عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 10 Feb 2013, 11:04 PM
مصطفى قالية
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

أخي الكريم وفقك الله لما يحبه ويرضاه، كنت قد اكتفيت بما كتبت لك أولا، إلا أنك قد ذكرت في تعليقك الأخير بعض الأمور التي تحتاج إلى توضيح، ولعلي لم أفهمك.
قلت-وفقك الله-: (فهذا إنما يقال في المسائل الفقهية العملية العلمية منها أو المظنونة؛ إذ لا احتمال يرد على مسائل العقيدة اليقينية فإذا صح الحديث وجب المصير إليه والقول به فلوكان الحديث ظني الثبوت فلا يمكن المصير إليه في إثبات أمر أو نفيه مما يتعلق بالعقيدة).
وقلت كذلك: (فهذا إنما يقال في مسائل الفقه وأما مسائل العقيدة فأدلتها لا يمكن البتة أن تكون ظنية الدلالة فهي قطعية يقينية في نفسها).
هذا التفريق الذي ذكرته-إن كان فهمي صوابا- بين مسائل العقيدة ومسائل الأحكام حيث لا تثبت العقيدة إلا باليقيني، تفريق يحتاج إلى إقامة الحجة عليه.
بل هذا الادعاء هو من أعظم أصول أهل الأهواء التي تذرعوا بها لرد الحق.
ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا فرق في ذلك بين مسائل العقيدة أو مسائل الأحكام، وإنما العبرة بصحة الدليل وقوته، سواء أكان الدليل ثابتا ثبوتا يقينيا: كالقرآن أو المتواتر من الحديث أو خبر الآحاد الذي احتفت به القرائن، وهي متعددة.
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-: (الصَّحِيحُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ إذَا احْتَفَتْ بِهِ قَرَائِنُ تُفِيدُ الْعِلْمَ...)[المجموع (18/40-41)]. والمقصود بالعلم المستفاد في هذه الحالة العلم اليقيني.
أم كان ثبوت الدليل بغلبة الظن. وذلك بصحة إسناد الحديث وتحقق بقية شروط الصحة فيه، ويجب التنبه أن الحديث وهو في هذه الحالة موجب للعلم والعمل، إلا أن العلم المقصود هنا هو غلبة الظن أو الظن الراجح.
فلا فرق إذن بين المسألتين، ومن قال بذلك، فهو مطالب بالدليل.
قال ابن القيم-رحمه الله- وهو في مقام التسليم: (إِنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَوْ لَمْ تُفِدِ الْيَقِينَ فَإِنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ حَاصِلٌ مِنْهَا وَلَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِهَا كَمَا لَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ الْأَحْكَامِ الطَّلَبِيَّةِ بِهَا، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ بَابِ الطَّلَبِ وَبَابِ الْخَبَرِ بِحَيْثُ يَحْتَجُّ بِهَا فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، ...
فَأَيْنَ السَّلَفُ وَالْمُفَرِّقِينَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، نَعَمْ سَلَفُهُمْ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ لَا عِنَايَةَ لَهُمْ بِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَصْحَابِهِ، بَلْ يَصُدُّونَ الْقُلُوبَ عَنِ الِاهْتِدَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَيُحِيلُونَ عَلَى آرَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَقَوَاعِدِ الْمُتَكَلِّفِينَ، فَهُمُ الَّذِينَ يُعْرَفُ عَنْهُمْ تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الدِّينَ إِلَى مَسَائِلَ عِلْمِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ وَسَمَّوْهَا أُصُولًا وَفُرُوعًا...
وَقَدْ وَضَعُوا عَلَيْهِ أَحْكَامًا وَضَعُوهَا بِعُقُولِهِمْ وَآرَائِهِمْ ... (وَمِنْهَا) إِثْبَاتُ الْفُرُوعِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ دُونَ الْأُصُولِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكُلُّ تَقْسِيمٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ يَجِبُ إِلْغَاؤُهُ...)[مختصر الصواعق (590)].
وقال شيخ الإسلام-رحمه الله-: (وأما قوله: هل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن، أو لا بد من الوصول إلي القطع؟ .
فيقال: الصواب في ذلك التفصيل، فإنه وإن كان طوائف من أهل الكلام يزعمون أن المسائل الخبرية -التي قد يسمونها مسائل الأصول- يجب القطع فيها جميعها، ولا يجوز الاستدلال فيها بغير دليل يفيد اليقين، وقد يوجبون القطع فيها كلها على كل أحد، فهذا الذي قالوه علي إطلاقه وعمومه خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، ...)[درء تعارض العقل والنقل (1/52)].
وكذلك قولك بأن الدليل العقدي لا بد أن يكون يقيني الدلالة بخلاف غيره، قول يحتاج إلى دليل.
وقد سبق كلام الإمامين الجليلين -رحمهما الله-، ولعلي أضيف كلاما مفيدا لشيخ الإسلام.
قال -رحمه الله-: (وأئمة أهل السنة والحديث من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم يثبتون الصفات الخبرية لكن منهم من يقول لا نثبت إلا ما في القرآن والسنة المتواترة وما لم يقم دليل قاطع على إثباته نفيناه كما يقوله ابن عقيل وغيره أحياناً ومنهم من يقول بل نثبتها بأخبار الآحاد المتلقاة بالقبول ومنهم من يقول نثبتها بالأخبار الصحيحة مطلقاً ومنهم من يقول يعطى كل دليل حقه فما كان قاطعاً في الإثبات قطعنا بموجبه وما كان راجحاً لا قاطعاً قلنا بموجبه فلا نقطع في النفي والإثبات إلا بدليل يوجب القطع وإذا قام دليل يرجح لأحد الجانبين بينا رجحان أحد الجانبين وهذا أصح الطرق)[درء تعارض العقل والنقل (3/383-384)].
وتنبيه آخر في قولك-وفقك الله-: (فإذا ارتفع الظن عن الحديث جاء بعده الإجماع).
أولا أسألك كيف يرتفع الظن عن الحديث، أليس بأن تحفه القرائن، ومن جملة القرائن إجماع الأمة على القول بموجبه.
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-: (...وَخَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ يُوجِبُ الْعِلْمَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ كالإسفراييني وَابْنِ فورك؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ؛ لَكِنْ لَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى تَلَقِّيهِ بِالتَّصْدِيقِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْفِقْهِ عَلَى حُكْمٍ مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إلَى ظَاهِرٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ خَبَرِ وَاحِدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ يَصِيرُ قَطْعِيًّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِقَطْعِيِّ)[المجموع (18/40-41)].
وإذا قلت هذا خاص بالمسائل العملية دون الاعتقادية طولبت بالدليل كما سبق.
وفي الأخير أذكر بشيء وهو أنه بلا شك قد تكون ثمة مسائل ظنية عند كثير من الناس يقينية عند آخرين وسبب ذلك راجع لأسباب منها تفاوت هؤلاء الأشخاص في العلم والحرص على معرفة الحق وغيره، فليس الكلام فيها.
والعلم عند الله.


التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى قالية ; 11 Feb 2013 الساعة 07:10 AM
رد مع اقتباس