عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20 Jun 2020, 08:51 PM
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
المشاركات: 128
افتراضي تَنْزِيهُ الشَّرِيعَة عَنِ الأَخْطَاءِ الشَّنِيعَة!





تَنْزِيهُ الشَّرِيعَة عَنِ الأَخْطَاءِ الشَّنِيعَة!


الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد وقفت على منشور في الفيسبوك للمدعو بغداد فزازي قال فيه: "في مدينة هامبورغ الألمانية السلطات تقرر إعطاء إجازة رسمية ثلاثة أيام بمناسبة عيد الفطر ليحس المسلم أنه أخو المسيحي واليهودي وكل من يعيش على هذا الوطن. ربما بعد نصف قرن نصل إلى هذا".
ولقد ظننت في أول الأمر أن سبب هذا الخطأ منه هو شهوة الكتابة، وذلك حين أصبح التعليق عن كل شاردة وواردة ـ مما هو حدث و لا حدث ـ فيطلق الهاوي العنان لعباراته فتصدر منه مثل هذه الأخطاء بشناعتها، إلا أنني تفاجأت حين وجدت الرجل يتهم الناس بسوء الفهم وعدم الفقه في الدين، وراح يستدل بآية من القرآن، وفيما يلي كلامه في المنشور: "هل يجوز اطلاق الأخوة على غير المسلمين؟ وما الفرق بين الاخوة في الدين والاخوة في النسب والوطن والانسانية؟ (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) افقهوا دينكم ثم تكلموا"، فأدركت أن الرجل أُتِيَ من جهله الفظيع، وقام يُلَبِّسُ على من قل علمه في دين الله، فانتدبت للرد على هذا الفهم الفاسد والخطأ الشنيع.

