عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 11 Sep 2019, 11:37 AM
عباس ولد عمر عباس ولد عمر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2018
المشاركات: 12
افتراضي

بارك الله فيك أبا حاتم على هذه الكتابة القيّمة والجمع الطيب الذي بينت فيه أن أحكام المفرقة لم تُبن على أساس من العدل، إنما أقامها أصحابها على الهوى والجور، لذلك كانت أظهر سمة لها التفريق بين المتماثلات كما ذكرت، والكيل لأنفسهم بغير المكيال الذي كالوا به لإخوانهم، وهم بذلك مستحقون للذم، معرضون للوعيد الذي ذكره الله عز وجل في حق من عامل الناس بالبخس والتطفيف، وذلك في قوله:﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
ولعل ظانّا يظن أن هذه الآيات مختصة بأصحاب التجارات، والصحيح أنها عامة في جميع المعاملات، بما في ذلك الحكم على أقوال الناس وأفعالهم وأديانهم.
- قال ابن تيمية بعد أن ذكر هذه الآيات:«وأين البخس في الأموال من البخس في العقول والأديان .. والميزان التي أنزلها الله مع الكتاب حيث قال الله تعالى:﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾، وقال:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ هي ميزان عادلة تتضمن اعتبار الشيء بمثله وخلافه، فيسوى بين المتماثلين، ويفرق بين المختلفين، بما جعله الله في فطر عباده وعقولهم من معرفة التماثل والاختلاف». [(الرد على المنطقيين:382)]
- وقال ابن السعدي في تفسير الآيات:«ودلت الآية الكريمة على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات، بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ماله من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج التي لا يعلمها، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير. ثم توعد تعالى المطففين، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه، فقال:﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، فالذي جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به وعرفوا أنهم يقومون بين يدى الله، يحاسبهم على القليل والكثير؛ لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه».
* ومن الأمور المهمة التي نبهت عليها – جزاك الله خير-؛ مسألة التعامل مع خطأ السلفي، فليس كل خطأ يلزم منه التحذير والتشهير، فضلا عن أن يوجب الهجر والتشنيع، لأنه لا أحد مبرأ من ذلك، والدليل ما أظهره الله من أخطاء شيوخ التفريق التي هي من جنس ما اتهموا به إخوانهم بل هي أعظم وأكثر، فهل كانوا يرضون بأن يُعاملوا بمثل ما عاملوا إخوانهم ؟! ونبينا ﷺ يقول:«فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ..». [رواه مسلم]
وهنا مسألة دقيقة خفيت على الخائضين في هذه الفتنة، وهي أن الذي شدّد عليه علماؤنا من أهل هذا الشأن واهتموا بالتحذير منه وكتبوا في الرد عليه؛ من يؤصل للتمييع كما صنع الربيع وإخوانه مع العرعور والمأربي والحلبي، أما السلفي الذي لا يخالف في الأصول، يعتريه الضعف في بعض المواقف فلا بد من الرفق به والصبر عليه، ومناصحته بالحكمة والموعظة الحسنة، والله أعلم.


التعديل الأخير تم بواسطة عباس ولد عمر ; 11 Sep 2019 الساعة 11:41 AM
رد مع اقتباس