عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 23 Jul 2010, 05:05 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

قال سلمان: " ممّا تُتَّهم به جبهة الإنقاذ أنّها تثير الفتن وتدعو إلى
العنف .. عجيب ..! جبهة الإنقاذ .. لازالت تملك نفسها تدعو النّاس إلى الصبر .. لا تصغ إلى هذا الكلام ... ".
النقد: مسكين أنت ـ يا سلمان! ـ؛ إذ تقول هذا الكلام عقب قول بعض دعاة الجبهة: " إنّ دم الرّئيس الشاذلي حلال! " في خطاب عام بساحة أوّل ماي بالعاصمة أيّام الإضراب، وجُنْدُ الرّئيس يلاحظون ويسمعون من قرب، وقال عباسي مدني ـ واعْجَبْ ممّا قال ولاعليك إن أنكرت عقلك ـ: " لو وقع انقلاب للحكومة الحالية لخرجنا نساء وأطفالا ورجالا و ... وأعلنّا
الجهاد "، لقد خسرَت الجبهة كثيرا من المسؤولين لمّا رأوا منها تركيزها على العنف من أوّل يوم، بل لم تعرف الهدوء قطّ إلا حين فازت بالانتخابات البلديّة، فأضحى دعاتهم ـ الذين أنشأوا حزبهم هذا على التّكفير للحكومة إلى أقصى حدّ ـ يقولون: " أخطر شيء على الدعوة جماعة التّكفير! "، حتى علي ابن حاج الذي قلنا له مرارا: " احذر جماعة التّكفير وحذِّر منهم "، فكان يقول: " بل هم إخواننا قد قاموا في وجه الطّاغوت! "، فلمّا تفتّحت الحكومة مع الجبهة بعد تلك الانتخابات، وكفّرته هذه الجماعة تبرّم لها، فما أعزّ المخلصين للدّين في دفاعهم عنه، لا عن النّفس! كيف تَدَّعي أنها لم تقُم على العنف، وقد كتب سعيد مخلوفي ـ أحد المشبوهين من رؤوس الجبهة ـ كتاب
» العصيان المدني « جمع فيه بين الطريقة الشيوعية والطريقة الديمقراطية في الانقلابات من ( التحزب والاعتماد والانخراط والترشيح والدعاية والمظاهرة والتجمع والمسيرة والورقة السياسية والاعتصام بالساحات العامة والإضراب بكل أشكاله: أي عن الطعام وعن العمل ... والخروج ... )؟ وقد أشاد بفضل هذا الكتاب علي بن حاج في أول درس ألقاه في مسجد الشافعي ـ الذي سبق ذكره ـ بعد قفوله من ( غزوة العراق!)، وخاطب فيه مجلس القضاء: " بأنه مُقرٌّ بكل ما فيه! فإن حاكمتم مؤلفه فحاكموني معه! "، وأخذت الجبهة تشُقُّ طريقها على ما رسمه لها هذا المؤلِّف. فكيف يُزعَم أن الجبهة مالجأَت إلى العنف إلا مضطرة، أي حين أُقصِيَت من الانتخابات، وقد أُلِّف هذا الكتاب قبل الإقصاء؟! الأمر الذي يدلّ على أنهم كانوا يُعِدّون للعنف عدّته من أول يوم. ثم هل تدري ـ يا سلمان! ـ أنّ الجماعة الإسلامية المسلّحة مَنعت صلاة الجمعة في بعض المساجد، وأرسلت إليها بيانها تقول فيه: " تُترك صلاة الجمعة حتى يسقط النّظام وإلا ...! "، وفي بعض النسخ: " والجماعة أيضا!! "، وقد تعطّلت الجمعة في كل مساجد ولاية ( البويرة ) من الأسبوع الثاني لشهر شعبان (1414هـ)، ومِن قبلها في مدينة ( الأخضرية )، وبعدها في مدينة ( القادرية ) و( الخميس مليانة ) و( برج منايل ) بل وفي بعض المساجد الكبيرة في العاصمة وغيرها، فإذا لم يشتهر عن الخوارج ترك الجمعة فهل يُلحق هؤلاء بالشّيعة الروافض؟! كما أنهم قَتلوا بعض الأئمّة الرسميّين على الرّغم من أنه لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد! أما تهديد الدّعاة السّلفيّين بالقتل فهذا أشهر من أن يذكر. والله وحده المستعان على ما تصف به الجبهة بأنّها سلفيّة يا سلمان!
