عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 28 Jun 2012, 04:35 PM
أبو عثمان سعيد مباركي أبو عثمان سعيد مباركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: سعيدة
المشاركات: 254
افتراضي

3 ـ الوصية الثالثة: حفظ العمل الصالح من كل مفسد طالح:

ثم في الأخيرـ إخواني الأحبة ـ تكون المُنجية الثالثة في الفيافِي, وخاتمة الوصاياالخوافِي[1], في حفظ ما سعى فيه العبد طيلة هذا الشهر الكريم, وحِِرز ما حازه الصائم القائم من الأجر العظيم, بل هو أمر من الله ربكم, إذ قال في محكم تنزيله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد33] وما تلكم المبطلات وذياكم المحبطات إلا الكبائروالسيئات.

~أخرج الإمام محمد بن نصر المروزي: عن أبي العالية قال: « كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع "لا إله إلا الله" ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ فخافوا أن يبطل الذنبُ العمل»، وأخرج أيضا: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: « كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبول حتى نزلت: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات، والفواحش, [فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا: قد هلك] حتى نزلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن لم يصبها» [تعظيم قدر الصلاة - (ج 2 / ص 251*252)][2], ويؤيد هذا ماجاء فيمصنف عبد الرزاق وغيره - (ج 8 / ص 184)عن أبي إسحاق عن امرأته [العالية]، أنها دخلت على عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين ! كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مئة إلى أجل، ثم اشتريتها منه بست مئة، فنقدته الست مئة، وكتبت عليه ثمان مئة، فقالت عائشة: بئس والله ما اشتريت ! وبئس والله ما اشترى ! أخبري زيد بن أرقم أنه قدأبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب[3]، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل، قالت:﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى...﴾ [البقرة: 275] الآية، أو قالت: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ [البقرة: 279] الآية)[4].

~ وقد سلك هذا القول جِلة من التابعين يرون أن الكبائر تبطل الحسنات وتذهبها " فعن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: من استطاع منكم أن لا يبطل عملاً صالحاً بعمل سوء فليفعل ولا قوّة إلا بالله فإن الخير ينسخ الشر، فإنما ملاك الأعمال خواتيمها. وقال الحسن رحمه الله أي: لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي. وقال الزهري رحمه الله: بالكبائر." [الدر المنثور - (ج 9 / ص 206)]

~ويكفي إن شاء الله في تقرير هذا الأصل والتخويف منه أن شيخَي الإسلام القيّمين والإمامين المجاهدين: ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله قد انتصرا لهذا القول وقرراه في كتبهما وإليك نقل لكل منهما يشفي العليل, ويروي الظمآن الغليل,[5] ورد ابن تيمية على من خصص البطلان في آية ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ بالكفر أو بإتمام العمل بعد الشروع فيه, وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر, وليس الشأن في العمل,إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه, فالرياء وإن دق محبط للعمل, وهو أبواب كثيرة لا تحصر, وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضا موجب لكونه باطلا, والمنّ به على الله تعالى بقلبه مفسد له, وكذلك المنّ بالصدقة والمعروف والبر والإحسان والصلة مفسد لها, كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة:264] وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات, وقد قال تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:2] فحذر سبحانه المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض, وليس هذا بردة, بل معصية يحبط بها العمل وصاحبها لا يشعر بها... فمعرفة ما يفسد الأعمال في وقت وقوعها, ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد, ويحرص على عمله ويحذره) اﻫ [الوابل الصيب ص30]

وأما الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فقد جنح للجمع بين المذهبين ولم يجعل الإبطال خاصا بنوع من الذنوب فقال: (والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائناً ما كان من غير تخصيص بنوع معين ). [فتح القدير - (ج 6 / ص 486)]

