عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16 Aug 2020, 05:26 PM
زهير بن صالح معلم زهير بن صالح معلم غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2019
المشاركات: 113
افتراضي ملحق بمقال:(القول الوسط في بيان ما وقع للدكتور فركوس في فتواه عن حكم عبارة ما كتبتش من الشطط)

ملحق بمقال:
(القول الوسط في بيان ما وقع للدكتور فركوس في فتواه عن حكم عبارة ما كتبتش من الشطط)
الحلقة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين والمرسلين وبعد:
فهذه الحلقة الثانية من الملحق بمقال القول الوسط في نقد فتوى الدكتور فركوس - سدده الله-حول قول عبارة ماكتبتش وبيان ما فيها من الشطط، وقد تكلمت في الحلقة الأولى عن الخطأ الذي وقعت فيه معلنا التراجع عنه بفضل الله ومنته، مبينا الحق الذي يجب اعتقاده من خلال نصوص الوحي وكلام علماء الإسلام، ووعدت بأن أتكلم في الحلقة الثانية، عما وقع للدكتور في فتواه المعدلة من الخلل، وهذا أوان الشروع في المقصود:
فأقول مستعينا بالله تعالى طالبا منه التوفيق والسداد:
إن الدكتور فركوس-وفقنا الله وإياه لمراضيه- له طريقة فريدة وغريبة في كتاباته وفتاويه، وفي التعامل مع أخطائه التي يقع فيها وينبَّه عليها، وكذا في التعامل مع قرائه وأتباعه؛ هذه الطريقة لابد من بيانها حتى يدركها الناس وخاصة أتباعه المغرر بهم، ممن لا يزال يحسن الظن به، أو لاتزال غشاوة التقديس تغطي على عقولهم فلا يفهمون حقائق الأمور، لذلك كان لزاما على أهل الحق أن يبينوا للناس هذه الطريقة التي لا تمت لطرائق أهل العلم بصلة، وقد بذل المشايخ وطلبة العلم الفضلاء جهودا في ذلك قياما منهم بواجب النصيحة الذي فرضه الله عليهم، فيشكرون على ذلك وينوه بفضلهم وسبقهم، ومن باب التعاون على البر والتقوى والإسهام في النصح وبيان الحق رأيت أن أشارك مشايخنا الكرام وإخواني من طلبة العلم بهذه المشاركة التي تزيد طريقة الدكتور جلاء ووضوحا من خلال الكلام عما حصل له من خلل في فتواه المعدلة، وطريقة صياغته لأجوبته وفتاويه.
فنلاحظ أن الدكتور بعد أن أوقف على خطئه في تحريم قول عبارة (ما كتبتش) على الإطلاق، وأوقف على كلام العلماء في هذه القضية الخطيرة؛ وجد نفسه مضطرا إلى إعادة صياغة الفتوى والتفصيل في الحكم، لكنه لم يسلم من الإخلال ببعض المطالب المهمة؛ التي كان ينبغي له الاهتمام بها وبيانها أداء للأمانة التي أخذها الله على أهل العلم، وصارت هذه الطريقة مسلوكة له في كثير من الفتاوى والتقريرات، فمن هذه الإخلالات:

الخلل الأول: التقاعس عن التصريح بالخطأ والإعلان عن التراجع عنه والبيان الواضح للحق
إن هذه القضية التي أخطأ فيها الدكتور هي من القضايا العقدية المهمة التي يجب على المفتي إذا تكلم فيها أن يستحضر بيان العقيدة الصحيحة وإيضاحها للناس، والواجب على من وقع في خطأ أو في كلام موهم لخلاف المعتقد الحق؛ المسارعة للتصريح بالخطأ الذي وقع فيه، ونفيه عن عقيدة أهل السنة والجماعة، والاجتهاد في إزالة اللبس والغموض الذي يكتنف كلامه، حرصا على سلامة عقيدة أهل السنة والجماعة وحماية للدين ونصرة للمنهج السلفي وحملا للناس على التزام المعتقد الصحيح الذي جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
