إثباتُ العلوِّ للهِ تعَالى علَى مخلوقاتِه
علوُّ الله تعالى على قسمينِ :
1 _ علوٌّ معنويٌّ : أي علو غلبةٍ و قهر و قدر، و هذا يثبته أهلُ القبلة كلهم.
2 _ علوٌّ ذاتي : و هذا يثبه أهلُ السنةِ فقط.
فمذهبُ أهلِ السنةِ و الجماعَةِ أنَّ اللهَ سبحانه و تعالى عالٍ بذاتِه، و أنَ علوَّه منَ الصفاتِ الذاتيةِ الأزليةِ الأبديةٍ، و أدلتُهم في ذلكَ :
1 ـ الكتابُ : تنوعت أدلةُ العلوِّ في كتابِ اللهِ منها :
1 ـ التصريحُ بالعلو : قالَ تعالى {وَ هُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ} [البقرة 255]، و قال {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى 1].
2 _ التصريح بالفوقيةِ :قالَ {يخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل 50]، وقال {وَ هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام 18].
3 ـ صعودُ الأشياءِ و رفعها إليه : قالَ تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّلِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر 10]، وقال {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج 4]، وقال {بَل رَّفَعَهُ إِلَيْهِ} [النساء 158] و قال {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران 55].
4 ـ نزولُها منْه : قالَ تعالى {تَنْزِيلٌ مِنْ رَّبِّ العَالَمِينَ} [الواقعة 80]، وقال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9].
5 _ بكونِه في السماءِ : {أَأَمِنْتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَّخْسِفَ بِكُمُ الْأرْضَ} [الملك 16].
2 ـ السُّنةُ : تنوعتْ دلالتُها، و اتفقت السنةُ بأصنافِها الثلاثةِ على علوِّه :
أ ـ القوليةُ :
_ روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء".
_ و كقوله صلى الله عليه و سلمَ :"و العرشُ فوقَ ذلكَ، و اللهُ فوقَ العرشِ" الذي روى ابن خزيمة في كتابِ التوحيد و اللالكائيُّ في أصول اعتقاد أهل السنة و غيرهما عن عبد الله بن مسعود و صححه الألباني رحمه الله في مختصر العلو (48).
ب ـ الفعليةُ : كرفعِه صلى الله عليهِ و سلمَ يديْه إلى السماءِ في الدعاءِ، كذلكَ في حجةِ الوداعِ فإنه كانَ يشيرُ إلى السماءِ و يقول :" اللهمَّ اشهدْ ..." رواه مسلم عن جابر بن عبد الله.
جـ ـ التقريريةُ : كإقرارِه الجاريةَ لما سألها : "أينَ اللهُ؟" قالتْ : " في السماءِ"، فأقرَّها على ذلك، رواه مسلم عن معاويةَ بنِ الحكم السلمي.
3 ـ الإجماعُ : فقدْ أجمعَ المسلمونَ قبلَ ظهورِ هذه الطوائفِ المبتدعةِ على أنَّ اللهَ تعالى مستوٍ على عرشِه و فوقَ خلقِه.
4 ـ العقلُ : فصفةُ العلوِّ صفةُ كمالِ، و إذا كانتْ صفةَ كمالِ، فإنَّه يجبُ إثباتُها للهِ عزَّ و جل، لأنَّ اللهَ متصفٌ بصفاتِ الكمالِ.
5 ـ الفطرةُ : ما منْ إنسانٍ يقولُ : يا ربِّ، إلا وجدَ في قلبِه ضرورةً بطلبِ العلوِّ.
6 _ أنه عقيدةُ الأنبياءِ من قبلُ : قال الله تعالى {يَا هَامَانُ ابْنِي لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا (37)} [غافر]. فلما أخبرَ موسى عليه السلام فرعونَ أن ربه في السماءِ موه فرعونُ على قومه هذا التمويهَ ليرقى ثم يقولَ : لم أجد أحدًا، و إلا فإنه يعلمُ أن موسى صادقٌ.
معنَى قولِه تعالَى {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}
للعلماءِ في تفسيرها ثلاثةُ أقوال :
1 _ أي : قابضُك، و منه قولهم : توفى حقَّه أي : قبضَه.
2 _ منيمك؛ لأن النومَ وفاةٌ قال تعالى {هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام 60].
و هذان القولان يمكنُ الجمعُ بينهما فيكونُ الله قبضه حالَ نومه.
3 _ مميتك، و منه قوله تعالى {اللَّهُ يَتَوفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر 42]، و هذا بعيدٌ؛ لأن عيسَى عليه السلامُ لم يمتْ و سينزل في آخرِ الزمان.