ـ قال سلمان: " الجبهة الإسلامية فازت في الانتخابات البلديّة، فدخلت مع النّاس .. وأصبحتَ تجد رئيس البلديّة يصلي بالنّاس إماماً، ويتحدّث معهم، ويعطيهم دروساً في التّوحيد والفقه والحديث، ويعلّمهم الحلال والحرام وآداب الصلاة وغير ذلك ... ".
النقد: كم يرجو كل مسلم أن يكون الأمر كما قلتَ، ولكنّه اليوم رجاء كالأمنية، وقد قيل:
مَن كان مرعى عزمه وهمومه روض الأماني لم يزل مهزولاً
أقول هذا لأن الأمر كان خلاف ذلك مع الأسف، أما تدريس التّوحيد والفقه والحديث فلا أدري من تحلّمه في منامه. وأما تعليم الحلال والحرام، فسل البلديّات الإسلامية عن تعاملها مع بنوك الربا؟! وسلهم بأيّ قضاء إسلاميّ كانوا يفصلون في الخصومات؟ وسل أيّ جزائريّ عن أموال البلديّات أين تسرّبت؟ وعن المساكن والأراضي الشعبيّة والعقارات بأيّ عدل قُسمت؟ وأما الصلاة وتعلّم آدابها، فكم سمعنا منهم من يتململ قائلاً: اشتقت إلى الجلوس في حلقة المسجد، فمنذ أن نجحنا في الانتخابات لم نعرف مجلساً للعلم في بيت الله، وكم هم الذين كانوا يجمعون الصّلوات في المساء؛ لأنهم شُغلوا بدولتهم عن ربّهم! ومن كان يحفظ نصيباً من كتاب الله أُنسيَه، وكان المدعو شرّاطي
ـ قبل الجبهة ـ يعلّم أحكام تلاوة القرآن برواية ورش ـ الرواية المقروء بها في الجزائر ـ حتى نفع الله به خلقا كثيرا، مع التّنبيه على أنّه كان ـ تقريباً ـ الوحيد على هذا في الجزائر كلها، مما أنعش التّلاوة الصحيحة، وما أن جاءت الجبهة حتى انخرط فيها هذا الشيخ، وذهبت حلقاته كأن لم تكن بالأمس، ونسأل الله تعالى أن لا يكون قد سلبه كتابه من صدره.
أيّ عِلْم هذا الذي علّمَته الجبهةُ وقد كان الرجل ـ يومها ـ ليستحي أن يحمل معه كتابا للعلوم الشرعية؟ إنما هي جريدة » المنقذ « يتأبَّطها أحدهم كدليل على الولاء!! على أنه لا ضير على مقتني الجرائد العلمانية؛ لأنه دليل التفقه على الواقع، بشرط أن يبقى بينه وبين حزبه كل الوفاء!!!
ولقد جاءني من مسئوليهم من يبكي ويقول: لم أترك الصلاة إلا لمّا أصبحت عضوا بارزا في بلديّة الجبهة ... بل قال لي أحد الثقات: عملت في البلديّة العلمانيّة ثم الإسلامية فلم أُمنع من الصلاة في مسجد الحيّ القريب جدّا من البلديّة إلا في البلديّة الإسلامية بحجّة أنّ بها مسجدا، وأنّ وقتنا ضيّق، وأنّ الصلاة جائزة في كل مكان، وأنّ العمل لدولة الإسلام عبادة وأنّها مصلحة عامة وغير ذلك من القواعد غير المؤسّسة، وصدق الله: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ}.
هذا وكان يُكتب على مدخل بلديّتهم بلون ذهبيّ: { ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}!!
وأقول بصراحة: لولا أنّ الله قدّر ما قدّر لأوشك النّاس على بغض كل ما يقال له ( إسلاميّ )؛ من أجل ما يرون عليه المستوى الإسلاميّ، بدءاً بالاختلاسات البلديّة، وانتهاءً بخطب الجمعة التي لا تزيد على الشتائم النابية!