لكننا في الحقيقة والواقع لم نجد الدكتور قد أولى هذا الأمر أي اهتمام، سواء في هذه الفتوى أوفي غيرها من الفتاوى التي وقع له فيها أخطاء، بل الأمر أعظم من ذلك حيث وقع الدكتور في أخطاء منهجية خطيرة ثابتة عنه بالصوت والكتابة، بلغت علماء الأمة الأثبات كالشيخ ربيع والشيخ عبيد حفظهما الله تعالى، وناصحوه بكل لطف، وطالبوه بالرجوع عنها فلم يحرك ساكنا للبراءة منها وبيان الحق فيها ولا حتى بسلوك طريقته العتيدة وهي التعديل من غير إشارة ولا بيان، بل بلغنا من بعض أتباعه أنه برر لبعض أخطائه كثنائه على ابن سينا الذي كفره علماء الملة، وسوّغها بحجة الفرق بين النقد والترجمة في باب الموازنة بين حسنات وسيئات أهل البدع، وهذا التبرير لا يخفى فساده على طالب علم سلفي، وإنما حمله عليه الحفاظ على سمعته الشخصية ومكانته الأدبية وخوف انفضاض الأتباع عنه إذا اعترف بخطئه في قضايا المنهج، غير مبال بما حصل للناس من الاضطراب واللبس والاعتقاد الخطأ؛ فوقع فيما آخذ به مشايخ الإصلاح بغير حق عندما قال في مقاله الذي بعنوان [المآخذ على البيان الأخير لرجال مجلة الإصلاح الصادر بتاريخ 2 رجب 1439ه الموافق لـ 19 مارس 2018م] والمنشور في منتديات التصفية والتربية التي سطى عليها رفيقا دربه لزهر وجمعة بغير حق، ثم استرجعها أهلها بالحق والعدل؛ حيث قال الدكتور: (ثانيًا: بدلًا من أن يكون رجال مجلة الإصلاح ـ أصلحهم الله ـ حماةً للدين مصلحين مناصرين للمنهج السلفي، يهدفون لتحقيق الوفاق برجوعهم إلى الحق المبين بأدلته السمعية والمكتوبة، فإنه ـ بخلاف ذلك ـ لا تجد سوى دفاعٍ عن أشخاصهم وتزكيةِ ذواتهم، والسعي إلى استخراج صوتيةٍ تجريحية من علماء المدينة لتخويف المخالفين لهم وإرجافهم، وهذا شأن المفلسين الأموات غير الأحياء، الذين لا يعرفون من المعروف سوى ما يعود على ذواتهم ومصالحهم، لا نصرةً للدين ولا حمايةً للمنهج).
فرأينا الدكتور هنا قد أعرض عن التصريح بخطئه ورجوعه عنه بكل وضوح، واكتفى بتعديل الفتوى والتغيير فيها من غير أدنى إشارة ولا بيان مع الإبقاء على رقم الفتوى ونفس التاريخ، متوهما أن ذلك الصنيع يكفي في براءة ذمته أمام الله عز وجل؛ وهذا أمر مخالف للصواب؛ لأمور:
أولا: لأنه مخالف للإصلاح والبيان المطلوب ممن وقع في الخطأ؛ فإن الله تعالى يقول: {إلا الذي تابوا وأصلحوا وبينوا}.
ثانيا: هو مخالف أيضا للبيان الذي أمر الله به أهل العلم؛ كما في قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبيس ما يشترون}.
وثالثا: هو مخالف كذلك لطريقة السلف والعلماء في الرجوع عن الخطأ المنتشر عنهم؛ فقد قد كان من أمانة السلف وورعهم إذا أفتى أحدهم باجتهاده، وسئل عن ذلك يقول هذا من كيسي، ولا ينسبه للشرع؛ كما حصل من أبي هريرة رضي الله عنه، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» تَقُولُ المَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ العَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الِابْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «لاَ، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ».
وقد رجع أبو هريرة رضي الله عنه عن الفتوى بإفطار من أصبح جنبا، وذكر ابن عبد البر أنه حدث الناس برجوعه؛ حيث قال كما في التمهيد ( 22/ 44): ( قَالَ أَبُو عُمَرَ رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عن فتياه هذه إذا بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثُهُمَا فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا عمر بن قيس عن عطاء ابن مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:(كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَقَدْ أَفْطَرَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يُفْطِرُ). ورواه الخطيب البغدادي في [الفقيه والمتفقه (2/421) بَابُ رُجُوعِ الْمُفْتِي عَنْ فَتْوَاهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِهَا].
