عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 22 Jul 2010, 01:13 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

فقه واقع الجزائر عند سلمان بن فهد العودة
قال في شريط » كلمة حقّ في المسألة الجزائرية «: " خرج الاستعمار الفرنسيّ الأجنبي من الجزائر، ومع ذلك بقيت الجزائر تحُكم بغير الإسلام زماناً طويلاً حتى تململ الناس من تلك الأوضاع السّيئة، وقامت حركات ومظاهرات صاخبة واضطرابات كثيرة في الأسواق والشوارع، وصارت مواجهات دامية، وقُتِل المئات من الناس، بل أكثر من ذلك، وكانت الصحافة تعتِّم على مثل هذه الأمور، وكنت أذكر أنّنا نقرأ في صحيفتنا أنهم يسمونها ( ثورة الخبز )، يعني أن الناس قاموا من أجل الخبز بحثاً عن لقمة العيش، وتجاهلوا الدّافع الإسلامي القويّ وراء تلك المطالبات، وعلى إثرها أقرّت الجزائر بما يسمّونه التعدّديّة السياسية وأذعنت لمطالب الناس ".
النقد: في هذا الكلام خبط عجيب، لأنّه يحكم على ثورة (5 أكتوبر 1988م) بأنّ دافعها إسلامي! فأقول:
ـ متى كان في الإسلام ثورات ؟!
ـ متى كان الدّافع أو الباعث الإسلامي أوالنّية الحسنة كافية لغض الطّرف عن الوسيلة والطريق؟!
ـ بأيّ دليل ينفي أن تكون ثورة خبز ويثبت أنّها إسلامية إن صحّ التعبير؟! أصاحب الدّافع الإسلامي القوي يخرب بيته، فيكسر أدوات وزارته أو المؤسّسة التي يأكل منها المسلمون ؟ أصاحب الدّافع الإسلاميّ القوي يغتصب ـ أيّام جهاده المقدّس! ـ من الأسواق الحكومية وغير الحكومية ما يجد لأنّها غنيمة؟! لقد كان أصحاب الدّافع الإسلاميّ القويّ يبيتون مع الفيديو الإسلاميّ! والنشيد الإسلاميّ!! في المهرجانات والمظاهرات الإسلامية!!! فإذا نادى منادي الفلاح: الصلاة خير من النّوم،كان المجاهدون قد ناموا، ولعلّهم لم يسمعوه، لأنهم ناموا في سدّة المسجد، والمؤذّن في مقصورة المسجد، فقام بعض المتطوعين من أهل الحيّ بإيقاظ هذه الآلاف، فلا يقوم إلى الصلاة منهم إلا فئة قليلة جدًا ربما عجزت أصابع اليد عن عدّها لأنّها تزيد عنها قليلاً.
وإن قيلَ في القليل البركة فـ {كَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِين}؟ قلت: نعم! ولكن إذا عُرفت الفئة الغالبة، فمن هي الفئة الكثيرة المغلوبة؟ آلفئة الحكوميّة التي هي في خير الأمّة بغير حقّ سائمة؟! أم هي الفئة المجاهدة وعن الصلاة نائمة؟! فبينا أنا أكتب هذه الكلمات ذكرت حديثاً يناسب حالنا للاتّعاظ به، ولْيَذْكُرمنه أخونا سلمان قيمة تفريغ القلب من الدنيا لله تعالى، وشرط الإخلاص في الجهاد، فعن أبي هريرة t، قال: قال النّبي : » غزا نبيّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يَتْبَعْني رجل مَلَك بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يَبْني بها ولمّا يَبْنِ بها، ولا أحدٌ بنى بُيُوتا ولم يرفع سُقوفَها، ولا آخرُ اشترى غنماً أو خَلِفات وهو ينتظر وِلادَها. فغزا، فدنا من القرية صلاةَ العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشّمس: إنّكِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ، اللهمّ احْبِسْها علينا فحُبِسَت حتى فتح الله عليهم، فجمع الغنائمَ، فجاءت ـ يعني النارـ لتأكلها فلم تَطْعَمْها، فقال: إنّ فيكم غُلولاً، فليبايعْني من كل قبيلة رجلٌ، فلزقت يدُ رجلٍ بيده، فقال: فيكم الغُلولُ، فليبايعني قبيلتُك، فلزقت يدُ رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغُلولُ، فجاءوا برأس بقرة من الذّهب فوضَعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحلّ الله لنا الغنائم، رأى ضَعْفَنا وعَجْزَنا فأحلّها لنا «.
