عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 22 Jul 2010, 01:12 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

فتأمل كيف يهيِّج ويؤَيِّد ثم يتبرّأ فيَكِلُ الأمر إلى إيمان القوم، كأنه يقول حينئذ:{إنِّي بَرِيءٌ مِنكُمْ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ}!!
5 ـ كلام سلمان هذا كله دعوة إلى الديمقراطية بعينها، وهوممن يُظهر الكفر بها، وإلا كيف يدعو الأمة كلها إلى الشورى في السياسة؟! الأمر الذي يدلّك على أن هؤلاء أرادوا أن يكونوا واقعيين، فإذا هم قد صاروا في يد الديمقراطية واقعين!
6 ـ استدلاله بآيتي الشورى لتقرير هذا المعنى الديمقراطي في غاية السقوط، وقبيح جدا بالمسلم ـ بصفة كونه مسلما ـ أن يقع فيه، فكيف بطالب العلم؟! فكيف بمن قيل له:( فضيلة الشيخ؟! ) فكيف بمن أُريد له أن يُضَمَّ رقمُ هاتفه إلى أرقام أصحاب الفضيلة هيئة كبار العلماء؟!
ثم اعلم ـ أعاذك الله من الجهل ـ أن الشورى في الإسلام مختصة بالأئمة الأعلام، سواء أكان ذلك فيما بينهم، أم فيما بينهم وبين الحكام.
واعلم ـ أيضا ـ أنه لا مشورة فيما ثبت فيه نصّ من كتاب الله أو سنة خير الأنام عليه الصلاة والسلام، وإليك باختصار شديد أدلة هذين الحكمين:
قال البخاري في كتاب الأحكام من » صحيحه «: " باب بطانة الإمام وأهل مشورته، البطانة: الدُخَلاء "، وأسند فيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: »" ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحُضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، فالمعصوم من عَصم الله تعالى «.
دلّ هذا الحديث مع تبويبه على أن أهل الشورى ليسوا الأمة كلها كما زعم سلمان! وإنما هم بطانة الإمام، خاصة وأن لهذا الحديث سبب ورود من طريق البخاري نفسه، لكن في غير » صحيحه «، وإنما رواه عنه تلميذه الترمذي في » سننه «، وفيه قصة خروج النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر من بيوتهم بسبب الجوع، فكان إذن أبو بكر وعمر هم بطانة رسول الله عليه الصلاة والسلام. ولذلك تدبّر ـ رحمك الله! ـ فقه ابن عباس حين فسَّر قوله تعالى: {وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ} قال: " أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ".
ومن تدبَّر سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام في النوازل أدرك بلا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يشاور إلا أعيان أصحابه، من ذلك ما رواه مسلم في قصة بدر عن ابن عباس قال: فلما أَسروا الأُسارى قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعمررضي الله عنهما: (( ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ )) فقال أبو بكر: يا رسول الله! هم بنو العمّ والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار؛ فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : (( ما ترى يا ابن الخطاب؟ )) قلت: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمَكِّنّا فنضرب أعناقهم، فتُمكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتُمكِّنّي من فلان ( نسيباً
لعمر ) فأضربَ عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهَوِيَ رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني مِن أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيتُ، وإن لم أجد بكاء تباكيتُ لبكائكما، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: » أبكي للذي عَرَض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة « ( شجرةٍ قريبة من نبي الله عليه الصلاة والسلام ) وأنزل الله : {ما كان لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً} فأحلَّ الله الغنيمة لهم.
والشاهد من القصة واضح، أضف إلى ذلك أنها من رواية ابن عباس مفسِّر آية الشورى كما سبق، ولهذا بوّب لها الترمذي في » سننه « بقوله: " باب ما جاء في المشورة ".
وللبخاري في كتاب الاعتصام من » صحيحه « تبويب ماتع، ذكر فيه أدلة ما نحن بصدده بشكل جامع، أقصد تخصيص الشورى بجماعة من العلماء، وتخصيصها بما لم يَرِد فيه نص من وحي السماء.
