قوله تعالى: "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشوة ولهم عذاب عظيم (7)".
1- القلب في الأصل: مصدر قلبت الشئ أقلبه قلبا إذا رددته على بداءته.وقلبت الإناء: رددته على وجهه.ثم نقل هذا اللفظ فسمي به هذا العضو الذي هو أشرف الحيوان، لسرعة الخواطر إليه، ولترددها عليه، كما قال الأحوص:
ما سمي القلب إلا من تقلبه *** فاحذر على القلب من قلبٍ وتحويلِ
وفي "ديوانه" شطره الثاني بلفظ:
................. *** والرأي يصرف والأهواء أطوار
ويروى: "والإنسان أطوار".
وفي اللسان شطره الثاني بلفظ:
.............. *** والرأي يصرفُ بالإنسان أطوارَا
2- إن قال قائل: لم جمع الأبصار ووحد السَّمع ؟ قيل له: إنما وحده لأنه مصدر يقع للقليل والكثير يقال: سمعت الشئ أسمعه سمْعا وسماعا، فالسمع مصدر سمعت، والسمع – أيضا - اسم للجارحة المسموع بها سميت بالمصدر.
وقيل: إنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة، كما قال علقمة الفحل:
بها جيف الحسرى فأما عظامها *** فبيض وأما جلدها فصليب
إنما يريد جلودها فوحد، لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد.
وقال المسيب بن زيد مناة في مثله:
لا تُنكر القتل وقد سُبينا *** في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
يريد في حلوقكم.
ومثله قول الفرزدق:
كأنَّه وجهُ تركِيَّيْن قد غضبا *** مستهدِف لطعان غير تذبيب
ويروى: "غير منحجر".
وإنما يريد وجهين، فقال: "وجهُ تركِيَّين"، لأنه قد علم أنه لا يكون للاثنين وجه واحد، ومثله كثير جدا.
وقد يكون السمع بمعنى الاستماع، يقال: سمعَك حديثي - أي استماعك إلى حديثي - يعجبني، ومنه قول ذي الرُّمَّة يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلاب:
وقد توجَّس رِكْزا مُقفِر نَدُسٌ *** بنَبْأَةٍ الصوت ما في سمعه كذب
أي: ما في استماعه كذب، أي هو صادق الاستماع، والنَّدُسُ: الحاذق، والنبأة: الصوت الخفي، وكذلك الرِّكز.
3- والغشاء: الغطاء ومنه غاشية السِّرج، وغشيت الشئ أُغشِّيه. قال النابغة:
هلا سألتِ بنى ذِبيان: ما حسبي؟ *** إذا الدُّخان تغشَّى الأشمطَ البَرَما
وقال الحارث بن خالد بن العاص المخزومي :
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة *** فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
قال ابن كيسان: فإن جمعت غشاوة قلت: غشاء بحذف الهاء. وحكى الفراء: غَشاوَى مثل أَداوَى. وقرئ: " غشاوةً " بالنصب على معنى: وجعل، فيكون من باب قوله:
علفتها تبنا وماء باردا *** حتى شتت همَّالةً عيناها
المعنى: وأسقيتها ماء.
وقول عبد الله بن الزِّبعرى:
يا ليت زوجَكِ قد غدا *** متقلدا سيفا ورمحا
المعنى: وحاملا رمحا، لأن الرمح لا يُتقلَّد.
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 06 Feb 2014 الساعة 04:06 PM
|