وفي هذا الحديث يظهر لك شرط الإخلاص في الجهاد، وأثر ابتغاء الدنيا وارتكاب ما حرّم الله في تأخير النصر.
ثم كيف يستنتج سلمان أن تلك الثورة ـ التي ظهر له منها أنها شعبية إسلامية ـ كانت سبب رضوخ الحكومة للتعددية الحزبية؟ أليس من الجائز أن يقال: بل هي فخٌ نَصَبته أيد من خارج البلاد، وهي حريصة على نصب العداوة بين هؤلاء وبين حكوماتهم لضرب الإسلام بالإسلاميين المتحمسين الذين لا يرون إلا الحَبّ الجميل، سواء أكانوا من الدّعاة في الداخل أم من المطبِّلين المؤيِّدين من الخارج أمثالكم؟
وعلى كل حال: استنتاجك مردود بإجماع أصحاب هذا الواقع المخالف منهم والمدافع، وما كل ما يعلم يقال، وإن من الإشارة ما يغني عن صريح العبارة. وما قالته الصحافة في ثورة الخبز قد صدقت فيه وهي كذوب، والدّليل عليه أنّه لمّا كانت جبهة الإنقاذ في أوْجِ قوتها، ودعت إلى إضراب عام عن العمل لم يستجب لها إلا القليل، أحوج ما تكون إلى نصير، لأنّ هذا الإضراب يمسّ خبزة الأنصار، هذا مع التهديد الشّديد اللهجة منها لمن لا يساهم في الإضراب بحرق المحلاّت وتكسيرها ...، ويكفي لتصديق ما أقول أنّ عباسي مدني ـ النّاطق الرسمي لهذا الحزب ـ كان شديد الأسى والتململ من هذه المشاركة والمؤازرة الضّعيفة، وذلك في خطابه الشديد بساحة الإضراب، وأشرطة الإضراب محفوظة.
ومع هذا يقال: " ليست ثورة خبز "!!
وهذا نائبه علي بن حاج لمّا كان يخطب، فيتحدث عن إسراف الكُبَراء واستئثارهم بالمواد الغذائية وغيرها من متاع الدنيا بألفاظ نابية جدًّا كان للنّاس ضجيجُ تجاوبٍ كبير، كأنك في ملعب أو ملهى، واسألوا ثقاتكم عن أشرطة أيّام الإضراب، فسيخبرونكم إن كانوا صادقين.
قال سلمان: " لايوجد في صفوف الجبهة شيعي واحد!! ".
النقد: قال عباسي مدني ـ النّاطق الرّسمي للجبهة ـ: " إنّ المصباح الذي أضاءه الإمام الخميني نوّر قلوبنا جميعاً، إننا نعتقد أنّ الثورة الإيرانية ستنقذ الأمّة الإسلامية، بل البشرية جمعاء ... إنّ الشعب الجزائري على أهبة الاستعداد للوقوف بجانبكم صفًّا واحداً لرفع راية الله أكبر في العالم ". هذا تصريح رئيس الجبهة، وهو يزور إيران أيّام قوّة جبهة الإنقاذ التي يصفها سلمانُ بالسلفية!!
ولا أظنّك ـ يا أخانا سلمان ـ تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، فتقول كما يقول من ميّع عقيدته: " ليس هذا الكلام من مدني إلا تعاطفاً سياسياً مع الشيعة "! لأنّه مَهْما قيل فيك إنك مصاب بلوثة إخوانية، فلا أتصوّرك قائله، لأنك تربيت في الديار السّلفية التي كانت أوّل المنتبهين للخطر الرافضي، فإن أبيتَ أن تكون سلفيا فللديار عليك مِنّة، فاحفظ لها ذمّتها.
