عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 11 Feb 2013, 01:30 PM
عبد العزيز بوفلجة عبد العزيز بوفلجة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 227
افتراضي

اعلم أخي الفاضل مصطفى وفقني الله وإياك لكل خير: أن المقصود من المشاركة في هذا المنتدى هو الاستفادة أو الإفادة, وأنا اعتبر نفسي ممن يستفيد أكثر ممن يفيد, اللهم إلا أن أكون ناقلا لكلام أهل العلم على سبيل الإيضاح والتحرير.

ثم لا بد أولا من أن نسلك جميعا مسلكا مرتبا أولا بأول:

أولا: المقصود من مشاركتي هو بيان صورة الإجماع المنعقد في باب الصفات.

ثانيا: استشكلت كلامي في فائدة ذكرتها عرضا, ولم تكن مقصودة من الذكر, وفائدتك جيدة ومفيدة.

ثالثا: أوضحت الإشكال, وأزلت ما قد يتبادر إلى الذهن.

رابعا: شاركنا أخونا الفاضل الحبيب خالد حمودة بمشاركة مفيدة, لكن استشكل هو إشكالا آخر.

خامسا: أجبته عن الإشكال, وزدت الأمر وضوحا فيما يتعلق بباقي الفوائد التي ذكرتها أنت في مشاركتك, من باب المطارحة العلمية, لا غير, لكن حاولت أن أرجع المسألة إلى مسارها الأول المقصود من أصل المقالة.

فإذا تقرر هذا:

أولا: ذكر أخي الحبيب مصطفى في نص كلامك ما يلي: (إضافة إلى أن النص كما تعلم قد يكون ظني الثبوت إذا كان من السنة).

فأجبته بقولي: (...فإذا صح الحديث وجب المصير إليه, فلو كان الحديث ظني الثبوت فلا يمكن المصير إليه في إثبات أمر أو نفيه مما يتعلق بالعقيدة, فإذا ارتفع الظن عن الحديث جاء بعده الإجماع)

فجاء جوابي متضمنا لأمور:

أحدها: قلت: (إذا صح الحديث وجب المصير إليه): أعني لا حاجة لنا في الكلام على ظني الثبوت أو قطعي الثبوت: لأن هذا الكلام مبني على تقسيم الأحاديث إلى متواتر قطعي الثبوت, وغير متواتر ظني الثبوت, وهذا التقسيم حادث مبتدع لا أصل له, ابتدعه المعتزلة ومن وافقهم ليردوا دلالة الأحاديث على مسائل العقيدة, وهذا أمر معلوم لدى طلاب العلم.

الثاني: ثم قلت: (فلو كان الحديث ظني الثبوت..): أقصد الحديث الضعيف قطعا, بدليل أني ذكرت أولا: إذا صح الحديث فيجب المصير إليه: سواء كان متواترا أو ما هو دون المتواتر كما اصطلح عليه المتأخرون.

ثانيا: ثم قال الأخ الحبيب: (وقد يكون ظني الدلالة إذا كان من الكتاب والسنة, فمجيء الإجماع في مثل هذه الحالة يرفع الاحتمال الوارد, ويفيد قطعية الحكم, طبعا إذا كان الإجماع قطعيا).

فأجبته بقولي: (فهذا إنما يقال في مسائل الفقه, وأما مسائل العقيدة فأدلتها لا يمكن البتة أن تكون ظنية الدلالة, فهي قطعية يقينية في نفسها, لكن حال المكلف يختلف بحسب قدرته على الفهم, وهذا باب آخر ليس هذا موضعه).
فأثبت الشيخ مصطفى قالية هاهنا أمران في دلالة النصوص:
الأول: ظني الدلالة, وهذا ما صرح به بقوله: (وقد يكون ظني الدلالة...)
الثاني: قطعي الدلالة, وهذا لازم قوله.

فلم أنكر عليه تقسيم أدلة القرآن والسنة: إلى ظنية وقطعية, بل إنما أنكرت أن تكون أدلة العقيدة ظنية أصلا, بل هي قطعية يقينية.
ولم أنف قطعية أدلة الأحكام الشرعية, بل غالب أدلتها - في الأوامر والنواهي - هي قطعية الدلالة: كأدلة العلم بوجوب الصلاة, ووجوب الزكاة, ووجوب الصيام, ووجوب الحج, وكأدلة التحريم: كتحريم الزنا, واللواط, والسرقة, والفواحش ما ظهر منها وما بطن, وأمثال ذلك كثير.والظن إنما هو قليل, وذلك في أدلة المسائل الفرعية المتنازع فيها, والتي تقبل الاجتهاد, والمجتهد فيها بين مصيب مأجور, وبين مخطأ مأجور: فكلاهما مصيب أجرا.

