عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24 May 2015, 03:32 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي قصيدة أبي منصور الديلمي الشاعر في رجوعه عن مذهب التشيع والتبري منه!

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أمَّا بعد:

فبينما أنا أقلِّب النَّظر في كتاب الحافظ ابن كثير –رحمه الله- "البداية والنِّهاية"(16/ 62) إذ مرَّ ذكر أحد الشُّعراء، فقال فيه الحافظ –رحمه الله-: "وكان شيعيًّا فتاب، وله قصيدة في ذلك، منها:

وإذا سئلت عن اعتقادي قلت ما ... كانت عليه مذاهب الأبرار
وأقول خير الناس بعد محمد ... صديقه وأنيسه في الغار
ثم الثلاثة بعده خير الورى ... أكرم بهم من سادة أطهار
هذا اعتقادي والذي أرجو به ... فوزي وعتقي من عذاب النار" اهـ.
فتحرَّك قلبي شوقًا للوقوف على هذه القصيدة التي ذكر منها الحافظ –رحمه الله- جزءً أطرب فؤادي وملأه فرحًا وسعادةً لرجوعه عن مذهب التَّشيُّع إلى الحقِّ وصدعه به وإعلان توبته في أبيات رائقة سهلة الألفاظ، عذبة المعاني، ووصفها صاحب "النجوم الزاهرة"(5/ 104) بـ"الطنَّانة".

ومن نظر في تاريخ الحافظ –رحمه الله- فإنه يدرك أنَّ له عنايةً بالغة بتاريخ ابن الجوزي –رحمه الله- فكثيرًا ما يحيل إليه أو ينقل عنه، فأقرب مصدرٍ قد يكون فيه ذكر القصيدة المشار إليها هو كتاب ابن الجوزي –رحمه الله-، وبعد الرُّجوع إليه وجدت القصيدة من تسعة عشر بيتا انتقى منها الحافظ –رحمه الله- عيونها وهو ما جاء في آخرها مما يدلُّ على رجوعه إلى الحقِّ دلالة صريحةً، وقد أشار الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في"لسان الميزان"(1/ 461) لما ذكر صاحب القصيدة أنَّ ابن السمعاني أورد له قصيدة طويلة، وزاد صاحب "النجوم الزاهرة" فقال: أنَّها طويلة جدًّا.

وصاحب القصيدة هو أبو منصور الديلمي الشَّاعر واختلف في ضبط اسمه فقيل: أصبهدوست، وقيل: أسبهدوست، وقيل: اسبهندوست، وقيل: إسفهدوست، بن محمد بن الحسن بن أسفار بن شيرويه، كان يتشيع ويُبَالِغُ فيه هجاء للصَّحابة والنَّاس، ثمَّ تاب وحسنت توبته وبه جزم من ترجم له، إلَّا أن ابن أبي طيٍّ الرَّافضيَّ ردَّ ذلك، وقد يكون هذا تعميةً للحقائق كما هي عادة الرافضة قبحهم الله! فليموتوا بغيظهم فهاهي القصيدة شاهدةٌ بما ذكره من ترجم له رحمه الله، وقد توفي سنة تسع وستين وأربعمئة (469).


أمَّا القصيدة فقد اعتمدت في ترتيبها ما ذكره ابن الجوزي –رحمه الله- في "المنتظم"(16/ 184) وأدرجت فيها بيتا زاده ابن حجر –رحمه الله- عن ابن السمعاني –رحمه الله- وقد جعلته بين عارضتين.

يقول في قصيدته –رحمه الله-:


1- لاح الهدى فجلا عن الأبصار ... كالليل يجلوه ضياء نهار
2- ورأت سبيل الرشد عيني بعد ما ... غطى عليها الجهل بالأستار
3- لا بد فاعلم للفتى من توبة ... قبل الرحيل إلى ديار بوار
4- يمحو بها ما قد مضى من ذنبه ... وينال عفو إلهه الغفار
5- يا رب إني قد أتيتك تائبا ... من زلتي يا عالم الأسرار
6- وعلمت أنهم هداة قادة ... وأئمة مثل النجوم دراري
7- وعدلت عما كنت معتقدا له ... في الصحب صحب نبيه المختار
8- والسيد الصديق والعدل الرضي ... عمر وعثمان شهيد الدار
9- وعَلِيُّ الطهر المفضل بعدهم ... سيف الإله وقاتل الفجار
10- صحب النبي الغر بل خلفاؤه ... فينا بأمر الواحد القهار
11- رحماء بينهم بذاك صفاتهم ... وردت أشداء على الكفار
12- وتراهم من راكعين وسجد ... يستغفرون الله بالأسحار
13- أيقنت حقا أن من والاهم ... سيفوز بالحسنى بدار قرار
14- فعدلت نحوهم مقرا بالولا ... ومخالفا للعصبة الأشرار
15- مترجيا عفو الإله ومحوه ... ما قدمته يدي من الأوزار
16- وإذا سئلت عن اعتقادي قلت ما ... كانت عليه مذاهب الأبرار
17- [أهوى النبي وآله وصحابه ... والتابعين لهم من الأخيار]
18- وأقول خير الناس بعد محمد ... صدِّيقه وأنيسه في الغار
19- ثم الثلاثة بعده خير الورى ... أكرم بهم من سادة أطهار
20- هذا اعتقادي والذي أرجو به ... فوزي وعتقي من عذاب النار
تمَّت
فرحمه الله على نظمه البديع الَّذي فيه إعلان توبته ورجوعه عما كان عليه من الباطل الصَّريح، والتبرِّي من العصبة الأشرار الذين يطعنون في الصَّحابة الأخيار رضي الله عنهم وأرضاهم، ولعلَّ الله يقيِّض للقصيدة من يعلِّق عليها تعليقًا يظهر محاسنها وما حوته، ومن ذلك قوله:

"يا رب إني قد أتيتك تائبا ... من زلتي يا عالم الأسرار"
فتأمَّل كيف أنَّه بعد توبته ووقوفه على قبح ما كان عليه من الجهل والعمى، بهجاء من اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلَّم لم يذكر ذلك صريحًا، وأتى بما يدلُّ على علم الله تعالى بها وهو كونه عالم الأسرار، فهو تصرُّف بديع منه رحمه الله على فرض أنَّه لم يذكر ذلك صراحةً في الأبيات التي لعلها لم نقف عليها من قصيدته، فالطَّعن في الصحابة رضي الله عنهم مستقبح حتى حكايته سلمنا الله وعافانا.

والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

فتحي إدريس
6/شعبان/1436


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 24 May 2015 الساعة 04:26 PM
رد مع اقتباس