وأنا أقول شيئاً من العسير قبوله عندك وعند الكثير وهو أنّ علي بن حاج نفسه الناقم على الشيعة، قد سئل من قِبل صحافي فرنسي عن الثورة الإيرانية، فأجاب ـ كما سمعته في التسجيل ـ: " ومن قال لكم أنّها ليست ثورة إسلامية؟ ومن قال: الخميني ليس مسلماً؟! "، قلت: إنا لله! ومَن مِن السّياسيين لم يعش كالزئبق؟! ثبّتنا الله.
قال سلمان: " وكان معظم القائمين على تلك الجبهة من المشهود لهم بالعلم والحكمة، والعقل، والعقيدة السّلفية الواضحة الصّافية السليمة ... ".
النقد: أما العلم فقد أجمع الناس على أنّه لا عالم بالجزائر بعد جمعية العلماء، وإليك علم من زكّيتَ: استوردَت الحكومة شياها من أستراليا لعيد الأضحى عام 1412هـ، وكانت جبهة الإنقاذ تهيء للعيد مثل ما فعلت الحكومة، وكل منهما يتربصّ بالشّعب اصطياده من بطنه! فلم تنجح الجبهة من جهة الأسعار، وتهافت الناس على سوق الحكومة؛ لأنهم مع الخبز حيث دار، ثم حدث أن لوحظ في الشّياه الحكومية عيبٌ من عيوب الأضحية عند المالكية؛ ألا وهو أن أذنابها مقطوعة، وحدث تشويش كبير لدى الناس، من مبيح ومن محرِّم، وأفتى يخلف شراطي ـ مفتي جبهة الإنقاذ ـ في جريدتها ( المنقذ ) بعدم الجواز!! ولا ندري أهي فتوى خاصة بالرّهان السّياسي أم هي جمود مالكي وأثر فكر جَزْأَرِيّ؟! وأحلاهما مرٌّ.
وفي مدينة سطيف ـ بالشّرق الجزائري ـ سئل عباسي مدني عن حكم لحم الدّجاج غير المذبوح، فأجاب بفذلكة سياسية أضحت مضرب المثل عند جهّال الحركيين، فقال: " تسألونني عن الدّجاج غير المذبوح، فهلاّ سألتموني عن الأمّة المذبوحة؟!".
فتأمّل كيف تورّع المفتي في ذيل شاة ورعاً سياسياً‍! في دقة مالكية! وأما رئيسه فلم تُبْقِ السياسة للمذهب المالكي على بطنه رقيباً.
أليست حياة هذه ( الأمّة المذبوحة ) هو مطلبه؟ أليس النصر بدعاء المستضعفين؟ بلى، إنّ رسول الله قال: (( إنما ينصر الله هذه الأمّة بضعيفها؛ بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم )). ومن شرط إجابة الدّعاء أكل الحلال كما جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله e:» أيّها النّاس! إنّ الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيّباً. وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنّي بِمَا تَعْمَلُون عَلِيمٌ}، وقال: {يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثم ذكر الرجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء: يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام. فأنّى يستجاب لذلك؟! «، قلتُ: فكيف يستهان بذاك السؤال؟!
لو كان عباسي مدني على شيءٍ من العلم لأدرك أنّه بهذا التّهرب من الجواب يسلخ أمتّه المذبوحة، وليس يحييها، ولكنه فِعْلُ السياسة العصرية بأهلها؛ إذ لا يعظِّمون شرعاً، بل يضيقون به ذرعاً، وإلى الله المشتكى.
وهل تؤسس دولة الإسلام على يد رئيس حزب إسلامي ومفتيه، وهما لا يحسنان الإفتاء في ذيل شاة، ولحم دجاج؟! قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ}، وقال: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ}.
