عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 21 Jul 2017, 12:46 AM
عبد الباسط لهويمل عبد الباسط لهويمل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: الجزائر
المشاركات: 96
افتراضي

روى الرامهرمزي في كتابه المحدث الفـــاصل عن شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ فِي جَنَازَةٍ ، وَكُنَّا عَلَى بَرَاذِينَ لَنَا هَمَالِيجٌ وَهُوَ عَلَى قَطُوفٍ ، فَنَادَانَا قِفُوا ، فَوَقَفْنَا ، فَقَالَ : كَانَ يُقَالُ : " صَاحِبُ الدَّابَّةِ الْقَطُوفِ أَمِيرٌ عَلَى أَصْحَابِ الْهَمَالِيجِ ، يَسِيرُونَ بِسَيْرِهِ ، وَيَقِفُونَ بِوُقُوفِهِ " ,

صاحب الدابة القطوف أمير على أصحاب المهاليج(1)


بادىء ذي بدء لا يَسعني إلا الإقرار بقلّة بِضاعتي وكسادها في مجال البيان والتبيين ، وفي ميدان العلم والتحرير ، ولست في كل ذلك في عير ولا نفير، وإنما نحن نستظل بفيء الأئمة الأعلام من ذوي الأحلام والنُّهى ممن يتبعون نهج السلف الصالحين ومن شاكلهم حذو النَّعل بالنّعل ، واتخذهم المثال المحتذى والآسوة الحَسنة ، ولا يمنع القصور عن بلوغ مدارج القومِ أوإستحقاق مقاماتهم أن نحبهم ونكون ممن نرجو بذلك الأجر والثواب والصحبة الصالحة ، وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال متى الساعة قال وماذا أعددت لها قال لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال أنت مع من أحببت
المقصود أني قبل أيام كنتُ أفكر فيِ مقال أخينا أبي معاذ المقال الذي نعته غير مرّة بالفذّ وكان حقيقا بذلك الإسم ، لأمور كثيرة منها :
تذكرة للمُنتهيِ وتبصرةٌ للمبتدي ، وهي دعوةٌ للإرتباط بالمبادىء السلفية في أصولها وفروعها في الأخذ والطلب وفي الدعوة والتبليغ ، ومع ذلك فقد حرك الكوامن وآثار الدفائن المردومة التي كانت تحت ركام من الجهل المركب والبسيط ،
وكان قد جاء في مقالة صحيح المسار توصيات ونصائح لكتاب وملازمي وسائل التواصل الإلكتروني من العوام ، حثهم فيها على طلب العلمِ من مظانه المعلومة المقرّرة ، ونصحهم بآداء الأمانة بنقل أقوال العلماء دون تحريف أو تصريف ، وردُّ كل مسألة نازلةٍ إلى عهدة العلماء الّذين هم المُخوّلون للنظر في النَّوازل وغيرها من المسّائل الخفية والجليّة على العموم ، وعدم التَّقول على العلماء بغير علم ، فضلا على التقوّل على الله ورسوله رجما بالغيّب بغير هدىً ولا كتاب منير ، وهذا المطلبُ قد جمع بين حَسَنتَين كَبيرتين ألا وهما :
1) عدم كتمان العلم وبيانه للنّاس وفي هذا واجب التبليغ ، ويستوجب ذلك أن يؤدي كما سمع وإن كان ينقل بالمعنى فيتوجب عليه أن يكون عالما بما يحيل المعاني وإلا فالأولى أن يؤدي ما سمع وما وَجدَ على وجهه؛ والحمد لله اليوم خدمة النسخ واللصق متاحة ودانية أيما دنوّ.
2) عدم التكلم بغير علم في دين الله وإن عُلِمَ حسن قصده فإن المقاصد في هذا الباب لا تكفي بل يتوجب سلامة وحسن الوسائط ، ولا نكون مكيافليين شعارهم الغاية تبرر الوسيلة ، وقد قال بعض السلف كم من مريد للخير لن يصيبه .
