عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18 May 2008, 09:34 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

التمهيد

ويتناول البحث فيما يلي:

( أ ) معنى التقليد لغة.
( ب ) معنى التقليد اصطلاحًا.
( ج ) أمثلة له.
( د ) نتائج من تعريف التقليد وأمثلته.
( هـ ) وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي.
( و ) الفرق بين التقليد والاتباع.
( ز ) نبذة تاريخية عن أدوار الفقه ومراحله ومتى كان دور التقليد.


( أ ) معنى التقليد لغة:

التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق محيطًا به ؛ ومنه تقليد الهدي ؛ ويسمى الشيء المحيط بالعنق "قلادة"، والجمع: "قلائد". قال الله -تعالى-:
﴿ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- في الخيل: (( لا تقلدوها الأوتار )).

ومنه قول الشاعر:

قلــدوهــا تمــائما . . . . . . . . . . . . خوف واش وحــاسد

وفي القاموس: وقلدتها قلادة، جعلتها في عنقها ؛ ومنه: تقليد الولاة الأعمال، وتقليد البدنة يعلم بها أنها هدي. ا هـ .

ويستعمل التقليد في تفويض الأمر إلى الغير مجازًا، كأنه ربط الأمر بعنقه ؛ ومنه قول لفيظ الإيادي:

وقلِّـدوا أمـرَكم للـه دركمـو . . . . . . . . . . . . . . . .ارحب الذراع بأمر الحرب مضطلعًا

( ب ) تعريف التقليد اصطلاحًا:
( جـ ) أمثلة له:
( د ) نتائج من تعريف التقليد وأمثلته:


للأصوليين في تعريف التقليد عبارات مختلفة، إلاَّ أن أكثرها متقاربة المعنى؛ وقد اخترت ثلاثةً من هذه التعاريف ؛ وأرجعت إليها بقية التعاريف، مع اختيار أمثلها في نظري.

التعريف الأول:

عرف الآمدي التقليد بأنه: " العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة ".

والمراد بـ "العمل بقول الغير": اعتقاد صحة قوله، وتنفيذه ؛ وهو مراد من عرف التقليد " بقبول قول الغير "؛ فإن القبول يستلزم الاعتقاد، ويفضي إلى العمل والتنفيذ؛ والمراد بـ "القول" ما يشمل الفعل والتقرير؛ وإطلاق القول حينئذ من باب التغليب، وهذا ما فسّره به سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح القاضي عضد الدين وتابعه عليه البنائي في حاشية على جمع الجوامع.

وقد استشكل الشربيني في تقريره هذا التعميم، بأن الفعل والتقرير لا يظهر جواز العمل بمجردهما من المجتهد لجواز سهوه وغفلته، وإنما يعوّل على الفعل والتقرير الواقعين من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لكن ذلك ليس بتقليد بل استدلال، ثم أورد اعتراضًا بأنه قد يقترن التقرير بما يدل على الرضا بالفعل وعدم الغفلة، ودفعه بأنه يجوز أنه قد رضيه لكونه مذهب غيره وقلده فيه، فلا يكون من اجتهاده ورأيه.
والمراد بالحجة: ما يجب العمل به ويلزم، والمراد بها الحجة العامة، وهي الدليل المعتبر شرعًا لإثبات الأحكام: كالكتاب، أو السنة، أو الإجماع.

والتقييد بالإلزام في التعريف تصريح بمفهوم الحجة أو بلازمها، فهو وصف كاشف وليس قيدًا فيها.

والعمل بقول الغير من غير حجة تقوم على وجوب العمل به، يخرج عن حقيقة التقليد ما يأتي:

1- العمل بقول الله -تعالى- ؛ لأنه عمل مبني على الحجة، وهي الأدلة الدالة على وجوب الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله.

2- العمل بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه مبني على الحجة القاطعة، وهي أمر الله باتباع رسوله والعمل بما جاء به.

3- العمل بقول أهل الإجماع ؛ فإنه عمل قائم على الحجة، وهي دلالة كتاب الله -تعالى-، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- على وجوب العمل بقولهم.

4- عمل القاضي بشهادة الشهود والحكم بها؛ فإنه مبني على ما ورد في الكتاب والسنة، ودل عليه الإجماع، من وجوب الحكم بها إذا وقعت مستوفية لأركانها وشروطها.