قال ـ رحمه الله ـ: " باب قول الله تعالى: {وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} {وشاوِرْهم في الأمر} وأن المشاورة قبل العزم والتبيّن لقوله تعالى: {فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ".
قال ابن حجر: " ووقع في الأدب من رواية طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى: {وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} قال: " في بعض الأمر "، قيل: وهذا تفسير لا تلاوة، ونقله بعضهم عن قراءة ابن مسعود ).
وقال ـ رحمه الله ـ: " فإذا عزم الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله ".
قلت: أي صار وحيًا، ولذلك قال ابن حجر: " ويُستفاد من ذلك أن أمره عليه الصلاة والسلام إذا ثبت لم يكن لأحد أن يخالفه ولا يتحيّل في مخالفته "، وكذا قال سفيان ابن عيينة.
وقال ـ رحمه الله ـ: " وشاور النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه يوم أحد في المُقام والخروج، فلما لبس لَأْمَته وعزم قالوا: أَقِمْ، فلم يَمِلْ إليهم بعد العزم وقال:
» لاينبغي لنبي يلبس لَأْمته فيضعها حتى يَحكم الله «. وشاور عليّاً وأسامة فيما رَمَى به أهلُ الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن، فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله، وكانت الأئمة بعد النبي عليه الصلاة والسلام يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدَّوه إلى غيره اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ورأى أبو بكر قتال مَن مَنع الزكاة فقال عمر: كيف تقاتل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " فقال أبو بكر: " والله لأقاتلن مَن فرَّق بين ما جمع رسول الله "، ثم تابعه عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله:» مَن بدَّل دينه فاقتلوه «.
وكان القراءُ أصحابَ مشورة عمر، كهولاً كانوا أو شبانا " اهـ.
وهو يقصد بكلامه الأخير ما رواه هو في » صحيحه « موصولاً عن ابن عباس قال: " قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحرّ ابن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القراء أصحابَ مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا ".
وشرح ابن حجر كلمة ( القراء ) بقوله: " جمع قاريء، والمراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العُبّاد ".
وروى البيهقي بسند صححه ابن حجر عن ميمون بن مهران قال: " كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه خصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، فإن لم يجد في الكتاب نظر هل كانت من النبي فيه سنة، فإن علمها قضى بها، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين فقال: أتاني كذا وكذا، فنظرت في كتاب الله وفي سنة رسول الله فلم أجد في ذلك شيئاً فهل تعلمون أنّ نبي الله عليه الصلاة والسلام قضى في ذلك بقضاء، فربما قام إليه الرهط، فقالوا: نعم قضى فيه بكذا وكذا فيأخذ بقضاء رسول الله ـ قال جعفر: وحدثني غير ميمون أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقول عند ذلك: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا ـ وإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به.
قال جعفر: وحدثني ميمون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك، فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكرt فيه قضاء، فإن وجد أبا بكر رضي الله عنه قد قضى فيه بقضاء قضى به، وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم، فإذا اجتمعوا على الأمر قضى بينهم ".
ثم ذكر ابن حجر مشاورات عمر وعثمان لأهل الحلّ والعقد.
ومن أقوى ما يُستدل به هنا ما وقع في وفاة عمر حين قيل له: " أوصِ يا أمير المؤمنين! استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أو الرهط ـ الذين توفي رسول الله وهو عنهم راضٍ، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن .. " رواه البخاري.
وواضح جدا أن تلك الأمة العظيمة أَمَّرت عليها الخليفة عثمان بمشورة ستة منها فقط، فهل من معتبر؟
شبهة
كل ما يستدل به هؤلاء الجمهوريون من الإسلاميين! أو من العلمانيين لإثبات ما دندن حوله سلمان، إما هي من مجملات النصوص والآثار التي أُبهِم فيها المستشارون، وإما هي غير ثابتة سندا، وإما في الاستدلال بها تعسف، ومن هذه استشارة النبي e أصحابه في الخروج إلى بدر، فعن أنس: " أن رسول الله شاور حين بلغه إقبالُ أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخِيضها البحر لأخَضْناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْك الغِماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله e الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ... " رواه مسلم.