وأما مسائل العقيدة: فالغالب الأعم على أدلتها أنها قطعية يقينية, ولا يجوز الاختلاف فيها, بل هو محرم قطعا, والقليل من أدلتها ظنية؛ كمسائل الدق التي اختلف فيها الصحابة ومن جاء بعدهم من أئمة السنة, كدلالة الأدلة على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه في الدنيا ليلة الأسراء, وكعذاب القبر هل يقع على الروح والبدن جميعا, أم على أحدهما, وكاختلافهم في الذي يوزن في القيامة: هل الأعمال نفسها, أم الصحائف, ونحو ذلك.

وبقي شيئا من كلامي؛ وهو قولي: (فهذا إنما يقال في المسائل الفقهية العملية العلمية منها أو المظنونة؛ إذ لا احتمال يرد على مسائل العقيدة اليقينية).
فهاهنا أمران لا بد من تأملهما:

أحدهما: كلامي لا يدل إطلاقا على أنه موافق لأصل المبتدعة الذي يقسمون دلالة النصوص إلى قطعية وظنية, بل أنا مشيت على طريقة الأخ مصطفى حفظه الله الذي أثبت الظنية في الدلالة, والتي يرفعها الإجماع بعد ذلك.
بل أنا ذكرت في كلامي هاهنا: أن من مسائل الفقه ما هو علمي, ومنها ما هو ظني, وأقصد بالعلمي طبعا: اليقيني, وهذا وذاك مما يبطل دعوى الأخ الحبيب في قوله:(بل هذا الادعاء هو من أعظم أصول أهل الأهواء التي تذرعوا بها لرد الحق).

فأنا أبرأ إلى الله تعالى من طريقة أهل الأهواء والبدع: الذين يشترطون في مسائل الكلام, والتي يسمونها أصول الدين أن تكون أدلتها قطعية يقينية, وغالب ما يتكلمون فيه من هذه الأصول: ليس بعلم ولا ظن صحيح, بل هو ظن فاسد, وجهل مركب, ويهونون من أدلة الفقه, ويجعلونه من باب الظنون, ثم يفرعون على ذلك كله أمورا فاسدة في الشرع والعقل, فالأصل عندهم فاسد, وما تفرع عنه فاسد. انظر الاستقامة(1/50).

ثم أقول: كيف يتطرق الاحتمال إلى دلالة نصوص الكتاب والسنة على مسائل العقيدة, حتى يأتي الإجماع بعد ذلك ويرفع الاحتمال الوارد؟ لم أتصور هذا الكلام إطلاقا.
فإذا قال الله تعالى: (وهو السميع والبصير), (فاعلم أنه لا إله إلا الله), (بل يداه مبسوطتان) (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم) (الرحمن على العرش استوى) (يأتيهم الله في ظلل من الغمام), (ويبقى وجه ربك), وإذا قال رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا), (يضحك ربنا), وأمثال ذلك: هل يقال أن هذه النصوص محتملة أصلا, حتى يأتي الإجماع فيرفع الاحتمال؟!.
إنما الذين قالوا إن هذه النصوص محتملة هم أهل الأهواء والبدع: من المعطلة المتأولة الجهمية ومن وافقهم من الكلابية والأشعرية والماتريدية, فلجأوا إلى تأويلها حتى يرفعوا عنها ما ظنوه محتملا للتشبيه والتجسيم.
وأخي الحبيب مصطفى قالية لا يقصد هذا قطعا.

ثاينا: ثم قولك: (ويؤكد مثلا نقل الإجماع كذلك أن النص غير منسوخ وهكذا).
نصوص القرآن والسنة الدالة على توحيد رب العباد, وعلى صفاته, وعلى الجنة والنار, وعذاب القبر, وأمثال ذلك من أمور العقيدة لا تقبل النسخ بحال من الأحوال, فلا مجال للنسخ فيها أصلا, حتى يأتي الإجماع فيؤكد أن النص غير منسوخ.

فهذا كله هو الذي جعلني أقول: لا بد من الفرق بين مسائل العقيدة ومسائل الفقه, فأصل كلامي هو في باب العقيدة, وأخونا الحبيب مصطفى جرنا إلى باب الفقه, وكلانا متفقين إن شاء الله تعالى.


والله أعلى وأعلم, فما كان من صواب فمن الله وحده, وما كان من خطأ وزلل فمن نفسي والشيطان, وأستغفر الله وأتوب إليه.


التعديل الأخير تم بواسطة عبد العزيز بوفلجة ; 12 Feb 2013 الساعة 09:42 AM
رد مع اقتباس