فأقول مستعينا بالله:
إن الكلام في دين الله شأنه عظيم إذ المتكلم فيه لا يخلو حاله من أمرين، إما أن يتكلم بعلم قائم على الحجة من حيث الثبوت في النقل والصحة في الاستدلال، أو أن يتكلم بغير علمٍ مُعتَـبَرِ، فيكون قد وقع في أعظم المحرمات عند الله تعالى، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا، فَقَالَ تَعَالَى:﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33] فَرَتَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ الْإِثْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ". [(إعلام الموقعين: 1/ 31)].
وعلى هذا فإن ما ادعاه هذا الفزازي فاسدٌ من الناحية الشرعية وقولٌ على الله بلا علم لأن الله لم يُرِد بتلك الآيات ما فهمه الفزازي، وذلك أن الأُخُوَّةَ تنقسم إلى أخوة النسب وأخوة السبب، قال السمين الحلبي: "والأخُ في الأصلِ مَن ولَدَهُ أَبَوَاكَ أو أَحَدُهُمَا، ويُطلقُ أيضًا على الأخِ من الرِّضاع.
ويُستعارُ الأخُ في كلِّ مشاركٍ لغيرهِ في القبيلةِ أو الصَّنعةِ أو الدِّين أو المعاملةِ أو المودَّة أو غيرِها من المناسبات. قال ابنُ عرفةَ: الأخوةُ إذا كانت في غير الولادةِ كانت للمشاكَلة والاجتماع في الفعل نحو: هذا الثوبُ أخو هذا". [(عمدة الحفاظ: 1/ 74)].
فإذا نظرنا إلى موضِعِ استعمال هذا الفزازي لكلمة (الأُخُوَّة) نجده استعمل أخوة القبيلة ـ أو ما يُعرف بالوطن ـ في معرض كلامه عن شعائر الأديان ـ وهي الأعياد ـ، حيث إنه يرى أن منح المسلمين أيام إجازة بمناسبة عيدهم سيُنَمِّي لديهم روح الأُخُوَّةِ مع اليهود والنصارى في وطنهم (ألمانيا)، واستدل بقوله تعالى:﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء: 105]، وبهذا يعود عليه قوله: "افقهوا في دينكم ثم تكلموا"، لأنه أبان عن سوء فهم لمراد الله تعالى بمثل هذه النصوص من وجهين:
أما الأول: فإن الناظر في تفسير هذه الآيات التي ذكر الله فيها أخوة الأنبياء لأقوامهم يتبين له أنه إنما أراد بذلك إقامة الحجة على أقوام الأنبياء كيف أنهم تنكروا لهم وهم يعرفونهم ويعرفون حسن سيرتهم قبل بعثتهم، كما جاء في البخاري من حديث أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ في قصة هرقل أنه قال له: "سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا".
ومن ناحية أخرى فإن في تلك الآيات تسليةً للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين اعترض عليه قومه بتكذيبه ـ وحاشاه ـ، فذكر له ـ عز وجل ـ أن الأنبياء عانوا من أقوامهم نفس الذي عانيت وقد تنكروا لهم كما تنكروا لك، قال تعالى:﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [الشعراء]، قال القرطبي: "﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌأَيْ صَادِقٌ فِيمَا أُبَلِّغُكُمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: (أَمِينٌ) فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَفُوا أَمَانَتَهُ وَصِدْقَهُ مِنْ قَبْلُ كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَيْشٍ". [(الجامع لأحكام القرآن: 13/ 119)].
ثم إن كان الكفر غير مؤثر في أُخُوَّةِ الأوطان فلماذا جعل الله ـ عز وجل ـ الأخوة محصورة في المنافقين وأهل الكتاب دون المسلمين مع أنهم جميعا كانوا شركاء في أرض الوطن وهي المدينة النبوية في قوله تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ﴾ [الحشر: 11]، ولَمْ يَقُلِ اللهُ تعالى: (لإخوانكم الذين كفروا من أهل الكتاب).
فإذا فهمت هذا المغزى علمت أن ما أراده الفزازي من استدلاله باطلٌ إذ هذه الأُخُوَّةُ التي ذكرها الله تعالى في هذه الآيات لم يُرَتِّبْ عليها حُكمًا شرعيا، في حين أنه لو ترتب على أُخُوَّةِ الأنبياء لأقوامهم في الوطن حكم شرعيٌّ لبَيَّنَه الله تعالى، كما بيَّنَ مسألة الولاء والبراء بين الأنبياء وأقوامهم وحث المسلمين على ذلك الحكم، قال الله تعالى عن إبراهيم والذين معه من المؤمنين:﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4] فبَيَّن مسألة الولاء والبراء ودعا إلى العمل بها.
وأما الوجه الثاني: فإن المتأمل في النصوص الشرعية يجدها صريحة في الدعوةِ إلى مخالفةِ الكفار ـ عموما ـ واليهود والنصارى ـ خصوصا ـ وتَقَصُّدِ ذلك وإظهارِه، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» رواه أبو داود، وعنه أيضا ـ رضي الله عنه ـ قال: "إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ .. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ" رواه مسلم.
وقد أمرنا الله بالبراءة منهم وعدم توليهم، قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة:51]، وفي كل صلاة نقرأ في سورة الفاتحة في كل ركعة قول الله تعالى:﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ * غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ ، ولا تصح صلاتنا بغير ذلك، فكيف تعتقد الأُخُوَّةَ فيمن دعاك الله إلى البراءة منه؟!، ووكيف تعتقد الأخوة فيمن يزعم أنك لن تدخل الجنة؟! كما أخبر الله عنهم في قوله تعالى:﴿ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ﴾ [البقرة: 111]، لا أظن عاقلا يفقه هذه النصوص على ما أراده الله ورسوله يمكن أن يقول في تلك الآية التي ذكرها هذا الفزازي بقوله الفاسد.
خلاصة القول:
على المسلم أن يجتهد في إظهار شعائر الإسلام وتعظيمها في كل مناسبة، وفي حال توافقت بعض شعائر الإسلام مع شيء يعظمه الكفار في الزمان أو المكان فإن على المسلم حينها أن يجتهد في إظهار مخالفة الكفار، فمثال إظهار المخالفة عند التوافق في المكان ما جاء في حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث إن قريشا كانت تعدُّ الوقوف بعرفة تَنَقُّصًا للحرم، فقد روى الحميدي في مسنده عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ: "أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي يَوْمَ عَرَفَةَ فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ بِعَرَفَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقُلْتُ: هَذَا مِنَ الْحُمْسِ مَا شَأْنُهُ هَاهُنَا؟!، قَالَ سُفْيَانُ: وَالْأَحْمَسُ الشَّدِيدُ عَلَى دِينِهِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمَّى الْحُمْسَ وَكَانَ الشَّيْطَانُ قَدِ اسْتَهْوَاهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ عَظَّمْتُمْ غَيْرَ حَرَمِكُمُ اسْتَخَفَّ النَّاسُ بِحَرَمِكُمْ فَكَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَرَمِ"، لذلك أظهر النبي صلى الله عليه وسلم مخالفتهم في ذلك، فَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَت: «كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ نَبِيَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَيَقِفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ » متفق عليه، وأما إظهار المخالفة عند التوافق في الزمان فَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» رواه مسلم.
وعليه فإن المسلم إن كان في بلاد الكفر وطرأ عليه مثل هذا الأمر الذي ذكره بغداد فزازي يجب عليه أن يُظهر شعائر عيد المسلمين على الوجه المطلوب شرعا، وفي ذلك إظهار لتميز المسلمين عن غيرهم، ويحذر المسلم ـ أيضا ـ من الاعتقاد الفاسد الذي ذكره فزازي من أن ترسيم أيام إجازة عيد المسلمين مدعاة لاعتقاد الأخوة بينهم وبين اليهود والنصارى.

