13 Sep 2017, 05:03 AM
|
|
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
لَقَدْ أَطَلْتَ النَّفَسَ فِي هَذِهِ الكِتَابَةِ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لِهَذِهِ الفِئَةِ مِنْ إِعَادَةِ الِافْتِئَاتِ عَلَى المَنْهَجِ السَّلَفِيِّ، فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا أَبَا مُعَاذ..
وَيَنْبَغِي عَلَى الإِخْوَةِ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فِي مَنْهَجِيَّةِ تَبْلِيغِ الحَقِّ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ الحَقَّ جَازَ لَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ، « فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ »، بَلْ يَحْسُنُ بِمَن لَا يَفْقَهُ طَرِيقَةَ الدَّعْوَةِ وَلَا عِنْدَهُ فِقْهٌ لِلحَالِ وَلَا اسْتِشْرَافٌ لِلمَآلِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ خَوْضِ غِمَارِ الدَّعْوَةِ لِأَنَّهُ سَيُفْسِدُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ الله: فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، وَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ.
وَمِنَ الصَّلَاحِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الطُّرُقِ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ.
وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّفْقِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ؛ وَلَا كَانَ الْعُنْفُ فِي شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ »، وَقَالَ: « إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ».
وَقَالَ -رَحِمَهُ الله- فِي نَفْسِ السِّيَاق:
فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: الْعِلْمُ؛ وَالرِّفْقُ؛ وَالصَّبْرُ؛ الْعِلْمُ قَبْلَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ وَالرِّفْقُ مَعَهُ وَالصَّبْرُ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُسْتَصْحِبًا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ؛ وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَرَوَوْهُ مَرْفُوعًا؛ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْمُعْتَمَدِ: " لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ إلَّا مَنْ كَانَ فَقِيهًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ؛ فَقِيهًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ؛ رَفِيقًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ؛ رَفِيقًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ؛ حَلِيمًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ حَلِيمًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ ". [ المَجْمُوعُ: ٢٨ /١٣٧ ].
قَالَ الشَّنْقِيطِي رَحِمَهُ الله: فَإِنْ كَانَتْ دَعْوَتُهُ إِلَى اللهِ بِقَسْوَةٍ وَعُنْفٍ فَإِنَّهَا تَضُرُّ أَكْثَرَ مِمَّا تَنْفَعُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْنَدَ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ إِسْنَادًا مُطْلَقًا، إِلَّا لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَى النَّاس؛ لِأَنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَظِيفَةُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلأَذَى مِنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ مَجْبُولُونَ بِالطَبْعِ عَلَى مُعَادَاةِ مِنْ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي أَهْوَائِهِمُ الفَاسِدَةِ، وَأَغْرَاضِهِمُ البَاطِلَةِ، وَلِذَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحَ لُقْمَانُ الحَكِيمَ لِوَلَدِهِ: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾. [ أَضْوَاءُ البَيَانِ:٢ /١٧٤ ]..
وَأَرْجُو أَنْ يَأْخُذَ الأَخُ فَارِس بوزيان هَذِهِ النَّصِيحَةَ عَلَى أَحْسَنِ مَحْمَلٍ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَّجِهَةً إِلَى شَخْصِهِ فَحَسَبَ، بَلْ هِيَ تُعَالِجُ فِكْرًا زَائِغًا عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ تَبَنَّتْهُ طَائِفَةٌ مُنْحَرِفَةٌ تَلْبَسُ لِبَاسَ أَهْلِ الحَقِّ زُورًا..
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
البُلَيِـــدِي
٢٢ ذُو الحِجَّةِ ١٤٣٨
|