عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 30 Nov 2007, 05:31 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الأمر الخامس: العمل بالعلم
أن يعمل طالب العلم بعلمه عقيدة وعبادة، وأخلاقاً وآداباً ومعاملةً , لأن هذا هو ثمرة العلم وهو نتيجة العلم ؛ وحامل العلم كالحامل لسلاحه، إما له وإما عليه ؛ ولهذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( القرآن حجة لك أو عليك)) (1)؛ لك إن عملت به، وعليك إن لم تعمل به ؛ وكذلك يكون العمل بما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بتصديق الأخبار وامتثال الأحكام ، إذا جاء الخبر من الله ورسوله فصدقه وخذه بالقبول والتسليم ولا تقل: لم؟ وكيف؟ ؛ فإن هذا طريقة غير المؤمنين فقد قال الله تعالى: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) (الأحزاب الآية :36) .
والصحابة كان النبي -صلى الله عليهوسلم- يحدثهم بأشياء قد تكون غريبة وبعيدة عن أفهامهم ؛ ولكنهم يتلقون ذلك بالقبول لا يقولون: لم؟ وكيف؟ ؛ بخلاف ما عليه المتأخرون من هذه الأمة، نجد الواحد منهم إذا حُدًث بحديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحار عقله فيه نجده يورد على كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- الإيرادات التي تستشف منها أنه يريد الاعتراض لا الاسترشاد ؛ ولهذا يحال بينه وبين التوفيق ؛ حتى يرد هذا الذي جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يتلقه بالقبول والتسليم.
وأضرب لذلك مثلاً ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) (2)
هذا الحديث حدّث به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حديث مشهور بل متواتر ؛ ولم يرفع أحد من الصحابة لسانه ليقول: يا رسول الله كيف ينزل؟ وهل يخلو منه العرش أم لا؟ وما أشبه ذلك ؛ لكن نجد بعض الناس يتكلم في مثل هذا ويقول كيف يكون على العرش وهو ينزل إلى السماء الدنيا؟ وما أشبه ذلك من الإيرادات التي يوردونها ؛ ولو أنهم تلقوا هذا الحديث بالقبول وقالوا إن الله – عز وجل – مستو على عرشه والعلو من لوازم ذاته ، وينزل كما يشاء- سبحانه وتعالى – لاندفعت عنهم هذه الشبهة ولم يتحيروا فيما أخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه.
إذن الواجب علينا أن نتلقى ما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب بالقبول والتسليم، وأن لا نعارضها بما يكون في أذهاننا من المحسوس والمشاهد ؛ لأن الغيب أمر فوق ذلك ؛ والأمثلة على ذلك كثيرة , لا أحب أن أطيل بذكرها، إنما موقف المؤمن من مثل هذه الأحاديث هو القبول والتسليم بأن يقول صدق الله ورسوله كما أخبر الله عن ذلك في قوله: (( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ )) (البقرة الآية: 285) .
فالعقيدة يجب أن تكون مبنية على كتاب الله وسنة رسوله ؛ وأن يعلم الإنسان أنه لا مجال للعقل فيها , لا أقول مدخل للعقل فيها، وإنما أقول لا مجال للعقل فيها ؛ إلا لأن ما جاءت به من نصوص في كمال الله شاهدة به العقول ؛ وإن كان العقل لا يدرك تفاصيل ما يجب لله من كمال , لكنه يدرك أن الله قد ثبت له كل صفة الكمال لابد أن يعمل بهذا العلم الذي منّ الله به عليه من ناحية العقيدة.
كذلك من ناحية العبادة، التعبد لله – عز وجل – وكما يعلم كثير منا أن العبادة مبنية على أمرين أساسين :
إحداهما: الإخلاص لله – عز وجل ـ .
والثاني: المتابعة للرسول
فيبني الإنسان عبادته على ما جاء عن الله ورسوله ، لا يبتدع في دين الله ما ليس منه لا في أصل العبادة، ولا في وصفها ؛ ولهذا نقول : لا بد في العبادة أن تكون ثابتة بالشرع في هيئتها، وفي مكانها، وفي زمانها، وفي سببها، لابد أن تكون ثابتة بالشرع في هذه الأمور كلها.