قلت: ليس في القصة أنه استشار عامة الناس ولذلك قال النووي:
" وفيه استشارة الأصحاب وأهل الرأي والخبرة ".
وعلى فرض أنه يصلح دليلا لمدّعاهم فقد قال النووي: " قال العلماء: إنما قصد اختبار الأنصار لأنه لم يكن بايعهم على أن يَخرجوا معه للقتال وطلب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده، فلما عرض للخروج لعير أبي سفيان أراد أن يَعلم أنهم يوافقون على ذلك فأجابوه أحسن جواب ".
7 ـ وفي نعي سلمان على الأمة عدم تدخلها في الشورى يقول: " وهذا خطأ؛ لأنه يَختصر الأمة ـ كما ذكرتُ ـ في أفراد "، ثم نزع بآيتي الشورى، هذا كله يدل على إيجابه الشورى، ليس فقط على ولي الأمر، بل على الأمة كلها كما يظهر من سياقه. وهذا لو وافقناه عليه لأبطلنا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ولأبطلنا الاستخلاف الذي وردت الأدلة بجوازه، منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: " قيل لعمر: ألا تستَخلِف؟ قال: " إن أستخلِف فقد استخلَف من هو خير مني: أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني: رسول الله ، فأثنوا عليه، فقال:
" راغب وراهب، ودِدتُ أني نجوتُ منها كفافا لا ليّ ولا علي، لا أتحمَّلها حياً وميتاً ".
وهذا من أقوى الأدلة على كون أبي بكر استخلَف عمر من بعده ولم يترك الأمر شورى، فهل يجرؤ أحد على تخطئة أبي بكر، والمهاجرون والأنصار شهود لاينكرون؟! بل إن رسول الله لو علم في الأمة اختلافا في تولية أبي بكر لعهِد إليه من غير شورى، فعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله في اليوم الذي بُديء فيه، فقال: (( ادعي لي أباكِ وأخاكِ حتى أكتب لأبي بكر كتابا ))، ثم قال: (( يأبى اللهُ والمؤمنون إلا أبا بكر )) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
قال شارح العقيدة الطحاوية: " والظاهر ـ والله أعلم ـ أن المراد أنه لم يستخلِف بعهد مكتوب، ولو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر، بل قد أراد كتابته ثم تركه، وقال:» يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر «، فكان هذا أبلغ من مجرد العهد، فإن النبي دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة، من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبارَ راض بذلك، حامدٍ له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدا، ثم علِم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك ".
قال أبو يعلى الفرّاء: " ويجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده، ولا يحتاج في ذلك إلى شهادة أهل الحلّ والعقد، وذلك لأن أبا بكر عهد إلى عمر رضي الله عنهما، وعمر عهد إلى ستة من الصحابة رضي الله عنهم ولم يَعتبرا في حال العهد شهادة أهل الحلّ والعقد ".
وقال الماوردي: " وأما انعقاد الإمامة بعهد مَن قبلَه فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمِلَ المسلمون بهما ولم يتناكروهما:
أحدهما: أن أبا بكر عهد بها إلى عمر فأثبت المسلمون إمامته بعهده.
والثاني: أن عمر عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد بها، وخرج باقي الصحابة منها، وقال علي للعباس رضوان الله عليهما حين عاتبه على الدخول في الشورى: كان أمرا عظيما من أمور الإسلام لم أر لنفسي الخروج منه، فصار العهد بها إجماعا في انعقاد الإمامة ".
فهل يبقى للقول بوجوب الشورى محل مع هذه الأدلة القوية؟ قال ابن القيم في فوائد قصة الحديبية: " ومنها استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه، استخراجا لوجه الرأي، واستطابة لنفوسهم، وأمناً لعتبهم، وتعرفا لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض، وامتثالا لأمر الرّب في قوله تعالى: {وشَاوِرْهُم في الأَمْر} وقد مدح سبحانه وتعالى عباده بقوله: {وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ".