5- عمل العامي بقول المفتي؛ فإنه مبني على حجة، وهي دلالة الإجماع على وجوب رجوع العامي إلى المفتي فيما يحتاج إليه والعمل بما يفتيه به.

6- العمل برواية الراوي؛ لأن العمل بها مبني على حجة , وهي الأدلة الدالة على وجوب العمل بالرواية الصحيحة، كحديث: (( بلغوا عني ولو آية ))، وحديث: (( ليبلغ الشاهدُ الغائبَ )) .

7 - العمل بقول الصحابي، إذا لم يخالفه غيره؛ لأن قوله حجة على الراجح كما سيأتي.

وعرف التقليد كل من ابن عبد الشكور في "مسلّم الثبوت"، والقاضي عضد الدين في "شرح مختصر ابن الحاجب" بأنه: " العمل بقول الغير من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أنه ينقص عنه التصريح بوصف الإلزام، ولا قيمة لهذا النقص؛ لما سبق آنفًا من أن التصريح بالإلزام تصريح بمفهوم الحجة أو لازمها، فلا يضر حذفه من التعريف، ولا ينقص بعدم وجوده شيئًا.

وعرف ابن الحاجب في المختصر التقليد بأنه: " العمل بقول غيرك من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أن ابن الحاجب عدل عن التعبير بالغير إلى التعبير بغيرك، وهما بمعنى واحد؛ لأن "ال" عوض عن المضاف إليه، ولعل سرّ عدوله هو ما يراه البعض من أهل اللغة من عدم دخول "ال" على "غير"؛ بسبب تمكّنها وتوغلها في الإبهام.

وعرف الغزالي في المستصفى التقليد بأنه: " قبول قول بلا حجة " .

وعرفه ابن قدامة في روضة الناظر بأنه: " قبول قول الغير من غير حجة " .

وعرفه عبد المؤمن بن كمال الدين الحنبلي في قواعد الأصول بأنه: " قبول قول الغير بلا حجة " .

وعرفه إمام الحرمين في الورقات بأنه: " قبول قول القائل بلا حجة" .

وهذه التعاريف الأربعة الأخيرة تماثل تعريف الآمدي بعد إرجاع معنى قبول قول الغير إلى العمل به كما تقدم.

ويتضح من هذه التعاريف أن التقليد يشمل الصور الآتية:

1- عمل العامي بقول عامي مثله.
2- عمل المجتهد بقول مجتهد مثله، سواء اجتهد أو لم يجتهد.
3- عمل المجتهد بقول العامي.

إذ لا تقوم حجة على وجوب العمل بقول هؤلاء.

لكن يلاحظ على تعريف الآمدي والتعريفات التي تدور في فلكه ما يأتي:

1- عدم شمول التقليد لعمل العامي بقول المفتي؛ لوجود الحجة على رجوع العامي إلى المفتي، وهو الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة على رجوعه إليه، مع أن دخول هذه الصورة أصبح معروفًا مشهورًا لدى العلماء، واعتذر الآمدي بأنه لا مانع من تسميته تقليدًا في العرف؛ لأن هذا اصطلاح ولا مشاحة فيه - غير مقبول؛ لأن المسألة ليست من باب الاصطلاح في التسمية، وإنما هي بيان حقائق يترتب عليها أحكام تختلف باختلاف هذه التسمية.

2- قصر التقليد على الصورة المذكورة آنفًا لا يجعل له صورة مشروعة، مع أن هذا خلاف الواقع؛ إذ قال جمهور العلماء بجواز تقليد العامي للمجتهد.

3- أن الظاهر - بالحجة - هي الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على حكم القول الخاص، وهو الذي يخرج به الإنسان عن دائرة التقليد، وليس المراد الحجة العامة المثبتة لوجوب العمل.

التعريف الثاني:

عرّف ابن السبكي في جمع الجوامع التقليد بأنه: "أخذ القول من غير معرفة دليله" والمراد بأخذ القول: قبوله واعتقاد صحته والعمل به. ويفسر الجلال المحلي معرفة الدليل:

بالمعرفة التي توصل إلى استفادة الحكم من هذا الدليل، وهذه لا تتوفر إلا للمجتهد؛ لأنها تتوقف على سلامة الدليل من المعارض، وهذه السلامة تتوقف على البحث واستقراء الأدلة كلها، وهذا شأن المجتهد؛ إذ لا يستطيع العامي الوصول إلى هذه المعرفة.