فلو أن أحداً أثبت شيئاً من الأسباب لعبادة تعبد الله بها دون دليل رددنا عليه ذلك، وقلنا: إن هذا غير مقبول؛ لأنه لابد أن يثبت بأن هذا سبب لتلك العبادة وإلا فليس بمقبول منه ؛ ولو أن أحداً شرع شيئاً من العبادات لم يأت به الشرع أو أتى بشيء ورد به الشرع لكن على هيئة ابتدعها أو في زمان ابتدعه، قلنا إنها مردودة عليك ؛ لأنه لابد أن تكون العبادة مبنية على ما جاء به الشرع ؛ لأن هذا هو مقتضى ما علّمك الله تعالى من العلم ألا تتعبد لله –تعالى- إلا بما شرع.
ولهذا قال العلماء إن الأصل في العبادات الحظر حتى يقوم دليل على المشروعية واستدلوا على ذلك بقوله: (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه )) (الشورى: الآية21) . وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث عائشة – رضي الله عنها -: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) (3) .
حتى لو كنت مخلصا وتريد الوصول إلى الله، وتريد الوصول إلى كرامته - ولكنه على غير الوجه المشروع -فإن ذلك مردود عليك ؛ ولو أنك أردت الوصول إلى الله من طريق لم يجعله الله تعالى طريقا للوصول إليه فإن ذلك مردود عليه.
إذن فواجب طالب العلم أن يكون متعبداً لله –تعالى- بما علمه من الشرع لا يزيد ولا ينقص ؛ لا يقول إن هذا الأمر الذي أريد أن أتعبد لله به أمر تسكن إليه نفسي ويطمئن إليه قلبي وينشرح به صدري ؛ لا يقول هكذا , حتى لو حصل هذا فليزنها بميزان الشرع ؛ فإن شهد الكتاب والسنة لها بالقبول فعلى العين والرأس وإلا فإنه قد يزين له سوء عمله: (( َفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) (فاطر: الآية8) .
كذلك لابد أن يكون عاملا بعلمه في الأخلاق والمعاملة ؛ والعلم الشرعي يدعو إلى كل خلق فاضل من الصدق، والوفاء ومحبة الخير للمؤمنين حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) (4) وقال -عليه الصلاة والسلام-: (( من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه )) (5) ؛ وكثير من الناس عندهم غيرة وحب للخير؛ ولكن لا يسعون الناس بأخلاقهم ظح نجد عنده شدة وعنف حتى في مقام الدعوة إلى الله – عز وجل- نجده يستعمل العنف والشدة ؛ وهذا خلاف الأخلاق التي أمر بها الله - عز وجل ـ.
واعلم أن حسن الخلق هو مما يقرب إلى الله – عز وجل – وأولى الناس برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأدناهم منه منزلة أحاسنهم أخلاقاً كما قال -صلى الله عليه وسلم- : (( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ؛ وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون)) . قالوا يا رسول الله ! قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال؟ ((المتكبرون)) (6)

(1) أخرجه مسلم ؛ كتاب الوضوء ، باب : فضل الوضوء.
(2) أخرجه البخاري ؛كتاب التهجد، باب: الدعاء والصلاة من الليل ، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل.
(3) رواه مسلم ؛ كتاب الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ، ورد محدثات الأمور.
(4) رواه البخاري ؛ كتاب الإيمان، باب: باب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم، كتاب الإيمان، باب:
الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.
(5) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب: الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول . ونصة: عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: كنا مع رسـول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه ومنـا من ينتصل، ومنـا من هو في جشره إذا نادي مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( أنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. = وتجيء فتن يرقق بعضاً وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه ! فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه .ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يديه وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر فاضربوا عنق الآخر )).
(6) أخرجه الترمذي ؛ كتاب البر والصلة ، باب: ما جاء في معالي الأخلاق ، والإمام أحمد يلفظ (( إن من أحبكم أحسنكم خلقاً)) جـ 2 ص 189 ، والبغوي في (( شرح السنة )) جـ 12 ص 366، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) وقال: (( رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح)).








رد مع اقتباس