عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 24 Dec 2014, 07:06 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي


جزاك الله خيرا و بارك فيك
أخي خالد.
و حفظ الله ووفق الشيخ فركوس و جميع مشايخنا .


أنقل للمناسبة موضوع أخينا بارك الله فيه
سيدهم حسين
و أحسن الله اليه


سب الدين في حال الغضب ومراتب الغضب
الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله
يقول سائل: إذا غضب شخص واشتد به الغضب، وحصل منه سبٌّ للدين. فما حكمه؟ وإن كان متزوجاً فما حكم زوجته منه إذا كان بهذا قد خرج عن الإسلام؟


هذه مسألة عظيمة ولها شأن خطير، فسبّ الدين من أعظم الكبائر والنواقض للإسلام، فإن سبّ الدين ردّة عند جميع أهل العلم، وهو شر من الاستهزاء، قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[1].
وكانت جارية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تسبّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقتلها سيدُها لما لم تتب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا اشهدوا إن دمها هدر))[2].
فسبّ الدين يوجب الردة عن الإسلام، وسبّ الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك يوجب الردة عن الإسلام، ويكون صاحبه مُهْدَر الدم، وماله لبيت المال، لكونه مرتداً أتى بناقض من نواقض الإسلام، لكن إذا كان عن شدة غضب واختلال عقل فله حكم آخر.
والغضب عند أهل العلم له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يشتد غضبه حتى يفقد عقله، وحتى لا يبقى معه تمييز من شدة الغضب. فهذا حكمه حكم المجانين والمعاتية؛ لا يترتب على كلامه حكم؛ لا طلاقه، ولا سبّه، ولا غير ذلك، ويكون كالمجنون لا يترتب عليه حكم.
المرتبة الثانية: دون ذلك، أن يشتد معه الغضب ويغلب عليه الغضب جدًّا حتى يغير فكره، وحتى لا يضبط نفسه ويستولي عليه استيلاءً كاملاً، حتى يصير كالمكره والمدفوع الذي لا يستطيع التخلص مما في نفسه، لكنه دون الأول، فلم يَزُلْ شعوره بالكيلة، ولم يفقد عقله بالكلية، لكن معه شدة غضب بأسباب المسابة والمخاصمة والنزاع بينه وبين بعض الناس كأهله أو زوجته أو ابنه أو أميره أو غير ذلك.
فهذا اختلف فيه العلماء؛ فمنهم من قال: حكمه حكم الصاحي وحكم العاقل؛فتنفذ فيه الأحكام، فيقع طلاقه، ويرتد بسبّه الدين، ويحكم بقتله ورِدَّته، ويُفرَّق بينه وبين زوجته.
ومنهم من قال: يُلحق بالأول الذي فقد عقله؛ لأنه أقرب إليه، ولأن مثله مدفوع مكره إلى النطق، لا يستطيع التخلص من ذلك لشدة الغضب.
وهذا قول أظهر وأقرب، وأن حكمه حكم من فقد عقله في هذا المعنى، أي في عدم وقوع طلاقه، وفي عدم ردْته؛ لأنه يشبه فاقد الشعور بسبب شدة غضبه واستيلاء سلطان الغضب عليه حتى لم يتمكن من التخلص من ذلك.
واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم، وجاء وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه من شدة الغضب، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح، ولا بجر أخيه هارون وهو نبي مثله، ولو ألقاها تهاوناًَ بها وهو يعقل لكان هذا عظيماً، ولو جرَّ إنسان النبي بلحيته أو رأسه وآذاه لصار هذا كفراًَ.
لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم لله عزَّ وجلَّ على ما جرى من قومه سامحه الله، ولم يؤاخذه بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه.
هذه من حجج الذين قالوا: إن طلاق هذا الذي اشتد به الغضب لا يقع، وهكذا سبّه لا تقع به ردّة، وهو قول قوي وظاهر، وله حجج أخرى كثيرة بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والعلامة ابن القيم، واختار هذا القول.
وهذا القول أرجح عندي وهو الذي أُفتي به؛ لأن من اشتد غضبه ينغلق عليه قصده، ويشبه المجنون بتصرفاته وكلامه القبيح، فهو أقرب إلى المنجون والمعتوه منه إلى العاقل السليم، وهذا قول أظهر وأقوى.
ولكن لا مانع من كونه يُؤدَّب بعض الأدب إذا فعل شيئاً من أسباب الردّة أو من وجوه الردّة، وذلك من باب الحيطة، ومن باب الحذر من التساهل بهذا الأمر، أو وقوعه منه مرة أخرى إذا أدَّب بالضرب أو بالسجن أو نحو ذلك، وهذا قد يكون فيه مصلحة كبيرة، لكن لا يحكم عليه بحكم المرتدين من أجل ما أصابه من شدة الغضب التي تشبه حال الجنون، والله المستعان.ُ
المرتبة الثالثة: فهو الغضب العادي، الذي لا يزول معه العقل، ولا يكون معه شدة تضيِّق عليه الخناق، وتفقده ضبط نفسه، بل هو دون ذلك، غضب عادي يتكدّر ويغضب، ولكنه سليم العقل سليم والتصرف.
فهذا عند أهل العلم تقع تصرفاته، ويقع بيعه وشراؤه وطلاقه وغير ذلك؛لأن غضبه خفيف لا يغير عليه قصده ولا قلبه. والله أعلم.
[1] سورة التوبة الآية 65،66.
[2]رواه أبو داود: كتاب: الحدود، باب: الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (4361)، والنسائي: كتاب: تحريم الدم، باب: الحكم فيمن سب النبي – صلى الله عليه وسلم-، رقم (4070).
فتاوى نور على الدرب المجلد الأول



