عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13 Jul 2016, 04:29 PM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي سلسلة بلايا ووصايا -الوصية الرابعة : -إطلاق العنان للسان: مفاسده وطرق علاجه -

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد:

سلسلة بلايا ووصايا
الوصية الرابعة: اطلاق العنان للسان مفاسده وطرق علاجه
إطلاق العنان للسان مفاسده وطرق علاجهجود مما
من المعلوم أن أكثر الناس اليوم يخوضون فيما لا يحسنون، ويتكلمون بما لا يعلمون، حتى إنك لتجد الرجل كأنه خبير بالأمور كلها؛ يعرف أسرارها وخفاياها، ولا يمكن أن يغيب عليه شيء منها؛ فيتكلم في طب الأبدان، وفقه الأديان، وفي أحوال الناس، وفي السياسة ومن ساس، ويخوض في شؤون العام والخاص، وفي كل فن واختصاص، وحتى صار الكلام في كل ما يعرض لهم من أخلاقهم وصفاتهم وطباعهم وعاداتهم، فانفرط عقد النظام، وانحصر النور بحلول الظلام، وتفشى الفساد وساد، واختلت موازين البلاد والعباد، ولذلك تحير في شأن الناس العقلاء، واندهش لأمرهم الألباء، وأصبح الأمناء والمخلصون يبحثون عن الحلول التي تغير الأحوال، وترد الناس إلى سالف العصور الموصوفة بالكمال، وإن كنت أعلم أني لست من هؤلاء، ولا دلو لي أدلي به مع سائر الدلاء، إلا أنني رغبت في عرض وصية وتقديم نصيحة متشجعا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الدين النصيحة" فأقول: إن من طرق علاج هذا الداء العضال، ووسائل الشفاء من هذا المرض الذي يفوق الاحتمال؛ الآتي:
أولا: تغيير ما بالنفوس حتى يعرف أصحابُها أقدارها، لأن المرء إذا عرف قدر نفسه لزم حده، ولم يتجاوز طوره، وترك الخوض فيما لا يحسنه ولا يدخل تحت طاقته وقدرته.
ثانيا: فضح المتسترين، وكشف الزائفين، وزجر المتعالمين، وتسفيه رأي الرويبضة المتفاخرين، وهؤلاء جميعا يشاركون في تكريس هذا الداء في الأمة جمعاء، وهم ما بين صحفي هاوي، ودكتور غاوي، ومفكر ناعق، ومتفلسف ممخرق، ومبتدع مرتاب، ومرتزق كذاب؛ وكل هؤلاء يزينون للناس أن يخوضوا فيما لا يحسنون، وأن يتكلموا فيما لا يعلمون، فانفضاض الناس عنهم إذا علموا حقيقتهم كفيل بالتقليل من هذا الداء، والحجر عليه حتى لا ينتشر كالوباء.
ثالثا: أن يقف المتخصصون والعلماء في وجوه المتطاولين الدخلاء؛ فلا يمكنون لهم بسكوتهم، ولا يتغافلون عنهم لكثرتهم وجرأتهم، بل يذبون عن علومهم كل من كان دخيلا عليهم، ويلزمونه حده، ويعرفونه قدره؛ حتى لا يُشيع الفساد فيما يعمد إليه، وهو ليس من أهله؛ ويسلكون طريق العرب القدماء في زجرهم من ارتقى غير سلمه، ورمى عن غير قوسه، ونزع من غير بئره؛ كما قال الرقاشي، سمعت الأصمعي يقول، سمعت الأعراب تنشد:
يا باري القوس برياً ليس يحكمه ... لا تفسد القوس أعط القوس باريها
رابعا: أن يروض العقلاء أنفسهم على عدم قبول الأمر إلا من أهله، وأن لا يأخذوا الشيء إلا من ذويه، فإذا كلمهم أحد في غير فنه تلهوا عنه ولم يسمعوا له، وتركوه ولم يلتفتوا إليه، حتى يألف الناس لزوم الحدود، والتقيد بالقيود؛ فلا أحد يسطو على تخصص غيره، ولا ناطق يتكلم في غير فنه، لخوفه أن يُرد عليه قوله، ويزجر عن دخوله فيما لا يعنيه وليس هو من شأنه.
خامسا: أن يشاع بين المؤمنين آيات الكتاب المبين، وأحاديث النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؛ التي تأدبهم بآداب هذا الباب، وتجعلهم يتحرون في أقوالهم وأفعالهم الصواب:
كقوله تعالى:" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)" سورة الإسراء.
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:" مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ" رواه أحمد وغيره عن أبي هريرة وعن غيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم 5911. وكقوله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ تَطَبَّبَ وَلاَ يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ" رواه أبو داود وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم 6153. وكقوله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" متفق عليه من حديث أبي هريرة وغيره، وكقوله صلى الله عليه وسلم:" وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ" رواه البخاري وغيره.
سادسا: أن يُطالب المتكلم إن كان ناقلا بالمصدر الذي نقل عنه، وبالمنبع الذي استقى معلومته منه، فإن كان المنقول عنه مرضيا والنقل صحيحا قويا قبل من ناقله واستفيد من نقله، وإن كان المنقول عنه مسخوطا أو النقل ضعيفا ساقطا رد على ناقله ولم يقبل القول من قائله. - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية ج2 ص 518:" ومن أراد أن ينقل مقالة عن طائفة فليسم القائل والناقل وإلا فكل أحد يقدر على الكذب..".
سابعا: أن يتعلم الناس تحري العلم المتسلسل المتصل، دون المنقطع المنفصل، والقديم المتبع، دون الجديد المبتدع، فإن العلم رحم موصولة وأسانيد متصلة؛ يأخذه اللاحق عن السابق والخلف عن السلف، فكل من جاء بجديد لا سلف له فيه فلا ينبغي أخذه عنه ولا الوثوق به؛ لأن الذي لا يُقَدِّر ويوقر سابقه، كيف يأمن العاقل بوائقه؟ ومن المعلوم أن الأمناء الأتقياء لا يحدثون قولا، ولا يبتدعون رأيا، وإنما سبيلهم هو اتباع من تقدمهم؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على الأخنائي ص206: إن المجيب ولله الحمد لم يقل قط في مسألة إلا بقول قد سبقه إليه العلماء، فإن كان قد يخطر له ويتوجّه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: «إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام».


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الصمد سليمان ; 13 Jul 2016 الساعة 04:37 PM
رد مع اقتباس