8 ـ وأخيرا أقول: إنّ نسبة هذا المنهج إلىالسلف تحت عنوان: ( حديث حول منهج السلف ) غير مقبولة، لما بيّنت ما بينهما من أرحام غير موصولة، ودعوتنا لهؤلاء الدعاة أن يعطوا القوس باريها، ويتركوا المطي لحاديها، ريثما يراجعون أنفسهم، ويتهيؤون لما يحسنون؛ فإن قيمة المرء ما يحسن.وفق الله الجميع للخير.
ولما كان هذا النوع من الفقه ـ أعني فقه الواقع ـ بهذه المثابة من التخبيط والتخليط،كان لعلمائنا نظرة خاصة فيه للمحاذير التي نبَّه عليها العلامة ربيع ابن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ حيث قال: " إنّ من أغرب ما يقع فيه المتحمسون لفقه الواقع أنهم يقدّمونه للنّاس وكأنّه أشرف العلوم وأهمها، ولقد غلا فيه بعضهم غلوا شديدا فجعل العلوم الشرعية من مقوماته، ونسج حوله من الهالات الكبيرة، بمالم يسبقه إليه الأولون والآخرون، وهو في حقيقته لا يسمى علما ولا فقها، ولو كان علما أو فقها فأين المؤلفات فيه؟! وأين علماؤه وفقهاؤه في السابق واللاحق؟! وأين مدارسه؟! لماذا لا يسمى علما ولا فقها إسلاميا؟ لأنه ذو أهداف سياسية خطيرة منها:
أ ـ إسقاط المنهج السلفي؛ لأن فقه الواقع لايختلف عن مبدإ الصوفية في التفريق بين الشريعة والحقيقة؛ إذ هدفهم من ذلك إسقاط الشريعة.
ب ـ الاستيلاء على عقول الشباب والفصل بينهم وبين علماء المنهج السلفي، بعد تشويه صورتهم بالطعون الفاجرة.
جـ ـ اعتماده على التجسس، فالإخوان المسلمون وإن كانت لهم شبكات تجسس واسعة على أهل الحديث والسلفيين إلا أنهم يعجزون تمام العجز عن اكتشاف أسرار الأعداء وإحباط خططهم، وواقعهم في مصر وسورية والعراق أكبر شاهد على ذلك.
د ـ أنه يعتمد على أخبار الصحف والمجلات التي تحترف الكذب، وعلى المذكرات السياسية التي يكتبها الشيوعيون واليهود والنصارى والعلمانيون والميكافيليون وغيرهم من شياطين السياسة الماكرة، الذين من أكبر أهدافهم تضليل المسلمين ومخادعتهم واستدراجهم إلى بناء خطط فاشلة على المعلومات التي يقدّمونها.
هـ ـ من أركان هذا الفقه المزعوم التحليلات السياسية الكاذبة الفاشلة، وقد أظهر الله كذبها وفشلها، ولا سيما في أزمة الخليج.
و ـ أنه يقوم على تحريف نصوص القرآن والسنة، ويقوم على تحريف كلام ابن القيم في فقه الواقع.
ص ـ قيامه على الجهل والهوى حيث ترى أهله يرمون من لا يهتم بهذا الفقه بالعلمنة الفكرية والعلمية، وهذا غلو فظيع قائم على الجهل بالفرق بين فروض الكفايات وفروض الأعيان، لو سلمنا جدلا أن هذا الفقه الوهمي من فروض الكفايات.
ح ـ يرتكز هذا العلم المفتعل على المبالغات والتهويل، حيث جُعلت علوم الشريعة والتاريخ من مقوماته، فأين جهابذة العلماء وعباقرتهم عن هذا العلم وعن التأليف والتدريس فيه والإشادة به والتخصص فيه وإنشاء الجامعات أو على الأقل أقسام التخصص فيه؟!
