الموضوع: فاصلة مهمة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17 Dec 2017, 08:06 PM
عبد الباسط لهويمل عبد الباسط لهويمل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: الجزائر
المشاركات: 96
افتراضي فاصلة مهمة



الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أما بعد :

فإنّا مُتعبدون بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وهذه العبادة هي غاية الخلق و عليها المساءلة والحساب في العاقبة والمآل ؛ ولله ورسوله السمع والطاعة المُطلقة ، وليس لأحد أن يطاع كطاعة الله أو أنبيائه عليهم السلام ، إنما يطاع من سواهم من الأمراء والعلماء فيما يكون من طاعة لله ورسوله ، فهي طاعة نسبية ، فلا طاعة في معصية ، المقصود أن محاورة العلماء والردّ عليهم أمرٌ مكفول لكلِّ متأهلٍ علما وأدبا ، وهما وصفان جامعان مانعان ؛ فلم يزل العلماء في الأولين والأخرين يردُّ بعضهم على بعض ، ويراجع بعضهم بعضا في المسائل والدلائل ؛ ولا يخدش فعلهم ذلك مودةً كانت بينهم مصقولة ، ولا يقطع صلات كانت بينهم موصولة ، بل ما كانوا يرون الإعتراض على بعضهم بالشرط المذكور مما يزري بالمُعترضِ عليه ؛ إذ كلٌّ يطلبُ لإعلاء كلمة الدين وإظهار شعائره ، وترسيخ رسومه ، يجتهد في ذلك وسعه ؛ ولا ينقص من منزلته أن يظهر الصواب في جهة قرينه ؛ بل يسعدُ لإستبانة جادة الصواب على لسان خصيمه كما كان يقول الإمام الشافعي ؛ وقبله الإمام أبي حنيفة ومالك ، وبعدهم إمام السُّنة أحمد بن حنبل الشيباني ؛ وكذا نحا نحوهم كل من جاء بعدهم من أصحابهم الربانيين ؛ والغرض من هذه الكليمة أن لا يُظَّن أحدٌ بأوليِ العلم والإيمان من المُعلمين والمُتعلمين أنهم يدعون إلى تقديس شخوصهم وإحاطة أحدٍ من غير الأنبياء بهالات العصمة ؛ لكن لكل أمرٍ بابٌ يؤتى منه كما قال الشاعر :
إذا ما أتيتَ الأمر من غير بابه *** ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتدي
وقد بلينا بنابتة ظهرت لهذا العهد ؛ هي على صنفين متشاكسين :
- صنف يدعو إلى تقديسِ الرجال ولا يُعذر في أن يعترض عليهم بحرفٍ وإن كان الإعتراض مما يزينُ المُعترضَ والمعترض عليه ، ويظهر فضل العلم وأهله صغروا أم كبروا ؛ وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان ؛ وغالب هؤلاء يكونون من العامّة أو أنصاف المُتعلمين الذين لم تثبت لهم قدم في العلم ، ولم تزل مداركهم متلبّسة بشىء من الإنقباض ، وإلا فمتى يخالط العلم عقولهم تتسع مداركهم وتتفتق أذهانهم .
- أما الصنف الآخر فهم على خلاف الفريق الأوّل ، فهم دعاةٌ إلى غمط حق العلماء وتسفيه أقوالهم ، ومناقضة أحكامهم ، ومعارضة تصانيفهم ؛ ما أسقطهم على الهنات، ولا يعذرون على خطإ وارد ، أو نسيان عارض ، ولا يحفظون منزلة عالم متقدما كان أو متأخرا ؛ ويحقرون كل من احتجّ بمقالة أحدٍ من العلماء وإن كانت مواطئة للحق ؛ وقد تراهم يمجدون من العلماء من كان موافقا لمذهبهم ، وآرائهم ،وإن كان ذلك مخالفا للحق ؛ وغالب هؤلاء ممن استغنى بالكِتابِ عن مجالسِ العلم والكُتَّاب ؛ وهو في أصناف المُتعلمين والكُتاب مخصوص ؛ أورثهم التفرد بالكتبِ عن العلماء غلظةً ، وجفوة ، كما أورثهم التفردُ في الرأي وعدم المذاكرة الإعتداد بالنفس والعناد ، وقلما تجدهم يسلمون لمناظرهم ومخاصمهم في الحجة وإن صحّت من كل وجه ؛ فاللجاج هو مُعتمدهم الأوفر ، والظفر لمن احتجّ لا لمن لجّ كما جاء في منثور الحكم .


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الباسط لهويمل ; 18 Dec 2017 الساعة 06:56 PM
رد مع اقتباس