواطع التي تجعل الطلاب لا يحصلون،لأن العلم يبنى بعضه على بعض وإذا طال الفصل نسيت مسائل الفن فكيف يبني معلومات جديدة مترابطة مع قديم قد نسي ولم يستحضره الطلاب فيحرص المعلم على جمع نفسه وإنصرافه للتعليم من غير تفريط في درسه بسبب الأشغال التي قد تعتريه قال-رحمه الله-: (وكذلك ينبغي لك أن لا تطوّل على المتعلّم في الفنّ الواحد بتفريق المجالس وتقطيع ما بينها لأنّه ذريعة إلى النّسيان وانقطاع مسائل الفنّ بعضها من بعض فيعسر حصول الملكة بتفريقها. وإذا كانت أوائل العلم وأواخره حاضرة عند الفكرة مجانبة للنّسيان كانت الملكة أيسر حصولا وأحكم ارتباطا وأقرب صبغة لأنّ الملكات إنّما تحصل بتتابع الفعل وتكراره وإذا تنوسي الفعل تنوسيت الملكة النّاشئة عنه. والله علّمكم ما لم تكونوا تعلمون).

11- على رأي ابن خلدون لا يجمع في التدريس بين فنين وإنما يركز على فن يستوعبه الطلاب على المراحل التي ذكرت وإلا أدى إلى التشتت وعدم الضبط قال-رحمه الله-: (ومن المذاهب الجميلة والطّرق الواجبة في التّعليم أن لا يخلط على المتعلّم علمان معا فإنّه حينئذ قلّ أن يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كلّ واحد منهما إلى تفهّم الآخر فيستغلقان معا ويستصعبان ويعود منهما بالخيبة. وإذا تفرّغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصرا عليه فربّما كان ذلك أجدر لتحصيله والله سبحانه وتعالى الموفّق للصّواب).


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 20 Nov 2015 الساعة 01:58 PM
رد مع اقتباس