وبناء على هذا أخرج: أخذ قول المجتهد مع معرفة دليله، من التقليد؛ لأنه اجتهاد وافق اجتهاد القائل.

والمراد بالدليل هنا: دليل القول الذي يأخذ به المقلِّد، وهو الحجة الخاصة، كما هو ظاهر من مرجع الضمير.

ويماثل هذا التعريف التعريفات الآتية:

1- تعريف الشيخ زكريا الأنصاري في غاية الوصول بأنه: " أخذ قول الغير من غير معرفة دليله " .
ولا فرق بينهما؛ لأن "ال" في القول، في تعريف ابن السبكي عوض عن المضاف إليه، وهو "الغير" في تعريف الشيخ زكريا

2- تعريف الفتوحي في الكوكب المنير بأنه: "أخذ مذهب الغير من غير معرفة دليله" ولا فرق بين بينه وبين سابقيْه، فإن المذهب يراد به رأي المجتهد في المسألة، وهو قول من الأقوال.

3- تعريف ابن تيمية في المسودة بأنه: "القول بغير دليل" .

فإن المراد بأخذ القول في التعريفات المتقدمة الأخذ المعنوي، وهو القبول والمراد بنفي الدليل في تعريف ابن تيمية نفي المعرفة؛ فاتفق تعريفه مع التعريفات السابقة.

4- تعريف القفال الشاشي بأنه: "قبول القائل، وأنت لا تدري من أين قاله" أي: لا تعلم مأخذ قوله، وهو مثل التعريفات السابقة.

5- تعريف الشيخ أبو حامد والأستاذ أبو منصور بأنه:

"قبول القول من غير حجة تظهر على قوله ".

أي: على قول القائل، وهو أيضًا مثل التعريفات السابقة.

6- تعريف ذكره الشوكاني من غير أن يعزوَه إلى أحد بأنه: قبول قول الغير دون حجته .

أي: دون معرفة حجة هذا القول، وهو كذلك راجع إلى التعريفات السابقة.

وبالنظر في التعريفات المذكورة يتبين لنا أنها تشمل الصور الآتية:

1- أخذ العامي بقول العامي.
2- أخذ المجتهد الذي لم يجتهد في المسألة بقول مجتهد آخر، من غير بحث في دليله.
3- أخذ العامي بقول المجتهد.
4- أخذ المجتهد بقول العامي، ويتصور ذلك في حكم قاله العامي وأخذ به المجتهد، من غير أن يعرف دليله.

ويخرج عنه الصورة الآتية، وهي:

أخذ المجتهد بقول مجتهد آخر إذا عرف دليله؛ لأن هذه من صور الاجتهاد كما تقدم.

لكن يلاحظ على هذه التعريفات أنها ليست صريحة في إخراج الرجوع إلى السنة وإلى الإجماع من دائرة التقليد وحقيقته، مع أن الرجوع إليهما ليس من باب التقليد بالإجماع، ذلك أن الأخذ بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أو قول أهل الإجماع من غير معرفة هذا الدليل، يعتبر تقليدا بناء على هذه التعريفات، مع أن الرجوع إلى كل منها ليس من التقليد في شيء؛ لذلك يحتاج التعريف -في نظري- إلى قيد صريح يخرج هاتين الصورتين عن دائرة التقليد.

التعريف الثالث:

للشيخ المحقق الكمال بن الهمام في كتابه التحرير، عرفه بأنه:

" العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجة منها " .

وهذا التعريف قد تلافى المؤخذات التي أوردتها على التعريفات السابقة، فإن تقييد الغير - بمن ليس قوله إحدى الحجج - يخرج من دائرة التقليد: العمل بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بقول أهل الإجماع؛ لأن قول الرسول عليه السلام حجة، وكذلك قول أهل الإجماع.

ويخرج أيضًا عمل القاضي بشهادة الشهود العدول؛ فإنه عمل بقول أهل الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة بوجوب حكم القاضي عند شهادة العدول.

ومثل ذلك أيضًا بالنسبة للعمل بالرواية؛ لأنه عمل بالإجماع على قبول الرواية الصحيحة، وكذلك بالنسبة لقول الصحابي عند من يرى حجيته.

وكذلك شمل هذا التعريف رجوع العامي إلى المفتي، كما هو المشهور والمتعارف لدى العلماء، فإن قول المفتي ليس إحدى الحجج، ويستند العامي إلى قوله لا إلى حجة تفصيلية أو إجمالية فدخل عمل العامي بقول المفتي في حقيقة التقليد.