وقد وضع ابن القيم رحمه الله في كتابه الماتع[إعلام الموقعين عن رب العالمين]فَصْلا فِي تَحْرِيمِ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ، أورد فيه آثارا عن السلف الصالح في رجوعهم عما أفتوا فيه بخلافها، منها ما جاء في قوله [(2/201-202) الطبعة: الأولى لدار الكتب العلمية – ييروت 1411هـ - 1991م] (وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعد بن إياس، عن ابن مسعود:أَنَّ رجلًا سأله عن رجل تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته، فطلَّق امرأته ليتزوج أمها، فقال: لا بأس، فتزوجها الرجل، وكان عبد اللَّه على بيت المال؛ فكان يبيع نُفاية بيت المال يعطي الكثير ويأخذ القليل، حتى قَدمَ المدينةَ فسأل أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا:(لا تحلُّ لهذا الرجل هذه المرأة، ولا تصلح الفضة إلا وزنًا بوزنفلما قدم عبد اللَّه انطلق إلى الرجل فلم يجده، ووجد قومه فقال: إن الذي أفتيتُ به صاحبَكم لا يحل، وأتى الصيارفة فقال: يا معشر الصيارفة إن الذي كنتُ أبايعكم لا يحل، لا تحل الفضة إلا وزنًا بوزن)..ثم قال: (وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ رُجُوعِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ إلَى السُّنَّةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ).
وروى الخطيب البغداد أيضا في [الفقيه والمتفقه (2/423): عن مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ، وَهُوَ اللُّؤْلُؤِيُّ اسْتُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ فَأَخْطَأَ, فَلَمْ يَعْرِفِ الَّذِي أَفْتَاهُ، فَاكْتَرَى مُنَادِيًا يُنَادِي: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ اسْتُفْتِيَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فِي مَسْأَلَةٍ فَأَخْطَأَ فَمَنْ كَانَ أَفْتَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ بِشَيْءٍ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ, فَمَكَثَ أَيَّامًا لَا يُفْتِي, حَتَّى وَجَدَ صَاحِبَ الْفَتْوَى, فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ, وَأَنَّ الصَّوَابَ كَذَا وَكَذَا" وروى فيه [(2/358)] أيضا تحت (بَابُ الزَّجْرِ عَنِ التَّسَرُّعِ إِلَى الْفَتْوَى مَخَافَةَ الزَّلَلِ) عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ: " أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ الرَّجُلُ فَيَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ , فَيُخْبِرُهُ , ثُمَّ يَبْعَثُ فِي إِثْرِهِ مَنْ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ, فَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي قَدْ عَجِلْتُ فَلَا تَقْبَلْ شَيْئًا مِمَّا قُلْتُ لَكَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ".
فكان على الدكتور: أن يستحضر مثل هذه الآثار، وهو بعد ذلك بين أمرين:
- إما أن يبقي على نفس الرقم والتاريخ لكن مع بيان أن ما كان في الفتوى قبل تعديلها من الإطلاق خطأ منه، وأنه تراجع عنه اتباعا للحق؛ فلا ينسب إليه.
- وإما أن يبقي على الفتوى الأولى بنصها ورقمها وتاريخها، ويكتب فتوى أخرى جديدة برقم وتاريخ جديدين، يصرح فيها بوقوعه في الخطأ في فتواه الأولى، ويصرح بأن الصواب هو ما في هذه الفتوى الجديدة وأنها هي المعتمدة عنده وأنه بريء من الفتوى الأولى بعد هذا البيان فلا تنسب إليه؛ لأنه تراجع عنها، وهذا هو الأفضل.
لكن ولا واحد من الأمرين حصل من الدكتور؛ ولم يوفق للتصريح بخطئه والرجوع عنه وبيان الحق بوضوح؛ مما أوقع الناس في اللبس والاضطراب، وتعصب كثير من الناس لقوله الذي لا يعلم من سبقه إليه واتهم الكثير بسبب رد فتواه بالطعن فيه وفي العلماء، ولينظر في التعليقات على فتوى الدكتور الصوتية التي لا تزال منشورة في كثير من المواقع والقنوات على اليتيوب؛ لمن شاء التأكد من ذلك.

