عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 08 May 2010, 08:19 PM
صايب أسامة صايب أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 113
إرسال رسالة عبر MSN إلى صايب أسامة
افتراضي

قال العلامة ابن مفلح في الآداب الشرعية:

" وسئل (أي الشيخ تقي الدين(1) رحمه الله): ما السبب في أن الفرج يأتي عند انقطاع الرجاء بالخَلْق؟ وما الحيلة في صرف القلب عن التعلق بهم وتعلقه بالله عز وجل؟
فقال: سبب هذا تحقيق التوحيد، توحيد الربوبية، وتوحيد الألهية، فتوحيد الربوبية أنه لا خالقَ إلا الله عزّ وجلّ، فلا يَسْتَقِلُّ شيءٌ سواه بإحداث أمر من الأمور، بل ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكلُّ ما سواه إذا قدّر شيئا فلابد له من شريكٍ معاون وضد معروف، فإذا طلب مما سواه إحداث أمر من الأمور طلب منه ما لايستقل به ولا يقدر وحده عليه، إلى أن قال: فالراجي مخلوقا طالب بقلبه ما يريده من ذلك المخلوق، وذلك المخلوق عاجز عنه. ثم هذا من الشرك الذي لا يغرفه الله عز وجل، فمن كمال نعمته، وإحسانه إلى عباده أن يمنع تحصيل مطالبهم بالشرك، حتى يصرف قلوبهم إلى التوحيد.
ثم إن وحَّدَهُ العبدُ توحيدَ الإلهية حصلت له سعادة الدنيا والآخرة، إلى أن قال: فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن يُنزِلَ بهم من الشدة والضرر ما يُلجِئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين، ويرجونه لا يرجون أحدا سواه، وتتعلق قلوبهم به لا بغيره، فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة إليه وحلاوة الإيمان، وذَوْقِ طعمه والبراءة من الشرك، ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض والخوف والجدب أو حصول اليسر أو زوال العسر في المعيشة، فإن ذلك لذة بدنية، ونعمة دنيوية، قد يحصل منها للكافر أعظم مما يحصل للمؤمن.
وأما ما يحصلُ لأهل التوحيد المخلصين لله والدين، فأعظم من أن يُعَبَّرَ عنه بمقال، أو يستحضر تفصيله بال، ولكلِّ مؤمن من ذلك نصيبٌ بقدر إيمانه
" اهـ [الآداب الشرعية والمنح المرعية 1/144].

-----------------------------------------
(1)- "هو شيخ الإسلام تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، الدمشقي، ولد بـ"حران" سنة 661هـ، وشبَّ في كنف والده بدمشق، ونبغ في الحديث والتفسير والأصول، ومحاسنه كثيرة أكبر من يُنبه على سيرته مثلي، وجمع إلى ذلك الشجاعة والنجدة، إذ كانت له بطولة وبسالة ضد جيش التتار سنة 702هـ، كما كانت له مواقف مشهودة ضد المبتدعين والمفسدين.
وكانت دعوته إلى الأخذ بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، والاعتصام بهما، وفهمهما على النحو الذي فهمه السلف الصالح، وطرح ما يخالفهما، وتجديد ما درس من معالم الدين، وتنقيته مما ابتدعه الناس من مناهج زائفة، وتحذير المسلمين مما تسرب إلى الفكر الإسلامي من خرافات التصوف ومنطق اليونان وزهد الهند، فامتحن لذلك وسجن مرارا بمصر والشام، وكان لا يخاف في الله لومة لائم.
وكان -رحمه الله تعالى- عظيم الهمة، بعيد الغاية، سامي القصد، أحاط بزمانه وأحوال أهله وعلوم عصره درسًا وتأليفا، حتى بلغ مرتبة الاجتهاد، وتسلم ذروة الإمامة في كل فن مارسه، وبزَّ فيه فطاحل العلماء، وفاق فيه الأعيان والنظراء.
توفي رحمه الله تعالى بدمضق سنة 728هـ مسجونا في قلعتها، وشيعته دمشق في جنازة حافلة لم تشهد مثلها قبلا ولا بعدا، انظر وصفها في "البداية والنهاية" لابن كثير، ودفن في مقبرة الصوفية، وقبره ما زال إلى الآن شمال دار التوليد الجديدة رحمه الله ونفع بعلومه آمين.
" [من الهامش، نفس المرجع 1/18]

رد مع اقتباس