ومن علامات استصغارهم العلوم الشرعيّة أن ترى المسئولين الذين وصفتَهم ـ يا سلمان ـ لم يُختاروا على أساس درايتهم بالشرع، ولكن على أساس الدّراية بالعلوم المدنية، وهذا برز بشكل كبير جدّا حين هجمت
( الجزأرة ) على الجبهة، فلم نر من المرشّحين للبرلمان إلا طبيبا أو مهندسا أو رياضيا أو إداريا سياسيا، بزعم الخبرة بالعلوم المدنية، فأخّروا ذوي الشّهادات الشرعيّة خجلاً من أن تضحك عليهم الحضارة، وهذا نعرفه من النّخالة السياسية التي دنست حرم العلم الشرعي، إذ غالب الحركات الإسلامية على هذا التنقص، وإن صرخت باسم الشرع، وهو عين التفريق بين الدين والدولة لأنهم يتشدّدون في اشتراط المعرفة بالعلوم العصرية لمن ينصّب رئيسا للدولة الإسلامية، وأما في الدين فيكفي فيه عندهم شيء من العاطفة الإسلامية فقط!! ومن الدّواهي أنّ ( الجزْأَرة ) يمنعون الثوب السعودي؛ لأنّه دليل على الرّواسب السلفيّة والتأثر بالغزو الوهابيّ، ولكن لا بأس عندهم بالبدلة الفرنسيّة؛ لأنّها دليل على التحضّر وبُعد النظر وسعة الأفق!! وكم يَسْتَرْوِحُون إلى بعض الأساتذة الذين درسوا عليهم؛ لأنهم وفدوا إليهم بلباس الكفار، ولا يستنكفون أن يلبسوه في الديار التي لا تَفرضه عليهم! مع أنهم متخصِّصون في الغزو الفكري!! فهل هذا عنوانٌ لتحدي سلفية الجزيرة التي يُسمّونها سلفيّة البدو؟ وكأنه قد قيل لهم: البسوه! ولاتخشوا الغزو! ولو كان فيه قول النبي " من تشبّه بقوم فهو منهم! « رواه أحمد وهو حسن.
ولا تسارع إلى إنكار هذا؛ لأنك ربّما رأيت من الجزْأَريّين من لبس الثوب السعوديّ في السّعوديّة؛ فإنّ قاعدتهم عندكم قاعدة أهل الغربة الذين قال فيهم الشاعر:
إنْ تُلْقِكَ الغربةُ في معـشر قد أَجمعوا فيك على بُغضهـم
فدارِهم ما دمْتَ في دارهم وأرْضِهم ما دمت في أرضهم
وحقيقة هؤلاء أنهم دخلوا في صراع مع الحضارة وهم ضعفاء علما وتقوى، فأشعرتهم بالنّقص وأصيبوا بعقدة حضاريّة مع أنّ الله تعالى يقول: {فَلاَ تَهِنُوا وتَدْعُوا إِلى السَّلْمِ وأَنتُمْ الأَعْلَوْنَ واللهُ مَعَكُمْ}.
هذا خبر ما عندنا ـ يا سلمان ـ وذاك خبر مَن عندكم، فكيف تقول بعده: " أحياناً يقولون: إنّكم تتحدّثون عن قضايا لا تدركون أبعادها ولا تعرفون مراميها ولا خلفياتها "؟!
ياسلمان يقول الله: {وإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى}.
فقه واقع الجزائر عند سفر الحوالي
وأما سفر الحوالي فقد تكلَّم عن أحداث الجزائر في شريط رقم (2/227) من أسئلة على شرح العقيدة الطحاوية بتاريخ: (25/12/1411هـ).
ـ قال فيه: " نحن لا نعرف الكثير عن هذه الجبهة الإسلامية! وبالنسبة لقائديها الشيخ عباسي مدني وعلي بن حاج: ما نعرفهما!! ولم نقابلهما، ولم نرهما!!! ".