الخلل الثاني: محاولة الدكتور التدليس على القراء بإخفاء وقوعه في الخطأ في الفتوى الأولى
فقد اجتهد الدكتور في الظهور بمظهر المحقق الذي درس القضية وعرف تفاصيلها؛ غير أن المقام في الأول اقتضى الاختصار فأطلق الحكم باعتبار الغالب، ولما احتاج لرفع اللبس فصّل وبيّن المواضع التي تجوز فيها من غيرها على طريقة العلماء عند الحاجة لذلك، ويظهر ذلك في النقاط التالية:
أولا: محاولة الدكتور حصر الحكم في ثلاث حالات:
فحاول الدكتور أن يحصر حكم هذه الكلمة (ما كتبتش) في حالات محددة، باعتبار وقوع الشيء وباعتبار مشيئة الله لعدم وقوعه وباعتبار إخبار الله عز وجل بوحيه لرسوله أنه سيقع؛ فخلص إلى حصرها في ثلاث حالات:
1- الأولى: المنع من قولها والحكم بعدم صحتها إذا جيئ بها فيما وقع وكان؛ لأن الوقوع دليل على أنه مكتوب مقدر.
2-الثانية: المنع من قولها بصيغة مستقبلية (ما تتكتبش =بمعنى لن تقع في المستقبل) إذا جيء بها فيما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيقع من علامات الساعة ونحوها من الأمور المستقبلية.
3-والثالثة: الحكم بجوازها وصحة إطلاقها وقولها إذا كان الأمر يتعلق بما لم يشأ الله وقوعه، معللا ذلك بأن ما لم يشأ الله تعالى كونه فلن يكون، ومن ثم يعلم أنه غير مكتوب، واستدل على ذلك بكلام الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى.
وهذا نص كلامه ليقف عليه من لم يطلع على فتوى الدكتور، أو لم يتسن له الإطلاع على المقال الأول؛ حيث قال كما في [الفتوى رقم: 846 الصادرة بتاريخ 30 ذي القعدة 1428ه الموافق لـ: 10 ديسمبر 2007م]،على موقعه الرسمي:
(وممَّا سَبَق يتجلَّى:
1-أنَّ عبارةَ: «ماكتبتش» غيرُ صحيحةٍ إذا ما أُتِيَ بها في أمورٍ قد كانَتْ ووَقَعَتْ؛ لأنَّ الوقوع دليلٌ على أنه مكتوبٌ مُقدَّرٌ؛ فلو لم يكن كذلك لم يقع.
2- ولا يصحُّ إطلاقُ العبارة ـ أيضًا ـ بصيغةٍ مُستقبَليةٍ ـ أي: «ما تَتَّكْتَبْشْ» («لن تقع مُستقبَلًا») ـ فيما أخبر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بوقوعه في المُستقبَلِ بأنه سيكون: مثل خروج الدابَّة والدجَّال ويأجوجَ ومأجوجَ، ونزولِ عيسى، وطلوعِ الشمس مِنْ مغربها، ونحوِها مِنَ المغيَّبات اللاحقةِ حقائقُها آخِرَ الزمان؛ فإنها مِنَ المكتوب المقدَّر قبل خَلْقِ السماوات والأرض بخمسين ألفَ سنةٍ كما صحَّ في حديثِ عبد الله بنِ عمرِو بنِ العاص رضي الله عنهما، ولا بُدَّ أَنْ تَقَع على مُرادِ الله تعالى في وقتها المُقدَّر لها، لا تتقدَّم عنه ولا تتأخَّر؛ فإنَّ ما شاء اللهُ إمَّا كان أو يكون.
3-أمَّا إطلاقُ العبارةِ السابقة فيما لم يَشَإِ اللهُ وقوعَه فصحيحةٌ؛ لأنَّ ما لم يَشَإِ اللهُ لم يكن؛ قال الطحاويُّ ـ رحمه الله ـ: «ونؤمن باللوح والقلم، وبجميعِ ما فيه قد رُقِم؛ فلو اجتمع الخَلْقُ كُلُّهم على شيءٍ كَتَبه اللهُ تعالى فيه أنه كائنٌ ليجعلوه غيرَ كائنٍ لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كُلُّهم على شيءٍ لم يكتبه اللهُ تعالى فيه ليجعلوه كائنًا لم يَقْدِروا عليه، جفَّ القلمُ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبدَ لم يكن ليُصيبَه، وما أصابه لم يكن ليُخْطِئه
»). انتهى المقصود من كلام الدكتور.