وأزيد ههنا قائلاً: إن لجبهة الإنقاذ هذه رجلاً ثالثاً أعرق في الضلالة وأغرق في الجهالة، يُدْعَى الهاشمي سحنوني، كان رأساً في التكفير، وله أتباع من هوامّ العوامّ هم من أغرب أشكال بني آدم، سمعتُه يوماً يشرح نواقض الإسلام، فذكر أن شابًّا سقط من سيارة وهو يهتف باسم فريق من فرق كرة القدم، فمات تحت وطأتها، فحكم عليه بالموت على الكفر؛ لأنه قدّم نفسه في غير سبيل الله!! من شريط مسجّل باسم (( نواقض الإسلام!! )). وهذا المفتي
ـ أخي القاريء! ـ كان يُعَدّ في الجبهة نائباً لعلي بن حاج بلا منازع!!! فتأمّل هذا المستوى المتدنِّي!
للاعتبار: عن إبراهيم النّخعي، قال: " قال عمر من أستخلف؟ لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح! فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! فأين أنت من عبد الله بن عمر؟ فقال: قاتلك الله، والله ما أردت بها الله، أستخلف رجلاً لم يحسن يطلّق امرأته؟! "
وأما العقل، فأين هو عند علي بن حاج الذي إذا خطب سبّ الرؤساء سبًّا فظيعاً، بأسمائهم، وأسماء نسائهم، وليس هذا سبق لسان من خطيب غضوب، بل جلُّ خطبه على هذا، ومعروف عند أتباعه أنّ كل خطبة ودرس له إذالم يصحبه سباب مباشر لاذع بعبارات نابية ليس بشيء، ولا تتناقله الألسن، ولا يخفى عليكم أسلوب الإثارة واستغلال عواطف الشباب الجامحة، فقد جرّبتم كم يقتل من عقل، فأين العقل؟ وأين هو من قول الرسول " ما بال أقوام يقولون كذا؟ ...«.
أين عقل وحكمة هذا الرجل وهو يأمر ـ في درس عام ـ بتكسير كل شيء حكوميّ، كان على إثره تكسير مقرّ الخطوط الجوّية السعوديّة بالجزائر أيام قضية الخليج غضبا للعراق؟!
أين عقله يوم جمع الناس في مسجد ( السنّة!) بباب الوادي بالجزائر العاصمة، عقب فتنة(5 ـ أكتوبر ـ 1988م) مباشرة، ليلة الإثنين بعد صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم؛ لأنّها صلاة خوف!! وقال: " قام شبه إجماع من الدّعاة على ترك المسيرة أو المظاهرة، والعبد الضّعيف ـ يقصد نفسَه ـ يرى القيام بها، فإن وافقتم فكبّروا، وإلا رجعنا إلى بيوتنا!!! "، فكبّر هوامُّ االعوامِّ عن بكرة أبيهم، فقرّر في حينه مسيرة سلمية! سلمية! مات فيها المئات من الشباب في مقتبل العمر!! آلعقل ـ يا سلمان!ـ يأمره بترك مشورة عقلاء الأمّة الذين سمّاهم هو بـ ( الدّعاة )، ليستشير الدّهماء والسوقة والأحداث؟!!
أتدري ـ يا سلمان! ـ أنّه لما زار أحمد القطّان الجزائر، وألقى محاضرة عن قضيّة الكويت في جمع قال فيه هو: " لم أَرَ كاليوم جمهورا غفيرا "، بمسجد ابن باديس بالقبة بالجزائر العاصمة ـ وهو المسجد الذي يخطب فيه علي بن حاج ـ هتف الناس عندها: " الكويت! الكويت! "، ثم بعدها مباشرة في ملعب (5) جويلية بالعاصمة، خطب القطان في الناس وأثار قضية الكويت، ثم قام المتهوّر أسعد التميمي الفلسطيني ـ الذي جاء ليمحو أثر القطّان وقد كان رفض تسليم القطان عليه بحضرة الجمهورـ ودعا الناس إلى الجهاد لتحرير فلسطين وتحرير السعودية ودول الخليج! فقام علي بن حاج وعرّض بقضية الخليج ووقّع على المضي مع التميمي، ووقّع الناس بعده مقتدين به؟! واغتاظ الناس على القطان، وليحمد ربّه الذي أنجاه منهم بعد أن كادوا يَفتكون به! وكانت مسرحية عجيبة لكنها مسجّلة فاطلبوها.