سُئل الشيخ العلامة العثيمين رحمه الله :
شيخنا: ما حكم من سب الدين والرب وذلك إذا نشأ بين قوم قد اعتادوا هذا الأمر في ساعة غضب، وكذلك كيف تكون معاملته إذا كان يعتقد نفسه مسلماً؟ الجواب: قال أهل العلم: من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو كافر جاداً أو لاعباً، واستدلوا بقول الله تعالى عن المنافقين الذين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] وجاء رجل منهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنما كنا نتحدث حديث الركب، لنقطع به عنا الطريق، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول له: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]. أما إذا قالها عند غضب شديد بحيث لا يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول (2) ، ولهذا لو طلق الإنسان زوجته في غضب شديد لا يملك نفسه عنده فإن زوجته لا تطلق؛ لأنه لم يرد طلاقها، وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث عن فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة العبد، وأنه أشد فرحاً بذلك من رجل كان في السفر ومع بعيره عليها طعامه وشرابه، فضلت عنه، فطلبها ولم يجدها، فنام تحت شجرة ينتظر الموت، ما بقي عليه إلا أن يموت، فإذا بخطام الناقة متعلقاً بالشجرة، فأخذه وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) يريد أن يقول: أنت ربي وأنا عبدك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخطأ من شدة الفرح) ولم يقل: هذا كافر..فالمهم أن من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جاداً كان أو هازلاً فهو كافر. أما من فعل ذلك غاضباً وهو لم يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون، ولكن ينبغي عليه إذا أفاق وذهب عنه الغضب أن يراجع نفسه ويستغفر الله تعالى ويطهر لسانه من هذا الشيء القبيح. ويتعود ذكر الله تعالى والثناء عليه، فإذا تعود لسانه ذلك فإنه لن ينطق بالسباب ولو عند الغضب." اهـ

"لقاءات الباب المفتوح" للعلامة العثيمين رحمه الله طبعة مكتب دار البصيرة بالإسكندرية ، اللقاء الرابع والستون سؤال رقم 1458 صحيفة رقم 405 ، 406 ، 407.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو إكرام وليد فتحون ; 24 Dec 2014 الساعة 09:12 PM
رد مع اقتباس