ـ النقد: كيف تتكلم ـ يا سفر!ـ عمن لا تعرفه والله يقول: {إلاَّ مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ}؟! بل كيف تجادل عنه وتحتجّ له والله يقول: {هَا أَنتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}؟! والدعوات كلها تُقَوَّم بأصحابها؛ قال ابن تيمية: " إن الطائفة إنما تتميَّزُ باسم رجالها أو نَعْت أحوالها "؛ قلتُ: لأن جميع الناس قادرون على ادّعاء الإسلام والتلبيس بمعسول الكلام، وهل المنافقون إلا مندسّون في الصفوف يُمَوِّهون حتى ينخدع بهم مَن يمشي بعقليتك هذه؟! بل قال الله تعالى: {وإذا رَأَيْتَهمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}. ثم أقول: لوكنتَ مشترِكاً مع أحد من الناس في تجارة أو ما شابهها من رخيص متاع الدنيا، أكنتَ مكتفياً بهذا الوصف الذي وصفتَ به شيوخ الجبهة أم أنك تُشحّ بمالك، وتحتاط لدنياك؟! فكيف والأمر دين وجنة أو نار؟! كما قال حذيفة بن اليمان : " ولقد أتى علي زمان وما أُبالي أيكم بايعتُ؛ لئن كان مسلما لَيَرُدَّنَّه علي دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا لَيَرُدَّنَّه علي ساعيه. وأما اليوم فما كنتُ لأُبايِع منكم إلا فلانا وفلانا " متفق عليه.
هذا الاحتراز من أجل الدنيا؛ لأن المقصود بالمبايعة في كلام حذيفة البيع والشراء، فكيف بالدين الذي هو أول ما نرجو أن يُقيمه لنا مَن نبايعه على بيع الله ورسوله؟! مع هذا تريد من المسلمين أن يُؤيِّدوا دعوة رجلين مجهولين عندك! إنّ هذا لشيء عُجاب!! ورحمة الله على ابن بطة؛ إذ يقول: " فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون! فلقد عِشْنا إلى زمانٍ نشاهد فيه أقواماً، يُقَلِّد أحدُهم دينَه ويأتَمِن على إيمانه مَن يَتَّهِمه في كلمةٍ يَحكيها! ولا يَأمنه على التَّافِهِ الحقير مِنْ دنياه!! "، ورحمة الله على ابن سيرين؛ إذ يقول: " إنّ هذا العلم دِينٌ، فانظروا عمّن تأخذون دينَكم "، رواه مسلم في مقدمة (( صحيحه )).
ـ قال سفر: " لكن مِن منطلق ما أمر الله تعالى به مِن العدل، أنا أمامي رجلان، أمامي مدَّعيان، وهما جبهتان في الحقيقة: الجبهة الإسلامية وجبهة التحرير الحاكمة، جبهتان مدَّعيان، وأنا بمنزلة القاضي المأمور بالعدل ".
ـ النقد: لقد شققتَ على نفسك في طلب منصب القضاء وعدم الاكتفاء بمنصب الفتيا؛ لأنه يُكلفك ما لا طاقة لك به من جهتين:
1 ـ خطورة هذا المنصب؛ إذ يَفرض عليك الإصغاء إلى المتخاصمَيْن جميعا لقول النبي لعلي: (( يا علي! إذا جلس إليك الخصمان فلا تَقْضِ بينهما حتى تَسمع من الآخر كما سمعتَ من الأول؛ فإنك إذا فعلت ذلك تبيَّن لك القضاء )) رواه أحمد وغيره وهو صحيح، وقد قيل:
لقد كُلِّفْتَ يا مسـكينُ أمراً تَضيق له قلوبُ الخائفينا
أتَعْلَم أنّ ربّ العرش قاضٍ وتقضي أنت بين العالمينا
ومن عجيب تناقضك اعترافك بأنك تقضي من غير أن تعرف أحداً من المقضي لهم!! وهذا هو الجَور بعينه، فإن قلتَ: اكتفيتُ بما تنشره الصحف، فقد عرفتَ ما فيه إن كنتَ قرأتَ هذا الكتاب من أوله، ثم الصحف نفسها لم تَعُدِ اليوم معبِّرة عن رأي النظام؛ لأن الكُتّاب أضحوا يعَبِّرون عن رأيهم الخاص في ظل الديمقراطية والتعددية الحزبية، وإن كنتَ أنت لا تزال تعيش زمن الاشتراكية في الجزائر، فاعلم أن هذا قد مضى من سنوات قبل بروز جبهة الإنقاذ، وعجيب ألاّ تدري وأنت اتهمتَ علماء بلدك بالقصور في اطلاعهم على الواقع؟!!