ثم في الوقت الذي انتقل فيه الناس من الكويت إلى فلسطين، وأخذ الشباب المسكين ـ الذي يلعب به دعاة العواطف ـ يتدرَّب على المصارعة اليبانية لأن الدولة رفضت أن تقدِّم لهم السلاح!! ـ وأنا أعني ما أكتب ـ يأتي علي بن حاج معتذراً عن قضية فلسطين، وأنّ للجهاد شروطاً، وأنّه .. وأنّه .. والسِّر في هذا المدّ والجزر أنّ إخواننا السّلفيين سألوا الشيخ الألباني عن التميمي هذا باعتبار أن أهل الحديث هم المرجع الصادق وأهل الميزان الحاذق في الجرح والتعديل، فقال: " ذاك رجل كل يوم بعقل؛ فقد تَشَيَّع أيّام حرب إيران ضد العراق، ثم هو اليوم ( تَعَرَّق ) "، وحذّر منه بشدّة ومِن تجميعه للأموال. وللشيخ كلمته المسموعة عند الجزائريين، بل ما عصمهم الله تعالى في كثير من مواطن الفتن إلا به، فلم يكن من علي بن حاج إلا أن يجامل السلفيين بالتظاهر بالتعقل بعد أن كاد التميمي يذبحه وجماعته في أوّل مطار يطيرون منه إلى فلسطين أو إلى تل أبيب!! هذا السّبب الأول.
وأما السبب الثاني: فهو فكر عباسي مدني القومي الجَزْأَري ـ وإن لم يكن جزْأَرِيا انتماءًا ـ؛ إذ هو لا يرى أيّ جهادٍ للجزائريين خارج الجزائر، فستراً للخلاف الذي بينه وبين علي بن حاج كان ما كان، والله المستعان.
أين عقل من يدعو الناس إلى تحريق الحافلات الحكوميّة للنّقل الجماعيّ بحجّة رفض الدولة تسليمها لهم أيّام المظاهرات؟ هذا عقل عباسي مدني!
ثم قبل هذا كله أين عقل من يصدّق الديمقراطية اليوم في وعدها الإسلاميين بإهداء كرسيّ الحكم إن كانت لهم الأصوات؟! وأين عقل من يُلدغ من جُحْر مرّات، وقد قال رسول الله : » لا يُلْدغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحدٍ مرتين «؟.
هذا غيض من فيض، يكفي اللّبيب لتبيّن الأمر على حقيقته. وكم قلنا لجبهة الإنقاذ: لو لم يكن لكم علم بالشرع أو من يبصِّركم به، لكان العقل البشريّ كافيًا لهدايتكم إلى الحق في هذه المسائل الواضحة جدّاً، وقد وجدنا هذا العقل عند كثير من العوام الذين كانوا يلاحظون هذا الانحراف، آسفين على تلبّس دعاتهم وهداتهم به {واللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وأما عن سلفية الجبهة، فهل يهمّك ـ يا سلمان! ـ أن تَعْلم أنّ هذا الرجل اجتمع بخليل مُلاّ خاطر في ندوة عامة على التحذير الشّديد من الشيخ الألبانيّ خاصة واتّهماه بالعمالة لليهوديّة العالميّة، ومن الدعوة السلفيّة عامة وصوّراها أكبر عائق في طريق الدعوة الإسلامية، قال عباسي مدني: ظهرت عندنا نابتة من الألبانيين .. فيهم كيت وكيت ...؟ فأجاب ملا خاطر قائلا: " أما الألباني فإنه معروف بأنه عميل للصهيونية "، وكالاَ له من التهم ما تتقزز منه النفوس المحبة لأهل الحديث، اطلب هذا الشّريط ـ يا سلمان! ـ من ثقاتك فإنه مشهور جدا، فإن قيل إنّه تراجع عن ذلك، قلنا: وأين ذلك؟ وكيف ذلك وهو لا يزال يحذّر منه إلى يوم الناس هذا؟! واسأل الشيخ أبا بكر الجزائريّ ـ حفظه الله ـ عمّا شكا إليه مدني لمّا زار الجزائر؛ فقد قال له: " من الناس وهم معنا ـ يُعَرِّض ببعض الدّعاة السلفيّين الحاضرين في ذلك المجلس ـ من يتّصل بالألباني يسألونه عن أوضاعنا، ونحن أولى بالفتيا منه لأنّه لا يعرف واقعنا ... " إلخ، وقد طُلب من مدني إظهار التّراجع مرارا فأبى، وتكلم فيه بكلام غليظ؛ لأنّ الشيخ الألباني ظلّ كالشّوكة في حلوق الحزبيّين. أهذه هي سلفيّة جبهة الإنقاذ ـ يا سلمان ـ وهذا اعتقاد رئيسها؟ وما تخفي صفوفها أكبر.