ط ـ ولما كان هذا الفقه بهذه الصفات الذميمة لم ينشأ عنه إلا الخيال والدواهي من الآثار، فمن آثاره تفريق شباب الأمة وغرس الأحقاد والأخلاق الفاسدة في أنصاره، من بهْت الأبرياء والتكذيب بالصدق وخذلانه وخذلان أهله، والتصديق بالكذب والترّهات، وإشاعة ذلك، والإرجاف في صورة موجات عاتية، تتحوّل إلى طوفان من الفتن التي ما تركت بيت حجر أو مدر أو وبر إلا دخلته.
أما فقه الواقع الذي يحتفي به علماء الإسلام، ومنهم ابن القيم، والسياسة الإسلامية العادلة، فمرحبا بهما وعلى الرأس والعين، وإن جهلهما وتنكَّر لهما الإخوان المسلمون ... ".
‏متفقهون حول الواقع لا يفقهون الواقع
أنقل هنا كلمات بحذافيرها من أشرطة مسموعة لدعاة تحدّثوا عن القضيّة السياسية الدّعوية التي بالجزائر، وهم ككثير من الشباب المتحمّس يوجِبُون بلا هوادة التفقّه في الواقع ويَنْعَون على غيرهم ـ خاصة من أهل العلم الكبار كالشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين ـ جهلهم بالواقع، وقد رأيت أنهم أحقّ بهذا النعي؛ لأنهم نقلوا واقعاً مشوّهاً غير صحيح.
هذا عن الجزائر فقط دون متابعتهم في أخبار غيرها، ونحن نعيش في الجزائر نسمع من أشرطتهم غير مانرى، وقد اتصلنا ببعضهم مراراً وأبلغناهم أخطاءهم دون فضحهم، فلم نجد منهم تجاوباً، فقلنا: لعلّنا مجهولون عندهم، وهم على طريقة أهل الحديث في عدم قبول خبر المجهول، ولهم في ذلك كل الحق لأنّه عنوان التّحريّ لولا أنّنا وجدناهم يعتمدون أخبار الكفار بالتجري! مع أنّ الكافر شرّ من مجهول المسلمين بلا ريب، وهم يناشدون الخلق على أن يأخذوا بمنهج الموازنة بين المنقبة والعيب!
على كل حال فإنّ كاتب هذه السّطور حاول الاتّصال بالدكتور سفر الحوالي مراراً، أقلّها ثلاث مرّات! وفي كلها يعتذر بكثرة الأشغال مع ضيق الوقت ـ أعانه الله على طاعته، لكن قد وصل إليه غيري ممن نعرفه ويعرفه، فأفاده ما في نفسي وزاد وأجاد، فحمدت الله على بلوغ المراد، ووعد الدكتور ألاّ يعتمد مستقبلاً إلا على هذا المصدر الموثوق، لكن لم يطل الزّمن حتى عادت ( حليمة إلى عادتها القديمة! )، فرابني أمرُه وأمرُ جماعته لأنّ مثل هذا التصلّب في الباطل عرفناه مِمَن أخبارُهم لا تنبع من واقعٍ ما بقدر ما هي تنتمي إلى تحزّب ما!!
خاصة وأنهم في كل مرّة يصلون قضيّة الجزائر بقضايا في السّعودية ينكرونها، فيقولون: كيف لا تتجاوب الدولة السّعودية مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي بلغت من الطّهر كذا وكذا، على حين تجاوبها مع الحكومة الجزائرية التي بلغت من الرِّجس كذا وكذا، وربما حكوا أنّ بينهما دعماً ماديّاً، فلم يجدوا سبيلا إلى الإنكار على دولتهم إلا باستغلال قضايا العالم كواسطة، ومنها اضطرّوا إلى تحجيم الحق الذي لدى جبهة الإنقاذ، وتقليص باطلها، بل الغضّ منه! كما ستقرؤه هنا وإليكم فقه الواقع!

يتبع


التعديل الأخير تم بواسطة أحمد سالم ; 23 Jul 2010 الساعة 05:00 AM
رد مع اقتباس