عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17 Dec 2015, 10:15 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي الْمُّذَبْذَبُونَ مَنْهَجِيًّا

بسم الله الرحمن الرحيم

الْمُّذَبْذَبُونَ مَنْهَجِيًّا


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد :

بعض الإخوة هداهم الله كانوا على الفطرة السلفية ، فجاءت فتنة المميعة فاجتالتهم شبهاتها فتوقفوا محايدين لم يردوا أمرهم لكلام العلماء المتين بالحجج والبراهين ، وتوقفوا فيمن تكلم فيه أهل العلم بالعلم والجرح المفسر بحجة ألا نخوض في الفتنة ، فأصبحوا مذبذبين مترددين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، حيارى في أمرهم لا يدرون أين طريق الخلاص والنجاة ، ومع ذلك تجدهم متعاطفين مع هؤلاء المميعة لا يتكلمون فيهم ببنت شفة ، ومع هذا يقولون نحن نحترم هؤلاء ولا نتكلم في هؤلاء !؟ فقلنا لهم ولكن الاحترام يكون بالرجوع إلى أهل العلم والحق ، ألم يقل الله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }
يقول ابن السعدي رحمه الله تعالى : .. أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها.
وقال : وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيقدم عليه الإنسان؟ أم فيحجم عنه؟ إهـ
فتأمل كلام العلامة ابن السعدي رحمه الله تعالى ، (أولي الأمر أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة) و قوله (ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ ).إذا هؤلاء لا يتكلمون إلا بعلم ، فإن جاء كلامهم فعلى العين والرأس كما يقال ، فما الفائدة إذا من نصحهم و انت تاخذ فقط كلامهم في التفسير والفقه والحديث وإذا جاء الجرح والتحذير لا تاخذ به وتتوقف وتقول أنا محايد !!بل أنت متذبذب متردد عن كلام اهل الحق مبتعد محايد.
فاحذر أن تكون فيك صفة من صفات المنافقين التي يبغضها الله ورسوله قال تعالى : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا } [النساء143].
يقول بن الجوزي في زاد المسير : في قوله تعالى: مذبذبين بين ذلك المذبذب: المتردد بين أمرين ، وأصل التذبذب: التحرك ، والاضطراب ، وهذه صفة المنافق ، لأنه محير في دينه لا يرجع إلى اعتقاد صحيح . قال قتادة: ليسوا بالمشركين المصرحين بالشرك ، ولا بالمؤمنين المخلصين . قال ابن زيد: ومعنى "بين ذلك": بين الإسلام والكفر ، لم يظهروا الكفر فيكونوا إلى الكفار ، ولم يصدقوا الإيمان ، فيكونوا إلى المؤمنين . قال ابن عباس : ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا إلى الهدى . وقد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل المنافق: مثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة ولا تدري أيها تتبع" . إهـ
و ( العائرة ) : المترددة الحائرة لا تدري لأيهما تتبع ، ومعنى تعير أي : تردد وتذهب ، وقوله في الرواية الثانية : ( تكر في هذه مرة وفي هذه مرة ) أي : تعطف على هذه وعلى هذه ، وهو نحو ( تعير ) وهو بكسر الكاف . [شرح النووي لصحيح مسلم(9/163)]
وحاشا أن نصف من يبحث عن الحق بالمتذبذب ، وإنما قصدنا الذي يتوقف ويتردد مرة إلى هؤلاء ومرة إلى هؤلاء ويعلم أن الحق مع أهله ولكن لا يريد أن يترك أهل الباطل بسبب العاطفة أو خشية الفتنة ومفارقتهم زعما منه.
وهذا كله بسبب أصحاب المنهج الردي المميعة يستهوونه لهواهم ،بينما اصحابه من أهل الحق يدعونه إلى الهدى والرشاد ، فيبقى في تخبط حيرانا لا يدري من يتبع .
قال تعالى : {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } (الآية 71)
يقول ابن السعدي في تفسيره : كالذي استهوته الشياطين في الأرض أي: أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه الموصل إلى مقصده. فبقي حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى والشياطين يدعونه إلى الردى، فبقي بين الداعين حائرا وهذه حال الناس كلهم، إلا من عصمه الله تعالى، فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة، داعي الرسالة والعقل الصحيح، والفطرة المستقيمة يدعونه إلى الهدى والصعود إلى أعلى عليين.