3) وقد عُلم أن أسباب الفساد والإبتداع والخروج عن القصد والوسطية تكمن في هذين الأصلين الخطيرين ؛ فضلال اليهود من كتمان العلم وتلبيس الحق بالباطل ، وضلال النصارى من التقول والتكلم في دين الله بغير علم إتباعا للأهواء والأذواق والإستحسانات الباطلة الفاسدة، وقد أخبر الشارع صلى الله عليه وسلم أن في هذه الأمة من يتبع هذين الملتين حذو القذة بالقذة فيِ أصل فسادهم على الإجمال والتفصيل كما في حديث الإفتراق المشهور .
فلما خرج مقال أخينا أبي معاذ في هذا الوقت شَرِق به صِنفان من النّاس لا ثالث لهما في ما أعتقد صنفٌ من الذين علمهُ دونَ قصده بمفاوز ، وهذه صفة يكون عليها أهل الجهل الذين يبيّتون مقاصد طيبة لكن تعوزهم الوسائط اللازمة لتحقيق تلك المقاصد ؛ وأعظم ما يعوزهم في ذلك العلم والخبرة بالمعلوم ، وقد شهد العقلاء على هذا الصنف فئاما كثيرة ممن يظنُ أنه إذا ضبط مسألة أو مسألتين ، وحفظه بعض المتون ، وجالس بعض الفضلاء من أهل العلم وطلبته فيستغني بما حصّل واكتسب ، ويتوهم بذلك أنه قد أصبح مؤهلا ومخولا لأن يتكلم في دين الله كيفما شاء ولا معقب لحكمهِ ؛ وهؤلاء فيهم شَبهٌ بمن ذم الله تعالى في كتابه ووصفهم بالضآلين . وهذا الصنف يُعَلّم حتى يجاوز مرحلة أبي شبر والحَبل الكاذب ، والتَشّبع الوهميِ .
أما الصنف الآخر فهم الطابور الخامس أهل الإلتباس والتقيّة الذين ينضوون تحت السلفية وأعلامها ويظهرون الموافقة ويبطنون الكيد والمخالفة والمكر لهذه الدعوة ، وما أكثرهم ، فإنهم يظهرون إذا قويت شوكة أهل الحق فيتلبسون بسمتهم ويلوكون قولهم في الظاهر بينا في الخفاء يسعون سعيهم لتدمير هذه الدعوة بإشاعة الأكاذيب والأراجيف في حق علمائها وطلاب العلم المُبَرزين فيها ، سعيا بالنميمة وبغية إلقاء العداوة والبغضاء بين السلفيّين .
وكلما أرادوا فتنة أركسهم الله تعالى ورد كيدهم في خندقهم ، ولا يخفون إن شاء الله على علماء أهل السُّنة والجماعة ورثة الأنبياء ؛ وهم لهم بالمرصاد .
وهؤلاء يستعملون التقيّة والتّلون وفيهم خصال كثيرة من خصال النِفاق كالكذب والخيانة ، فلا تجدهم يعلنون بغضهم وكراهيتهم لما يقوم به السلفيون ولكن يلجؤون إلى التعريض وإستعمال الأساليب الملتوية ، ومع ذلك فإن الله يكشفهم ويظهر ذلك في فلتات ألسنتهم ولحونهم كما قال الشاعر :
مَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ, وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ.
المقصود أن الأصوات التي ضجرت وضجّت من مقال أخينا أبي معاذ –حفظه الله تعالى – إنما هما أحد الضربين إما إنسان جاهل عقله دون علمه وخفته أكبر من علمه .
وإما إنسان مندس يعلم فحوى المقال ، ويفقه المراد ، ولكن يعاند مكرا وظلما سعاية للإفساد بين الصف الواحد ؛ وهذا خطره أكبر ، ولا ينتفع هذا بالنصح ولا بالموعظ حتى يتخلص ويتطهر من الأخلاط الفاسدة التي تمنع وصول العلم النافع إليه فهو كحال المريض الذي لا ينتفع بالغذاء النافع حتى يتخلص من الأخلاط الفاسدة.