ومثله في التحرير والتنوير- (ج 2 / ص 452) للعلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى وإن لم يرجح هذا المعنى, قال: ومعنى النهي عن إبطالهم الأعمالَ: النهي عن أسباب إبطالها، فهذا مَهيَع قوله: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾. وتسمح محامِله بأن يشمل النهي والتحذير عن كل ما بيَّن الدِينُ أنه مبطل للعمل كلاًّ أو بعضاً مثل الردة ومثل الرياء في العمل الصالح فإنه يبطل ثوابه. وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى﴾ [ البقرة: 264 ]. وكان بعض السلف يخشى أن يكون ارتكاب الفواحش مبطلاً لثواب الأعمال الصالحة ويحمل هذه الآية على ذلك ) اﻫ

فبهذا أخي القارئ الكريم , يكون حفظ العمل, والإحتراز من المحبطات من سيءِ الزلل, قد وجب على الباغي النجاة, وتأكد على طالب الجنات, وليس شيء أشد على العاملين بعدما تعبوا في نيل الأجور أن يُحرموها, وليس أعظم حسرة من الناصبين المجتهدين بعدما حصلوا على تلك الأرزاق أن يضيعوها, بل يا ويلنا يوم اللقاء كيف حسرتنا وقد غدت هباء منثورا, وكيف الخلاص بدونها من يوم كان شره مستطيرا, وموقفٍ أمام ربٍّ كان بذنوب عباده خبيرا بصيرا, فيومئذ لا درهم ولا دينار, ولا ينتفعُ بماله مُقِلٌ ولا مِكثار, وإنما هي الحسنات, إذا ثبتت في الميزان وقبلت عند الرحمن, وإنما هي الباقيات الصالحات, الموجبات للرضوان والخلودِ فى الجنان, وإنما هي المانعات الحائلات من العذاب الأليم والنكال والنيران, ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء47] وليست يا أخي الحبيب إلا تلك المباني الخمسة التي هي أركان الإسلام, من التوحيد والصلاة والزكاة والحج والصيام[6]، وما يتبعها من النوافل والقرآن والإحسان إلى الأنام, وقد كان لهذا الشهر المبارك الكريم أوفر الحظ باجتماع أكثرها فيه, وأكبر النصيب لتوارد أغلبها في أيامه ولياليه, فمن أداها بالإخلاص للواحد الأحد, والمتابعة لسنة النبي أحمد, عليه الصلاة والسلام ما تمتّع الناس بورِِقٍ وعسْجد, فلا بد أن يرعاها بالحفظ من الآفات, ويمنعها من كل المحبطات, وبعد ذلك ربك أرحم, وعفوه أوسع وأعظم, فنسأله بكل أسمائه الحسنى, وبكل صفاته العلى, أن يمنّ علينا بلزوم التوبة والإخلاص وصالح الأعمال, فهذه الثلاث بها النجاة من كل الأهوال, قال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) ﴾ [ الآيات من سورة مريم]

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
كتبه: أبو عبد الحق أمين (غفر الله ذنبه وستر عيبه)




[1] - الخوافي: الريش الصغير في الطائر، قال في الصحاح في اللغة - (ج 1 / ص 56) والأَباهِرُ من ريش الطائر: ما يلي الكُلى، أولها القوادمُ، ثم المناكبُ، ثم الخوافي ثم الأَباهِرُ، ثم الكُلى. اهـ كناية عن جهد مقل مزجى البضاعة.


[2] - وهذان الأثران قد أوردهما جل أئمة التفسير في سبب نزول هذه الآية الكريمة وهما، وإن لم يخلوا من مقال من حيث السند إلا أنه ليس فيهما كذاب أو متهم, فهما يتعاضدان بهذا، وانظر مقدمة التفسير لشيخ الإسلام من (ص :36) إلى (ص:41) فإنه مهم, ثم يزيدهم قوة أثر عائشة الآتي بعدهما.