وهذه فتوى واضحة لفضيلة الشيخ العلامة الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
السائل: أنا مقيم في الأردن في منزل معظم سكانه من الإخوة المسيحيين نأكل ونشرب مع بعضهم ومنهم، فهل صلاتي وعيشي معهم باطل؟ أرجو من الشيخ إفادة حول هذا.
الشيخ: قبل الإجابة على سؤاله أود أن أذكر له ملاحظة أرجو أن تكون جرت على لسانه بلا قصد وهي قوله: "أعيش مع الإخوة المسيحيين" فإنه لا أخوة بين المسلمين وبين النصارى أبدا، الأخوة هي الأخوة الإيمانية كما قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وإذا كانت قرابة النسب تُنفى مع اختلاف الدين فكيف تُثبت الأخوة مع اختلاف الدين وعدم القرابة؟! قال الله عز وجل عن نوح وابنه لما قال نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فلا أخوّة بين المؤمن والكافر أبدا بل الواجب على المؤمن أن لا يتخذ الكافر وليا كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ فمن هم أعداء الله؟ أعداء الله هم الكافرون قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فلا يحل للمسلم أن يصف الكافر أيا كان نوع كفره سواء كان نصرانيا أم يهوديا أم مجوسيا أم ملحدا دهريا لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبدا، فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير ولا يعني ذلك حينما نقول هذا أنه لو كان أخا لك في النسب حقيقة أن أخوته تنتفي أعني أخوته النسبية بل إن أخوته النسبية ثابتة إذا كان أخا لك مثل أن يكون من أولاد أمك أو أولاد أبيك لكن أخوّة تكون أخوّة ربط بينك وبينه هذه لا تجوز أبدا.
وأما الجواب على سؤاله: فإن الذي ينبغي للإنسان أن يبتعد عن مخالطة غير المسلمين، يبتعد عنهم لأن مخالطتهم تُزيل الغيرة الدينية من قلبه وربما تؤدي إلى مودتهم ومحبتهم وقد قال الله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. نعم. [(نور على الدرب: 148)].
أما هذا الفزازي فهو واحد من كثيــــر من أهل الشر الذين يريدون أن يحرفوا دين الله عز وجل، ولا أستبعد ممن يسير على نهجه من تجويز تهنئة الكفار في أعيادهم مادام يعتقد فيهم أنهم إخوة له في الوطن، والعياذ بالله!.
وأختم بسؤال إلى هذا الفزازي: تأمل قولك: "ربما بعد نصف قرن نصل إلى هذا"، وأجبنا على حد تعبيرك، كم قرنا ـ والعياذ بالله! ـ كان ينقص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دولته بالمدينة ليصل إلى ما وصلت إليه دول الكفر؟!.
نعوذ بالله من حالك ومقالك.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

وكتب
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي
28 شــــوال 1441 هـ
20 جــــوان 2020 ن


التعديل الأخير تم بواسطة أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي ; 20 Jun 2020 الساعة 09:31 PM
رد مع اقتباس