عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 11 Feb 2016, 11:22 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

من فضل الله علينا أنْ كَتَب المتهوِّر ما كتب، ليكون سببًا لظهور أقلام إخواننا وتحرير هذه المسألة الغامضة، فلم يقع المحذور أخي مراد، بل وقع موجب السُّرور، وأكرم بالقلم الَّذي سبق لذلك، وبارك الله في أخي عبد العزيز بوفلجة على تعليقاته وإفاداته، فهو اهل لذلك إذ هذا هو مضمارُه الَّذي يُجري فيه فرَسَهُ في دراساته الأكاديميَّة بالجامعة الإسلامية ـ صانها الله ـ.
كنت أشرت في تعليقي الأوَّل إشارةً طلب بعض الإخوة مزيد توضيح لها فأقول:
من يرى أنَّ ضابط الصِّفة الاختياريَّة أو الفعليَّة أنَّ الله تعالى يفعلها إذا شاء ولا يفعلها إذا شاء، فهذا لا شكَّ أنَّه لا يعدُّ السَّمع والبصر من هذا الباب، لأنَّ الله تعالى وسع سمعه الأصوات كلَّها سرَّها وجهرَها، كما يرى سبحانه ببصره خلقَه جميعًا المستخفي والسَّارب، وشمولُ سمع الله وبصره للمخلوقات كعموم علمه وعموم قدرته، وإنَّما الصِّفات الفعليَّة عند هؤلاء من نحو النُّزول، والمجيء، والكلام باعتبار آحاده، ونحو ذلك، والفرق بين هذه الأنواع وبين السَّمع والبصر هو ملازمة السَّمع والبصر للذَّات دون النُّزول والمجيء ونحوها.
أمَّا من يعدُّ السَّمع والبصر من الصِّفات الاختياريَّة فليس معناه عندهم أنَّه سبحانه يفعلها إذا شاء ولا يفعلها إذا شاء ـ تعالى الله عن ذلك، لأنَّه سبحانه لا يوصف بأضداد هذه الصِّفات، إذْ ذلك نقصٌ يتنزَّه عنه الرَّبُّ جلَّ جلاله ـ، بل معناه عندهم أنَّها حدثت بعد أن لم تكن، فسمع الله للأصوات إنَّما يكون بعد صدورها من المتكلِّمين بها، مع كون صفةِ السَّمع أزليَّة ملازمة للذَّات، ومن أجل هذا فر الاشعرية إلى القول بأن سمع الله قديم، لأنهم يمنعون قيام الحوادث بالله تعالى على اصلهم الفاسد في ذلك الذي أبطله شيخ الإسلام في مواطن كثيرة من كلامه، ولا سيَّما كتابه العظيم الَّذي ليس له نظيرٌ في الوجود «درء تعارض العقل والنَّقل».
وقد نبَّه شيخ الإسلام رحمه الله إلى الضَّابط المذكور ـ وهو كونها حدثت بعد أن لم تكن ـ الَّذي يُزيل الإشكال في هذه المسألة، فقال رحمه الله كما في «فتاواه» (6/244): «فإن قيل: أمَّا كون الكلام والفعل يدخل في الصِّفات الاختيارية فظاهر، فإنَّه يكون بمشيئة الرَّب وقدرته، وأمَّا الإرادة والمحبة و الرِّضا و الغضب (قلت: وفي معناها السَّمع والبصر) ففيه نظرٌ، فإنَّ نفس الإرادة هي المشيئة، وهو سبحانه إذا خلق من يحبُّه كالخليل فإنَّه يحبُّه ويحبُّ المؤمنين ويحبُّونه، وكذلك إذا عمل النَّاس أعمالًا يراها، وهذا لازمٌ لا بدَّ من ذلك، فكيف يدخل تحت الاختيار؟ قيل: كلُّ ما كان بعد عدمه فإنَّما يكون بمشيئة الله وقدرته، وهو سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن...».