ثم هل يضرُّ العاقل إذا نوصح بأن لا يتكلم فيما لا علم له به ، وأن يرجع في ما يلتبس عليه وما يعرض له من الأمور والمسائل إلى العلماء المشهود لهم بالعلم والنصح والإستقامة ؛ فهل في هذا ما يضرُّ وَ يؤذي ؟
وليس في النصيحة ما يحجر على النّاس نقل أقوال العلماء وبثها بين النّاس شرط أن يؤدي كما سمع ولا يحيل المعاني أو يبدلها أو يُسقط حكما عاما على خاص ، أو يسقط حكما بالوصف على التعيين ، كما لا يشتغل بوظائف المجتهدين فلا يجمع ولا يميز بين المتماثلات والمختلفات أويرجح هذا عن ذاك ؛ فإنه إن فعل ذلك يخرج من حدِّ كونه عاميّا إلى مُجتهد ، وهذا كان يكون جائزا في حقه له لو كان يمتلك الأهلية لذلك ، فكيف وهو يقرُّ أنه عاميُّ يحبُ العلماء ويكرر ذلك ويلتزمه هجيّراه .(؟)
فإن دعوة أهل السُّنة والجماعة مؤسسة على العلم والعدل والرفق والصبر في بيان مسائل الديانة وفك الإشتباه الذي قد يطرأ عليها من قبل المُحْدِثِين المبَدلينَ والمؤَوِليين ؛ وكثير من العوام يخوض في مسائل التَبديع والتَفسيق بل حتى التَكفير من غير أن يكون مؤَهلاً لذلك ، وَيحسب أن الأمر كله ما دام ضد أهل الأهواء فإن كل الوسائل مُباحة ولا حرمة لمُبتدع ، فَيسبُّ وَتُهدرُ كرامتهُ وينتهك عرضه ويوصفُ بأقبحِ الأوصاف ، كالكلبِ والخنزير والديوث وغير ذلك ، ومنهم من يلعنُ على التَعيين ويرى ذلك جائزا بما أن الملعون من أهل الخلاف والشِقاق ، والأمر إن ترك لهؤلاء كان الفساد عائدا في الأصل على أهل العلم والبيان المخولين في بيان العلم الإلهي عند إلتباس الأمور ؛ مع التأكيد أن المنع المشار إليه هو لمن كان ليس مؤهلا للفتوى والتكلم بإسم العلماء ، أما من كان يؤدي عن العلماء كما سمع منهم وينشر ذلك في وسائل التواصل الإجتماعي من غير تحريف ولا تصريف للكلام فهذا يكون ممدوحا فعله ، وكذلك من كان مؤهلا في بيان ما يشتبه من الأمور مع مراجعة ذلك مع أولي العلم والنُهى ، فالأمر إن خرج عن القصد ضلَّ وَضاع ، وخير الأمور أوساطها ، والذي يعترف ويقرُّ أنه من العوام كيف يضيق صدره حرجا إذا نوصح أو صُحِح له خطؤه على منارة الحجة والبرهان؛ ولكن عند المحن تظهر كمائن القلوب كما قال بعض السلف
--------
(1)الهملاج من البراذين واحد الهماليج ومشيها الهملجة ، فارسي معرب والهملجة والهملاج حسن سير الدابة في سرعة ، والهملاج الحسن السير في سرعة وبخترة انظر لسان العرب جـ3/217
القطوف من الدواب البطىء انظر لسان العرب جـ11/193
والقصد أن الهملجة مظنة العجلة والخفة والقطوف مظنة التريث والآناة وهذا مثل بين العلماء والعامة


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الباسط لهويمل ; 21 Jul 2017 الساعة 02:19 AM
رد مع اقتباس