ثانيا: محاولة التلبيس على القارئ وإخفاء خطئه أو التهوين من حجمه
وهذه الطريقة التي سلكها الدكتور نجدها في الحقيقة عند التأمل ما هي إلا محاولة منه للتلبيس على القراء وإخفاء خطئه أو التهوين من حجمه في نفوسهم؛ وعدم إشعارهم بتغير كبير في الحكم؛ ذلك أن الحالتين الأوليين اللتين ذكرهما الدكتور؛ لا يشك من تأمل جيدا في السؤال والجواب أن السائل لم يدر بخلده السؤال عنهما، بل الظن أنه لا يوجد أحد من المسلمين ممن يعقل يسأل عنهما؛ إذ من المعلوم:
1-أن ما وقع وحصل لا يخفى أنه كان بعلم الله تعالى ومشيئته وخلقه، وما كان كذلك لا يستريب مسلم عاقل في كونه من المكتوب في اللوح المحفوظ؛ إلا ما له علاقة بأفعال العباد التي هي من قبيل التكليف، فقد خالف فيها بعض أهل الضلال، وهم القدرية النفاةمن المعتزلة وغيرهم الذين قالوا: إنها ليست مخلوقة لله تعالى، وإجماع السلف ونصوص الكتاب والسنة ترد عليهم وتنقض باطلهم؛ كقوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}.
2-وما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيكون وسيقع في المستقبل؛ كذلك لا يستريب مسلم عاقل يؤمن بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في أخباره: أن ذلك سيقع كما أخبر، ومن ثم لا يجوز أن يقال: (ما تتكتبش = بمعنى لن تقع)؛ لأن ذلك مضادة لخبر الرسول الصادق المصدوق، وهو كفر لا ريب فيه، ثم إن السائل لم يسأل عن هذه العبارة بصيغة المستقبل؛ لأنه لا وجود لها في واقع الناس واستعمالهم.
فلم يبق مناسبا للجواب على سؤاله إلا الحالة الثالثة، فكان الذي ينبغي الاقتصار عليها في الجواب؛ فما السر وراء عدم اقتصار الدكتور عليها ؟
ثالثا: السر وراء عدم اقتصار الدكتور على الحالة الثالثة في جوابه
الجواب: إن السر وراء ذلك هو أن الدكتور يعلم أنه لو اقتصر على هذه الحالة في جوابه: لكان ذلك صادما للقارئ - وإن كان بليد الفهم- صدمة كبيرة؛ لأنه سيوقفه بذلك على التناقض الصارخ بين الفتوى الأولى قبل تعديلها والفتوى الثانية بعد التعديل؛ إذ أنه:
- قال في الأولى: (ومَن آمن ولم يجحد وجب عليه تصحيح الخطأ في العبارة بما يتماشى وإيمانه بالقدر جُملة وتفصيلاً، فلا يجوز له أن يتلفَّظ بهذه العبارة «ماكتبتش» لما فيها من مساسٍ بعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر).
- وقال في الثانية: (إطلاقُ العبارةِ السابقة فيما لم يَشَإِ اللهُ وقوعَه فصحيحةٌ؛ لأنَّ ما لم يَشَإِ اللهُ لم يكنوهذا ما لا يريده الدكتور؛ لأن مثل هذا الخطأ وخاصة إذا كثر سبب لانفضاض الناس عن صاحبه والبعد عن مجالسه وقراءة كتبه وفتاواه.
يؤكد ذلك أمران:
1- الأول: أن الدكتور تحاشى عند ذكر الحالة الأولى -وهي ما وقع وكان-التعرض لحكم عبارة (ما كتبتش) فيما يتعلق بالأمور التي لم تقع؛ والتصريح بصحة قولها؛ لكونها لم تقع؛ مع أن الجواب عنها هو مقصود السائل من سؤاله، واكتفى الدكتور بالتصريح بحكم قول هذه العبارة في الأمور التي وقعت وكانت؛ مفصحا أنها عبارة غير صحيحة ولا يصح إطلاقها، حيث قال: (1- أنَّ عبارةَ: «ماكتبتش» غيرُ صحيحةٍ إذا ما أُتِيَ بها في أمورٍ قد كانَتْ ووَقَعَتْ؛ لأنَّ الوقوع دليلٌ على أنه مكتوبٌ مُقدَّرٌ؛ فلو لم يكن كذلك لم يقع)، تاركا معرفة حكم قول هذه العبارة في الأمور التي لم تقع ليأخذه القارئ من المفهوم بدل المنطوق؛ مع أن السائل أحوج إلى الجواب المنطوق والصريح منه إلى المفهوم.