قال سلمان: " دعونا من التفاصيل، ودعونا من التحاليل، دعونا من كلام الصحافة، ودعونا من كلام الإعلام، خذوا الصورة بأبسط معانيها، نحن أمام طرفين: الطرف الأول: الدّعاة إلى الله، تمثّلهم في الأعمّ الأغلب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، والشّعار الذي ترفعه هو شعار الإسلام والكتاب والسنّة، وقِف عند هذا الحدّ. دعك من أي معلومات أخرى عن الجبهة، هذا هو الشّعار الذي ترفعه، ويقابلهم أحزاب، بما في ذلك حزب التّحرير الحاكم، أحزاب ترفع شعارات الاشتراكية والقومية والوطنية.
وقد جرّبتها الأمّة فأيقنت أنّها لا تتحمّس للإسلام ولا تدعو إليه ولا توَاليه ولا ترفع شعاره ولا تنادي باسمه، ولا تُربي الناس عليه، وأنّها حتى قدرتها على إدارة شئون الناس وتحقيق مطالبهم الماديّة والاقتصادية والإدارية فشلت في ذلك، فما هو الموقف العفوي الذي لا يملك أي مسلم عنده روح الإيمان والولاء في الدين، لايملك إلا أن يجد قلبه منساقا إليه وهو أمام هذه الصورة المبسّطة الواضحة البعيدة عن التعقيد ...؟! ".
النقد: إنّ هذا الكلام العاطفي لا يغني من العلم شيئاً؛ لأنّ عامة الناس الذين يسمعونه بحاجة إلى فتوى علميّة، لا " إلى ما تنساق إليه قلوبهم عفوا "، وسيأتيك ما فيه من خطإ منهجي عند التعرّض لكلام د/ سفر الحوالي.
قال سلمان ـ بعد تضخيم القمع العسكري الذي تعرّضت له الجبهة آنذاك ـ: " في حالة إصرارهم على مثل هذه الأساليب ( أي القمعية )، فإنّ العاقبة سوف تكون لصالح المسلمين والإسلاميين هناك، وعندها لا تُلام الجبهة الإسلامية إذا عاملت خصومها بنفس شعارهم .. "!!
النقد: أولا:تأمّل أيها القاريء هذا لتدرك أن ثورات هؤلاء لا تنبع من فقه الجهاد، ولكنها ردود فعل!
ثانيا: تأمل هذا التّحريض الصّريح منه لإشعال فتنة القتال، والقضاء على المسلمين الضعفاء بمثل هذا التهييج الغالي البعيد عن فقه الجهاد، وتالله إنّها لإحدى الكبر! والأدهى والأمرّ أنّه يزيد الطين بلّة حين يتمثّل بثورة الشّيوعيين المستضعفين في روسيا ويريد من الجزائريين أن يقتبسوا منها نورا فيقول: " لماذا يتصوّر كثير من الناس أن الفدائية والإصرار والصبر والتحمّل هي فقط نصيب الشّعوب المنحرفة ونصيب المنحرفين والضّالين، وأنّ النّصارى واليهود والشّيوعيين وغيرها يضحُّون، وقد رأى الناس كلهم كيف أنّ الشيوعيين العُزَّل في روسيا كانوا يواجهون الدبّابات بعد الانقلاب بصدورهم العارية وسوَاعدهم التي لاتحمل شيئاً حتى سقط ذلك الانقلاب، ويظنّ كثيرون أنّ أهل لاإله إلا الله لايستطيعون أن يدافعوا عن دينهم ولا أن يصبروا عليه، لماذا نسيء الظنّ بأهل لاإله إلا الله إلى هذا الحدّ؟ لماذا نهوّن من شأن هذه الجماهير المسلمة في الجزائر وفي غير الجزائر، ونعتقد أنّها تنفض عن قيادتها وعن اختيارها وعن رغبتها في الدين لأدنى مضايقة يمكن أن تقع ... ".
