عرض مشاركة واحدة
  #31  
قديم 21 Oct 2018, 01:45 PM
يوسف شعيبي يوسف شعيبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2017
المشاركات: 107
افتراضي

نسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد، ونسأله تعالى أن يشرح صدر الشيخ أبي عبد المعز –وفَّقه الله- لقبول النَّقد، ونأمل من العقلاء من إخواننا أن يراجعوا الحقَّ ويَدَعوا التعصُّب للباطل؛ فإنَّ الحقَّ عليه نور.
ولا يتوهمنَّ متوهِّم أن هذا الردَّ مقصودٌ به الحطُّ من قدر الشيخ، أو التشنيع عليه، أو الطعن عليه، ولكن بيانًا للحقِّ ونصرة للمظلومين، وإعانة للمخطئ أن يرجع عن خطئه، وتبصيرًا للمتعصِّبين المُغالين في الشيخ لينزجروا عن ما هم فيه من التقديس. قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية –رحمه الله- كما في "المجموع" (19/123): "يَجِبُ أَنْ نُبَيِّنَ الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَيَانُ خَطَأِ مَنْ أَخْطَأَ مِن الْعُلَمَاءِ".
فلا ينبغي أن يضيق صدرُ طالب الحقِّ بالرَّدِّ على شيخه ومعظَّمه، بل يجب عليه أن يوطِّن نفسه على قبول الحقِّ ممَّن جاء به؛ فإن الرَّدَّ على المخطئ سنَّة متَّبعة عند السَّلف ومن اقتدى بهم؛ وفي هذا يقول الحافظ ابنُ رجب –رحمه الله- في "الفرق بين النصيحة والتعيير" (ص8): " ولهذا نجد في كتبهم –أي العلماء- المصنَّفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير وشروح الحديث والفقه واختلاف العلماء وغير ذلك ممتلئة بالمناظرات وردِّ أقوال من تُضَعَّفُ أقواله من أئمة السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
ولم يترك ذلك أحدٌ من أهل العلم ولا ادَّعى فيه طعنًا على من ردَّ عليه قولَه ولا ذمًّا ولا نقصًا، اللَّهمَّ إلَّا أن يكون المصنِّف ممن يُفحش في الكلام ويُسيءُ الأدب في العبارة فيُنكَر عليه فحاشتُه وإساءتُه دون أصل ردِّه ومخالفته، إقامةً للحجج الشرعية والأدلَّة المعتبرة. وسبب ذلك أن علماء الدين كلُّهم مجمعون على قصد إظهار الحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ولأنْ يكون الدين كله لله وأن تكون كلمته هي العليا" إلى أن قال: "فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيرًا ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم". ثم قال (ص10): " فحينئذٍ ردُّ المقالات الضعيفة وتبيين الحقِّ في خلافها بالأدلَّة الشرعية ليس هو ممَّا يكرهه أولئك العلماء، بل ممَّا يحبُّونه ويمدحون فاعله ويُثنون عليه.
فلا يكون داخلًا في الغيبة بالكلِّيَّة، فلو فُرض أن أحدًا يكره إظهار خطئه المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك؛ فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفًا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة، بل الواجب على المسلم أن يحبَّ ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواءٌ كان ذلك في موافقته أو مخالفته.
وهذا من النصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمَّة المسلمين وعامَّتهم، وذلك هو الدِّينُ كما أخبر به النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم" إلى أن قال: " وقد بالغ الأئمة الوَرِعون في إنكار مقالات ضعيفة لبعض العلماء وردِّها أبلغ الردِّ كما كان الإمام أحمد ينكر على أبي ثور وغيره مقالات ضعيفة تفرَّدوا بها ويبالغ في ردِّها عليهم هذا كلُّه حكم الظاهر.
وأمَّا في باطن الأمر: فإن كان مقصوده في ذلك مجرَّد تبيين الحق ولئلَّا يغترَّ الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته فلا ريب أنه مُثاب على قصده، ودخل بفعله هذا بهذه النيَّة في النصح لله ورسوله وأئمَّة المسلمين وعامتهم. وسواء كان الذي بين الخطأ صغيرًا أو كبيرًا... ولم يعدَّ أحدٌ منهم مخالفيه في هذه المسائل ونحوها طعنًا في هؤلاء الأئمَّة ولا عيبًا لهم، وقد امتلأت كتبُ أئمَّة المسلمين من السلف والخلف بتبيين هذه المقالات وما أشبهها مثل كتب الشافعي وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور ومن بعدهم من أئمَّة الفقه والحديث وغيرهما ممَّن ادَّعوا هذه المقالات ما كان بمثابتها شيء كثير، ولو ذكرنا ذلك بحروفه لطال الأمر جدًّا".
ثمَّ تكلَّم على أصحاب الأغراض الفاسدة الذين يظهرون للناس الانتصار للعلماء، ويذمُّون من أظهر خطأ هؤلاء العلماء ويُنفرِّون عنه، وغايتُهم مقاصد دنيوية مذمومة، فقال -رحمه الله- (ص24): " مثال ذلك: أن يريد الإنسان ذمَّ رجل وتنقصه وإظهار عيبه لينفِّر الناس عنه؛ إمَّا محبَّة لإيذائه أو لعداوته أو مخافة من مزاحمته على مال أو رئاسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة، فلا يتوصَّل إلى ذلك إلَّا بإظهار الطعن فيه بسبب ديني مثل: أن يكون قد ردَّ قولًا ضعيفًا من أقوال عالم مشهور، فيشيع بين من يعظِّم ذلك العالم أن فلانًا يُبغِضُ هذا العالم ويذمُّه ويطعن عليه، فيغرُّ بذلك كلَّ من يعظِّمه ويوهمهم أن بغض الرَّادِّ وأذاه من أعمال القُرب؛ لأنه ذبٌّ عن ذلك العالم ورفع الأذى عنه، وذلك قُربة إلى تعالى وطاعته. فيجمع هذا المُظهر للنصح بين أمرين قبيحين محرَّمين:
أحدهما: أن يحمل ردّ العالم القولَ الآخرَ على البغض والطعن والهوى، وقد يكون إنَّما أراد به النصح للمؤمنين وإظهار ما لا يحلُّ له كتمانه من العلم.
والثاني: أن يُظهر الطعن عليه ليتوصَّل بذلك إلى هواه وغرضه الفاسد في قالب النصح والذَّبِّ عن علماء الشرع".
فعلى المسلم أن يتَّبع هدي النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في قبول الحق ممَّن جاء به، من وليٍّ وعدوٍّ، وحبيب وبغيض، وبَرٍّ وفاجر، ويردَّ الباطل على من قاله كائنًا من كان.
والله الهادي إلى سبيل السبيل، لا إله إلا هو، وعليه فليتوكَّل المتوكِّلون.

رد مع اقتباس