2-والأمر الثاني: أن المتأمل في جواب الدكتور يجد أنه ذكر حالتين منع فيها من إطلاق هذه العبارة، وحالة واحدة أجاز فيها إطلاقها، وهذه محاولة منه للتعمية والتلبيس على القارئ الواقف على فتواه في الحالتين، والتهوين من حجم خطئه في نفسه؛ حيث يريد أن يصور أن إطلاقه الحكم بتحريم هذه العبارة (ما كتبتش) في البداية كان شاملا لأغلب الحالات، لكنه لما وقف على كلام الطحاوي اقتضى الأمر التفصيل في المسألة؛ كما هي طريقة أهل العلم؛ فبين الحالات التي لا يجوز فيها إطلاقها وهما اثنتان، والحالة التي يجوز قولها وهي المأخوذة من كلام الطحاوي رحمه الله.
فظاهر من هذه القرائن أن الحامل للدكتور على هذا الصنيع هو التكتم على خطئه، والحرص على عدم ظهور الاختلاف الواضح بين فتواه في الحالين، لئلا يفتح بابا على القراء للتساؤل عن الدافع الذي حمل الدكتور على عدم التصريح بخطئه وإعلان تراجعه عن فتواه وبيان الصواب والحق فيها بكل وضوح.
ولولا ذلك لما اكتفى في الجواب على الصورة التي سأل عنها السائل؛ بالمفهوم من الجواب على الحالة الأولى والعموم والإجمال في الحالة الثالثة، ولكان أفرد لها حالة رابعة مستقلة، مصرحا فيها بالجواب المفصل، مستعملا المنطوق دون المفهوم؛ وإلا فإنه لا يخفى على اللبيب أن عبارة الدكتور في الحالة الثالثة: (ما لم يشأ الله وقوعه) ليست قاصرة على ما لم يقع في الماضي؛ بل هي شاملة لثلاثة أمور:
1- لما لم يشأ الله وقوعه مما لم يكن في الماضي.
2- ولما لم يشأ الله أن يقع في مستقبل الزمان مما أعلمنا الله أنه لن يقع كدخول المشرك الجنة وخلود المؤمن في النار.
3- ولما لم يشأ الله وقوعه مما لم يعلمنا به.
فهي عبارة عامة لاشتمالها على هذه الحالات ومجملة لاحتمالها لها؛ ولذلك وقع الدكتور في خلل آخر، وهو الآتي:

الخلل الثالث: خطأ إطلاقه عدم كتابة ما لم يشأ الله وقوعه
لقد صرح الدكتور بصحة قول عبارة (ما كتبتش) فيما لم يشأ الله تعالى وقوعه من غير قيد ولا تفصيل؛ حيث قال: (أمَّا إطلاقُ العبارةِ السابقة فيما لم يَشَإِ اللهُ وقوعَه فصحيحةٌ؛ لأنَّ ما لم يَشَإِ اللهُ لم يكن)، وهذا يقتضي كما سبق عدم كتابة ما أخبر الله تعالى أنه لا يكون أو أنه شاء أن لا يكون أو أنه علم أنه لا يكون، كقوله تعالى لنوح: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}، وهذا مخالف لما دلت عليه بعض النصوص منها قول الله تعالى عن القرآن الكريم: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}، كما سبق بيانه بكل وضوح، في الحلقة الأولى من هذا الملحق، مع بياني أني وقعت في هذا الخطأ عند انتقادي للدكتور في الفتوى الأولى، وأعلنت تراجعي عنه بكل صراحة؛ وهذا هو الواجب علي وعلى كل مسلم وعلى الدكتور أيضا؛ لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وفي الأثر (قل الحق ولو كان مرا) وجاء أيضا: (قل الحق ولو كان على نفسك)؛ فأسأل الله تعالى أن يجعل نفوسنا طيعة له منقادة للحق في كل وقت وعلى كل حال، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
وأخيرا لا يزال عندي كلام على ما يتعلق بمصدر كلام الدكتور في تقريره لعقيدة القضاء والقدر في فتواه الأولى الذي قسمه إلى قسمين قسم في صلب الفتوى وآخر في التعليق، ثم رجع في الفتوى المعدلة فمزج بينهما وجعلهما جميعا في صلب الفتوى، لكني رغبة في عدم الإطالة أؤخره لحلقة ثالثة وهي الأخيرة، والحمد لله رب العالمين ...يتبع

وكتب: زهير بن صالح معلم
ليلة الخميس 23 من ذي الحجة 1441ه الموافق لـ 13/ 08/ 2020م


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله حيدوش ; 21 Aug 2020 الساعة 07:16 PM سبب آخر: تعديل العنوان
رد مع اقتباس