النقد: أيا سلمان لا يُمَثَّل للمسلمين بالكافرين فضلاً عن إظهار الكافرين بالشجاعة ونجاح الطريق، أما سمعت الله تعالى يقول: {لِلَّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى}؟ أمَا وجدتَ ـ وقد وجدت ـ في سير الصّالحين من الأولين والآخرين ما يغنيك عن هذا؟
ولا أعتقد أن قصورك في الاطلاع على التاريخ الإسلامي هو الذي حرمك مما أردتَ، ولكن قصور التاريخ الإسلامي عن أن يمدّك بثورة على الوصف الذي تحب هو السبب الذي حملك على البحث في تاريخ الشيوعية عن المثل الأعلى الذي ارتضيتَه لإخوانك؛ لأنه ليس في الإسلام ثورات، فتمثلتَ بالثورة الشيوعية التي لا يحكمها دين ولا يدعمها عقل!
أهل " لا إله إلا الله " أعقل من أن يستبدلوا الثورة بالجهاد.
أهل " لا إله إلا الله " أعزّ من أن يقتدوا بأعداء " لا إله إلا الله "، وقد قال رسول الله : » ليس لنا مثلُ السَّوْء «.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا اشتكى النبي ذكرَت بعضُ نسائه كنيسةً رأيْنَها بأرض الحبشة يقال لها ( مارِية )، وكانت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة رضي الله عنهما أتَتا أرض الحبشة، فذكرتا من حُسنها وتصاويرَ فيها، فرفع رأسه فقال:» أولئكِ إذا مات منهم الرجل الصّالح بَنَوْا على قبره مسجداً، ثم صوّروا فيه تلك الصورةَ، أولئكِ شِرارُ الخلق عند الله «.
فتأمَّل كيف لم يسكت النبي عمّا يشعر بالمدح للكفار ـ مع أنه خبر عن واقع صادق ـ حسماً لمادة التأسي بهم، خاصة في مثل مقام الشِّرك بالله، لأنّ النّفوس مجبولة على حبّ الأمثال المستحسنة، فكان يجب إظهار أعداء الله في أخزى صورهم؛ لأنّ كفرهم مُذهب لحسناتهم.
ومن عجيبب صنع الله بسلمان أنّه كرّر هذا المثال الذي يدعو فيه إلى العنف بقوة في محاضرة لأضعف الخلق وهم النساء، فقد قال في شريط:»" هموم ملتزمة « رقم (106) ـ في بداية الوجه الأول ـ: " ضغوط الناس لا يمكن إهمالها بحال من الأحوال الآن! ونحن في عصرٍ صار للجماهير تأثير كبير، فأسقطوا زعماء كبار( كذا )، وهزّوا عروش ( كذا )، وحطّموا أسواراً وحواجز، ولازالت صورة العزَّل الذين يواجهون الدّبابات بصدورهم في الاتحاد السوفيتي ... ".
قلتُ: يبدو أن هذه الصّورة أثّرت في حياة سلمان العودة إلى حدّ أنّه لا يهوِّن من شأن أيّ غوغائية لمواجهة الدّبابات، ولو كانت صدر فتاة ملتزمة وساعدها النّاعم! ولو في السّعودية!! لأنّه يقول بعد هذا: " فإذا كان المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعاً منقسماً، وهذه حقيقة {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُون} ... فيجب أن يمارس الخيِّرون كافة الوسائل لتحقيق قناعاتهم الشرعية، والشكوى وسيلة لا يمكن أن نهوِّن منها أو من شأنها، ولكنها من أضعف الوسائل خاصة إذا لم يكن معها غيرها!! ".

يتبع
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة أحمد سالم ; 23 Jul 2010 الساعة 05:01 AM
رد مع اقتباس