2 ـ القضاء السياسي أخطر أنواع القضاء، ولا نعرف أنك أهل للقضاء فضلاً عن أهليّتك للحديث في السياسة!! لما بيَّنتُه في هذا الكتاب مِن اشتراط بلوغ درجة الاجتهاد لذلك، بل الذي نعرفه أن علماء بلدك نهوْك عنها، بل منعوك من التدريس نفسه، كما ستقرأ بيانهم هنا إن شاء الله.
ـ قال سفر: " وأنا بمنزلة القاضي ... كلٌّ منَّا كذلك ".
ـ النقد: فيه تَجْرِيءُ عامة الناس على القضاء، وعلى الدخول في السياسة، وهو أسوأ شيء يتعلَّمونه منك().
ـ وقال: " الآن مشكلة موجودة، يُطلب منا أن نحكم فيها،
مختصمان متنازعان نحكم بينهما، كيف نحكم؟ هنا السؤال، قال أحدهما
ـ ونحن لا نعرفه ـ: أنا أريد الإسلام وأريد كتاب الله وسنة رسوله ... وقال عن خصمه: هذا خصمي جبهة التحرير: حزب اشتراكي علماني تابع لفرنسا وللغرب، قادته وزعماؤه فرضوا الاشتراكية على البلاد ... ماذا يجيب المسلم؟! ماذا يقول المسلم الذي يخاف الله ويؤمن بالله ويؤمن بالإسلام؟ مع أيهما يكون؟ وإن لم يعرفهما ولا علاقة له بهما، لكن مَن الذي تكون أو تميل أو فرض الله تبارك وتعالى، فرض الله عليك أن تكون معه وأن تنصره وأن تؤيِّده؟ هل هذه المسألة ـ أنا أسألكم جميعا ـ هل هذه فيها خيار لنا؟ هل فيها خيار وإلا نحن الآن أمام إلزام وحكم قاطع صريح من الله؟ إلزام، يجب علينا أن نكون مع الفجار وإلا مع المتقين؟ مع المتقين. مع الكافرين وإلا مع المؤمنين؟ مع المؤمنين ...".
ـ النقد: أعتقد أن عرض المسألة بهذه الصورة هو أكبر أخطاء سفر هنا؛ لأنَّه صوَّر المشكلة في اختيار الإسلام على الكفر أو العكس! وليس الأمر كذلك؛ لأنَّ المسلم لا يساوم بشريعة الله ولا يرضى بها بديلا، لكن المشكلة في الطريق الموصل إلى تحكيمها، فطرحه السؤال على المسلمين: هل يختارون الإسلام أو الكفر؟ اتهام للمسلمين! لأن هذا السؤال لا يُطرح إلا على من {ارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}، هذه واحدة.
والثانية: أنك ـ بهذا ـ حِدْتَ عن منشإ الخلاف، ومعروف أن الحيدة عن نقطة البحث تضيِّع البحث وقد تُعطي نتائج معكوسة.
والثالثة: أنك أُتيت من المفهوم الخاطيء للعدل الذي دندنتَ حوله؛ حيث ظننتَ أنه يكمن في مجرد معرفة الشعار الذي يرفعه هؤلاء، وهذا خطأ
فادح؛ لأنَّ للعدل ميزانين: أحدهما: هوالإخلاص لله، والثاني: هو المتابعة لرسول الله ، وأنت لم تَزِن هذه الدعوة لا بهذا ولا بذاك؛ إذ كونك تقنع بمجرد الشعار المرفوع يدل على عدم تقصّي البحث في الوصول إلى غلبة الظن فيما يخصّ إخلاص القوم. وأما متابعة الرسول في هذا الطريق الذي سلكوه فلم تُعَرِّج عليه تماما، مع أن الله يعطي عليهما كما قال سبحانه: {بَلَى مَنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
فقوله: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ} يعني به الإخلاص.
وقوله: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} يعني به اتباع السنة، كما بيَّنه ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.
فالقضية شرعية وليست عاطفية، وإلا فما قولك في محاسبة الله المؤمنين لما عصوا رسول الله e في أُحد، مع أنهم هم المؤمنون وعدوّهم وثنيٌّ كافر! والله سبحانه وتعالى قد تركهم ينكشفون أمام عدوّهم وقال: {أوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وبِعَدْلك هذا ـ يا سفر!ـ اتّبعَت الحركاتُ الإسلاميةُ الدعواتِ الباطنيةَ الهدامة؛ لأنهم اكتفوا منهم بما ظهر لهم من شعارهم، كما اكتفيتَ أنت بذلك! وغفلوا ـ كما غفلتَ ولا أحبّ أن أقول: تغافلتَ ـ عن إمرارهم على الغربال الثاني ألا وهو متابعة السنة، إذن فلماذا يلام من اتَّبع الخميني حين رآه يرفع شعار قوله تعالى: {ونُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِين اسْتُضْعِفُوا في الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}؟!
