عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 22 Nov 2007, 11:56 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الأمر الرابع: رحابة الصدر في مسائل الخلاف:
أن يكون صدره رحباً في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد , لأن مسائل الخلاف بين العلماء ؛ أما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه , ويكون الأمر فيها واضحاً فهذه لا يعذر أحد بمخالفتها ؛ وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال فهذه يعذر فيها من خالفها ؛ ولا يكون قولك حجة على من خالفك فيها؛ لأننا لو قلنا ذلك لقلنا بالعكس قوله حجة عليك.
وأنا أريد بهذا ما للرأي فيه مجال، ويسع الإنسان فيه الخلاف ؛ أما من خالف طريق السلف كمسائل العقيدة فهذه لا يقبل من أحد مخالفة ما كان عليه السلف الصالح ؛ لكن في المسائل الأخرى التي للرأي فيها مجال فلا ينبغي أن يتُخذ من هذا الخلاف مطعنٌ في الآخرين ، أو يتُخذ منها سببٌ للعداوة والبغضاء .
فالصحابة – رضي الله عنهم – يختلفون في أمور كثيرة ؛ ومن أراد أن يطلع على اختلافهم فليرجع إلى الآثار الواردة عنهم يجد الخلاف في مسائل كثيرة ؛ وهي أعظم من المسائل التي اتخذها الناس هذه الأيام ديدناً للاختلاف حتى اتخذ الناس من ذلك تحزباً بأن يقولوا: أنا مع فلان وأنا مع فلان كأن المسألة مسألة أحزاب فهذا خطأ.
من ذلك -مثلاً - كأن يقول أحد إذا رفعت من الركوع فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى، بل أرسلها إلى جنب فخذيك فإن لم تفعل فأنت مبتدع.
كلمة مبتدع ليست هينة على النفس ؛ إذا قال لي هذا سيحدث في صدري شيء من الكراهية , لأن الإنسان بشر ؛ ونحن نقول هذه المسألة فيها سعة إما أن يضعها أو يرسلها ؛ ولهذا نص الإمام أحمد – رحمه الله – على أنه يخيّر بين أن يضع يده اليمنى على اليسرى وبين الإرسال , لأن الأمر في ذلك واسع ؛ ولكن ما هي السنة عند تحرير هذه المسألة؟
فالجواب: السنة أن تضع يدك اليمنى على اليسرى إذا رفعت من الركوع كما تضعها إذا كنت قائماً ؛ والدليل فيما رواه البخاري عن سهل بن سعد قال:(( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة )) (1) فلتنظر هل يريد بذلك في حال السجود؟ أو يريد بذلك في حال الركوع أو يريدذلك في حال القعود ؟ لا بل يريد بذلك في حالة القيام وذلك يشمل القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع ؛ فيجب أن لا نأخذ من هذا الخلاف بين العلماء سبباً للشقاق والنزاع ؛ لأننا كلنا نريد الحق وكلنا

فعل ما أدّاه اجتهاده إليه ؛ فما دام هكذا فإنه لا يجوز أن نتخذ من ذلك سبباً للعداوة والتفرق بين أهل العلم ؛ لأن العلماء لم يزالوا يختلفون حتى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم -.
إذن فالواجب على طلبة العلم أن يكونوا يداًَ واحدة ، ولا يجعلوا مثل هذا الخلاف سبباً للتباعد والتباغض ؛ بل الواجب إذا خالفت صاحبك بمقتضى الدليل عندك، خالفك هو بمقتضى الدليل عنده أن تجعلوا أنفسكم على طريق واحد، وأن تزداد المحبة بينكما.
ولهذا فنحن نحب ونهنىء شبابنا الذين عندهم الآن اتجاه قوي إلى أن يقرنوا المسائل بالدلائل وأن يبنوا علمهم على كتاب الله وسنة رسوله ؛ نرى أن هذا من الخير وأنه يبشر بفتح أبواب العلم من مناهجه الصحيحة ؛ ولا نريد منهم أن يجعلوا ذلك سببا للتحزب والبغضاء ؛ وقد قال الله لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- : (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )) (الأنعام: الآية: 159) فالذين يجعلون أنفسهم أحزاباً يتحزبون إليها لا نوافقهم على ذلك لأن حزب الله واحد ؛ ونرى أن اختلاف الفهم لا يوجب أن يتباغض الناس وأن يقع في عرض أخيه.
فيجب على طلبة العلم أن يكونوا إخوة ، حتى وإن اختلفوا في بعض المسائل الفرعية ؛ وعلى كل واحد أن يدعو الآخر بالهدوء والمناقشة التي يُراد بها وجه الله والوصول إلى العلم ؛ وبهذا تحصل الألفة، ويزول هذا العنت والشدة التي تكون في بعض الناس ؛ حتى قد يصل بهم الأمر إلى النزاع والخصام ؛ وهذا لا شك يفرح أعداء المسلمين والنزاع بين الأمة من أشد ما يكون في الضرر قال الله تعالى: (( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )) ( الأنفال، الآية:46) .
وكان الصحابة- رضي الله عنهم – يختلفون في مثل هذه المسائل، ولكنهم على قلب واحد، على محبة وائتلاف ؛ بل إني أقول بصراحة : إن الرجل إذا خالفك بمقتضى الدليل عنده , فإنه موافق لك في الحقيقة , لأن كلاً منكما طالب للحقيقة ؛وبالتالي فالهدف واحد وهو الوصول إلى الحق عن دليل ؛ فهو إذن لم يخالفك ما دمت تقرّ أنه إنما خالفك بمقتضى الدليل عنده ؛ فأين الخلاف؟ وبهذه الطريقة تبقى الأمة واحدة وإن اختلفت في بعض المسائل لقيام الدليل عندها ؛ أما مَنْ عاند وكابر بعد ظهور الحق فلا شك أنه يجب أن يعامل بما يستحقه بعد العناد والمخالفة، ولكل مقام مقال.

--------------
(1) أخرجه البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب: وضع اليمنى على اليسرى، ولفظه: (( عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة))


التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 23 Nov 2007 الساعة 12:00 AM
رد مع اقتباس