ودواعي الشيطان، ومن سلك مسلكه، والنفس الأمارة بالسوء، يدعونه إلى الضلال، والنزول إلى أسفل سافلين، فمن الناس من يكون مع داعي الهدى، في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع، تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. إهـ
وكما جاء في الحديث أن شر الناس من يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه : عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه). [رواه البخاري:6/2626 , ومسلم: 4/2011].
قال القرطبي رحمه الله تعالى: إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس, وقال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة" [فتح الباري: 10/475].
ما هو العلاج الصحيح للمتذبذب
هو صدق النية في اتباعه للحق وعدم المداهنة فيه فلا يرى صاحب الباطل ويقره عليه ويقول له أنت على الحق بل ينصحه ولا يتركه يتمادى في غيه .
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المداهنة لأهل الباطل فقال : (إن من كان قبلكم كانوا إذا فعلت فيهم الخطيئة، أنكروها ظاهراً، ثم أصبحوا من الغد يجالسون أهلها، ويواكلونهم ويشاربونهم كأن لم يفعلوا شيئا بالأمس) متفق عليه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: المداراة صفة مدح ، والمداهنة صفة ذم ، والفرق بينهما أن المداراة : تلطف الإنسان بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل ، وأما المداهن: فهو الذي يتلطف مع صاحبه ليقره على ذنب أو يتركه على هواه فالمداراة لأهل الإيمان ، والمداهنة لأهل النفاق ) قال رحمه الله ( وقد ضُرِب لذلك مثل من أروع الأمثلة وذلك كرجل أصابته قرحة في قدمه فجاء الطبيب الرفيق فأخذ يعالج هذه القرحة ويخرج ما فيها ثم إذا به يضع الدواء الذي يُنبت اللحم ثم يتعاهدها ثم يضع عليها المراهم حتى ينشفها ثم يضع عليها خرقة فلا يزال يتابع هذا وهذا حتى نشفت رطوبتها ، وأما المداهن فهو الذي أتى إلى صاحب هذه القرحة وقال لا بأس عليك إنما هي شيء يسير واسترها عن عيون الناس بخرقة وتلهى عنها فلا يزال يزداد شرها وتكثر عفونتها حتى يهلك .( [كتاب الروح ].
ولابد كذلك من الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد لقوله صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ...) [السلسلة الصحيحة 3228]
قال الشوكاني في تحفة الذاكرين : سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه الثبات في الأمر وهي صيغة عامة يندرج تحتها كل أمر من الأمور وإذا وقع الثبات في كل أموره أجرها على فلا يخشى من عاقبتها ولا تعود عليه بضرر وسأله عزيمة الرشد وهي الجد في الأمر بحيث ينجز كل ما هو رشد من أموره والرشد بضم الراء المهملة وإسكان الشين المعجمة هو الصلاح والفلاح والصواب.إهـ
ومن هنا نعرف ان معرفة الحق يكون بصدق النية و البحث عليه بجد يسال الثبات في الامر والعزيمة على الرشد ، لا يبقى متحيرا متذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .
نستخلص من هذا المقال:
1 – الفتنة تغير الفطر السليمة كوقوع بعض الإخوة الذين كانوا على المنهج السلفي في شبهات المميعة.
2 – المتذبذبون تجدهم حيارى في أمرهم لا يدرون أين طريق الخلاص والنجاة.
3 – احترام العلماء يكون بالرجوع إليهم فهم أهل العلم والحق.
4 - أولي الأمر هم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها.
5 – ينبغي ألا يتقدم بين أيدي العلماء، فإنهم أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ.
6 – المتذبذب يأخذ من أهل العلم الفقه و الحديث ولا يأخذ منهم الجرح والتعديل !؟
7 – التذبذب في الأمر من صفات المنافقين التي يبغضها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
8 – لا يوصف من يبحث عن الحق بالمتذبذب ، وإنما من يعرف الحق و لا يترك أهل الباطل هو المتذبذب.
9 - شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.
10 – ذو الوجهين هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها
11 – العلاج الصحيح للمتذبذب هو صدق النية والثبات على الأمر والعزيمة على الرشد.

أسأل الله لي ولكم الثبات على الدين حتى الممات .
كتبه وجمعه : أبو عبد السلام جابر البسكري
ليلة الجمعة 7 ربيع الأول, 1437 هجري


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد السلام جابر البسكري ; 18 Dec 2015 الساعة 04:56 PM
رد مع اقتباس