ولماذا يُلام مَن انخدع بصدام حسين؛ وقد رآه كَتب على صواريخه أسماء الصحابة وتاب توبةً سياسيةً، حتى قال فيه علي بن حاج في كلمته التي ألقاها يوم رجع من العراق ـ وقد سبق ذِكر شيء منها ـ: " الرجل
تاب! ويريد الإسلام وسوف يُطبِّق الشريعة!! فهل شققنا على قلبه حتى نكفِّره؟! "، هكذا قال الرجل الذي شَبَّهه سلمان العودة بابن تيمية!! فهل تتصوَّرون يوماً ابن تيمية يَتبع صداماً، أو أنه يقول مثل هذا في جنكز خان؟!! فاللهم رحماك.
هؤلاء وأذنابهم كلهم تأثروا بقوم وجدوهم يحمِلون شعارات إسلامية في وجوه كفار خلَّص فما أغنى عنهم جمعهم وما كانوا يستكثرون.
عَدْلُك هذا ـ يا سفر! ـ هو الذي حَرَمكَ من فهم معنى الولاء حتى احتضنتَ شر المبتدعة، بل إنك جعلته قاعدة ـ ويا بئس ما قعَّدت له! ـ حين قلتَ في الربع الأخير من الوجه الثاني للشريط نفسه:
" يجب أن نأخذ قاعدة: ميزة الدعوات الإسلامية في العالم كله على ما فيها من تفاوت، وما بينها من أخطاء، ميزتها أنها تنبع من داخل الأمة! يعني يدعو إلى الإسلام حتى لو عند بعضهم انحرافات؛ إما إلى المعتزلة، وإما إلى الخوارج، وإما إلى الرافضة، ـ كما تعلمون ـ فهو يأخذها من واقع الأمة ومن تاريخها، من تراثها!!! ".
قلت: الله أكبر! هذه بليّة عظيمة!! وقد قيل: ما فيك يظهر على فيك! وصدق الله الذي قال:{ولَتَعْرِفَنَّهم في لَحْن القوْل}. ثم أخذ يشرح هذا التأصيل الفاسد بقوله:
" أما الحكومات العلمانية والحاكمون بالقوانين الوضعية فقطعاً لا ريب عندنا ولا شك أنهم أخذوا هذا من خارج الإسلام، وخارج الأمة الإسلامية، وخارج التاريخ الإسلامي، لا نسبة بين هذا وهذا ... أصلاً ... فنقول: مَنْ يدعو إلى الإسلام، عندهم أخطاء، عليهم ملاحظات، ما نزكي، ما نبرئ هؤلاء، هاتها تُعرَض وتُنقَد، لكن لا شك أن من يدعو الناس إلى الكتاب والسنة..إلى الإسلام ـ وإن أخطأ في فهم بعض أصوله ـ لا شك أنه لا نسبة أن يقارن ... " الخ.
قلتُ: هذا هو دين ردود الفعل! وهو دين الموازنات الجائرة! وهو من أوضح الأدلة على أن أخطاء سفر هذه ليست سقطات يقوم منها صاحبها إذا نُبِّه، وإنما هي ناتجة عن تأصيل فاسد عنده.
أنصحك ـ يا سفر! ـ أن تتعلَّم عقيدة الولاء والبراء، وأن تدرس كتب السلف لترى موقفهم من المبتدعة، وإن بقي عليك غبش من رواسب الإخوان فعُدْ إلى فصل ( الردّ على المخالف ) من هذا الكتاب، والله الهادي.
وعَدْلُك هذا ـ يا سفر!ـ هو الذي ربَّى من الشباب المسلم عواطف سرعان ما تنقاد للكائد، وتنخدع للصائد؛ لا يَفهم من عدوِّه إلا ما يفهمه الثور الأسود من الخرقة الحمراء ينطحها، حتى إذا أُثخِن بالجراح نودي بوَبْرَته إلى الجزار يسلخها.