[3] - وقد كان زيد بن أرقم رضي الله عنه غزى سبع عشرة غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كماعند أحمد في المسند (ج 39 / ص 279)


[4] - قال الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 9 / ص 110): قَالَ فِي" التَّنْقِيحِ " (وهوالعلامة ابن عبدالهادي): هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ ، قَالَ فِي الْعَالِيَةِ : هِيَ مَجْهُولَةٌ ، لَا يُحْتَجُّ بِهَا ، فِيهِ نَظَرٌ ، فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ ، وَلَوْلَا أَنَّ عِنْدَ أُمِّ الْمُومِنِينَ عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِالِاجْتِهَادِ ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالُوا : الْعَالِيَةُ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهَا ، قُلْنَا : بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ ، ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " ، فَقَالَ : الْعَالِيَةُ بِنْتُ أَيْفَعَ بْنِ شَرَاحِيلَ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعَتْ مِنْ عَائِشَةَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. قلت: مدار الأثر على مبحث مجهول الحال وفيه خلاف عند أهل الحديث والأصول, انظر التدريب للسيوطي (ج 1/ص 172). والمذكرة للشنقيطي (ج1 /ص207) وما بعدها.


[5] - قال ابن تيمية رحمه الله: فَإِذَا كَانَتْ السَّيِّئَاتُ لَا تُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ فَهَلْ تُحْبَطُ بِقَدْرِهَا، وَهَلْ يُحْبَطُ بَعْضُ الْحَسَنَاتِ بِذَنْبِ دُونَ الْكُفْرِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ. مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ. مِثْلُ قَوْلِهِ : ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ الْآيَةَ. دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السَّيِّئَةَ تُبْطِلُ الصَّدَقَةَ وَضَرَبَ مَثَلَهُ بِالْمُرَائِي، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ بَطَلَ" الْحَدِيثَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ : ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ وَحَدِيثُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ. وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ : بِالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ... فَمَا ذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْكَبَائِرَ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ. فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يُرِدْ إلَّا إبْطَالَهَا بِالْكُفْرِ. قِيلَ : ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ وَمُوجِبٌ لِلْخُلُودِ الدَّائِمِ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِهَذَا بَلْ يَذْكُرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ. كَقَوْلِهِ : ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ وَنَحْوِهَا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ وَفِي آيَةِ الْمَنِّ سَمَّاهَا إبْطَالًا وَلَمْ يُسَمِّهِ إحْبَاطًا ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ بَعْدَهَا الْكُفْرَ بِقَوْلِهِ : ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ الْآيَةَ. فَإِنْ قِيلَ : الْمُرَادُ إذَا دَخَلْتُمْ فِيهَا فَأَتِمُّوهَا وَبِهَا احْتَجَّ مَنْ قَالَ : يَلْزَمُ التَّطَوُّعُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ. قِيلَ : لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إبْطَالِ بَعْضِ الْعَمَلِ فَإِبْطَالُهُ كُلُّهُ أَوْلَى بِدُخُولِهِ فِيهَا فَكَيْفَ وَذَلِكَ قَبْلَ فَرَاغِهِ لَا يُسَمَّى صَلَاةً وَلَا صَوْمًا ثُمَّ يُقَالُ : الْإِبْطَالُ يُوجَدُ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا ذَكَرُوهُ أَمْرٌ بِالْإِتْمَامِ، وَالْإِبْطَالِ هُوَ إبْطَالُ الثوَابِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُتِمّ الْعِبَادَةَ يَبْطُلُ جَمِيعُ ثَوَابِهِ، بَلْ يُقَالُ : إنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ الْمُفْلِسِ " الَّذِي يَأْتِي بِحَسَنَاتِ أَمْثَالِ الْجِبَالِ ".. وَقَدْ عَمَّمَ بِقَوْلِهِ : ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ أَيْ لَا تَجْعَلُوهَا بَاطِلَةً لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَلَا ثَوَابَ وَلَا فَائِدَةَ.اﻫ مجموع فتاوى(ج 2 / ص 424)


[6] - بهذا الترتيب وردت رواية عند البخاري في كتاب الإيمان (ج 1 / ص 11).

رد مع اقتباس