والمراد بالحجة في هذا التعريف: الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على الحكم الخاص، ولا يأبى التعريف إرادة الحجة بالمعنى العام.

ورغم أن هذا التعريف أمثل التعريفات في نظري، إلا أنني لم أرَ من تابعه عليه سوى ما نقله الشوكاني في ثنايا التعريفات التي ساقها للتقليد بأنه:

" رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة " ولم يعزه لأحد، وهو نفس تعريف الكمال بن الهمام

( هـ ) وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

إذا نظرنا إلى التقليد في معناه اللغوي وفي معناه الاصطلاحي وجدنا أن كلا المعنيين فيه تحمّل، فالتقليد في معناه اللغوي فيه تحمّل الأشياء الحسيّة، والتقليد في معناه الاصطلاحي فيه تحمّل الأمور المعنوية.

ووجه جعل التقليد من العامي كالقلادة في عنق المجتهد أنه: بتقليده له كأنه طوّقه ما في ذلك الحكم من تبعه -إن كانت- وجعلها في عنقه.

أو بعبارة أوضح: كأن المقلِّد يطوِّق المجتهد إثم ما غشه به في دينه وكتمه عنه من علمه، أخذًا من قوله -تعالى-:
﴿ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ على جهة الاستعارة .

( و ) الفرق بين التقليد والاتباع:

قد يظن الناظر بادئ ذي بدء أن التقليد والاتباع شيء واحد، ولكن المتأمل يجد بينهما فرقًا واضحًا.

فالتقليد: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل لغيرك لم يوجبه الدليل عليك، ولم يجزه لك، كأخذ العامي أو المجتهد عن العامي مثلاً؛ فإن الدليل لا يوجب ذلك ولا يجيزه، ما عدا أخذ العامي عن المجتهد، وأخذ المجتهد بقول غيره في حالات خاصة -كما سيأتي بيان ذلك في التقليد الواجب والتقليد الجائز.

والاتباع: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل أوجبه الدليل عليك، وذلك كأن تأخذ بما جاء في القرآن الكريم، أو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكأن يأخذ القاضي بقول الشهود العدول؛ فإن الدليل أوجب العمل والأخذ بذلك.

فالتقليد والاتباع يتفقان في أن كل منهما أخذ وعمل بقول الغير، ويفترقان في أن التقليد أخذ وعمل بغير حجة ودليل، والاتباع أخذ وعمل بالحجة والدليل .

( ز ) نبذة تاريخية عن أدوار الفقه، ومراحله، ومتى كان دور التقليد:

يذهب بعض المؤرخون لتاريخ الفقه الإسلامي إلى تقسيمه إلى أربعة عهود:

1-
عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
2- عهد الصحابة حتى أواخر القرن الأول الهجري.
3-
عهد التدوين والاجتهاد حتى منتصف القرن الرابع الهجري.
4-
عهد التقليد، بعد منتصف القرن الرابع الهجري .

ويذهب الشيخ محمد الخضري في كتابه تاريخ التشريع الإسلامي إلى تقسيمه إلى ستة أدوار مبنيًا على العصور المتمايزة:

1- التشريع في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الأصل الذي يصرح كل فقيه أنه مستند إليه.
2- التشريع في عهد كبار الصحابة وينتهي هذا العهد بانتهاء الخلفاء الراشدين.
3- التشريع في عهد صغار الصحابة ومن ضاهاهم من التابعين وينتهي بانتهاء القرن الأول الهجري، أو بعده بقليل.
4- التشريع في العهد الذي صار فيه الفقه علمًا من العلوم، وظهر فيه نوابغ الفقهاء الذين صارت بيدهم مقاليد الزعامة الدينية، وينتهي هذا الدور بانتهاء القرن الثالث الهجري.
5-
التشريع في العهد الذي دخلت فيه المسائل الفقهية في دور الجدل، لتحقيق المسائل المتلقاة عن الأئمة، وظهور المؤلفات الكبيرة، وينتهي هذا العهد بسقوط بغداد ونهاية الدولة العباسية وظهور التتار على ممالك الإسلام.
6- التشريع في عهد التقليد المحض، وهو ما بعد سقوط بغداد إلى العصر الحاضر.

رد مع اقتباس