فالله! الله! في هذه الأمة ـ يا سفر!ـ؛ فكم من دماء جرت منها أنهار بفتواكم هذه!! وكم من مؤمنة أرملت، وكم من فقيدة أيتمت!! ولو كُشف لكم الغطاء لجأَرْتم إلى الله تائبين؛ وهَلاً من أن تكون هذه الدماء كفلاً عليكم يوم القيامة!!
تناقض: في هذا الشريط يرى سفر أنه يكفي في مناصرة قوم أن نعرف منهم الشعار الذي يرفعونه، وفي شريط آخر من شروحه للعقيدة الطحاوية برقم (252) يتحدّث عن شعارات جبهة الإنقاذ ويقول: " نعم! لا تغرّنا الشعارات! مجرد الشعارات؛ لأن الله سبحانه وتعالى يريد منا إيمانا حقيقيا وقلبا صادقا مخلصا، وليس مجرد الشعارات!!! ".
ثم إذا به ينقض هذا الكلام مباشرة فيقول: " وإن كانت شعارات حق!
ـ على فكرة ـ تدرون ما هو شعار الجزائريين؟ شعارهم ـ يجولون ويتحركون ـ يقولون: " لا ميثاق .. لا دستور، قال الله .. قال الرسول!! "، أليس كذلك ـ إخواننا الجزائريين ـ؟ هذه في الأشرطة ... ويقولون: " لا إله إلا الله! عليها نحيا! وعليها نموت! وفي سبيلها نجاهد! ... ".
ـ قال سفر: " قالت جبهة التحرير الحزب الحاكم: نحن حزب اشتراكي نؤمِن بالاشتراكية ".
ـ النقد: حكاية الاشتراكية عن جبهة التحرير قديمة؛ تركَتْها أيام أمينها العام الشاذلي بن جديد وقبل ميلاد جبهة الإنقاذ كما سبق. أما اليوم فهم يرفعون شعارات أخرى أترك المجال لفقهك لواقع الجزائر حتى يدركها وحتى تعيش مع المسلمين أوقاتهم الحالية! هذا مع أن زعمك بأن الصراع دائر بين الإنقاذ والتحرير تصوير قاصر جدا، فأرجو مراجعة الأوراق.
ـ وقال بأن جبهة التحرير تقول: " نحن حزب علماني، وهذا في الدستور، لا يخفونه أبدا! ".
ـ النقد: أقول لك ـ يا سفر! ـ كلمة ليست دفاعاً عن جبهة التحرير
ـ معاذ الله! ـ ولكن من باب قول الله تعالى:{ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}: أتحدّاك أن توجِد لنا هذا النص من الدستور الجزائري! ولو قلنا إنهم كذلك لقلنا هم أمكر من أن يسجِّلوه في دستورهم لتعثُر عليه أنت بسذاجتك هذه، ألاَ شيء من الفطنة يا قوم!
ـ وجعل سفر يعدِّد حجج جبهة الإنقاذ ناقلا عنها قولها: " وأنا عندي ثمانين بالمائة من الشعب كلهم يريدون الإسلام، هذا برنامجنا وهذا تطبيقنا، وأنا طلبت من الناس أن يطالبوا ببقاء نظام الانتخاب كما هو ... ".
ـ النقد: ذِكْر هذه النسبة المئوية والمطالبة بالنظام الانتخابي سلوك للطريق الديمقراطي؛ لأنه تحكيم للشعب كما لا يَخفى، فلماذا يذكره سفر على أنه حجة من غير إنكار، بل تكراره له ثلاث مرات دليل على الإقرار، بل لقد صرَّح بأنه ينصر جبهة تريد تحقيق الديمقراطية، حتى لكَأنّك تسمع كلام رجل عريق غريق في الديمقراطية، وذلك قوله عن جبهة الإنقاذ: " .. وأنها تريد تحقيق الذي يزعمون أنه ديمقراطية وتريد أن ترشّح وتصوّت "!! قلتُ: هكذا يصرِّح سفر بأنه زَعْمٌ عند أولئك، لكنه إرادة عند الجبهة! بل جمع بين الحق والباطل فقال: " وأيهما الذي وقف ضد الحق وإرادة الشعب؟! ".

يتبع

رد مع اقتباس