عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22 Apr 2014, 11:25 PM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي خبر عجيب وغريب ومعناه إلى الحقِّ قريب

خبر عجيب ومعناه إلى الحقِّ قريب:
روى الدارمي أبو محمد في "مسنده": أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عمر بن الكُمَيت قال: حدثنا على بن وهب الهمداني قال: أخبرنا الضحاك بن موسى قال: مرَّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة - وهو يريد مكة - فأقام بها أياما فقال: هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا له: أبو حازم (1)، فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء ؟ قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين وأيُّ جفاء رأيت منِّي ؟ قال: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني ! قال: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك ! قال: فالتفت إلى محمد ابن شهاب الزُّهري فقال: أصاب الشيخ وأخطأت.
قال سليمان: يا أبا حازم ما لنا نكره الموتَ ؟ قال: لأنَّكم أخرَبْتم الآخرةَ وعمرتُم الدُّنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال: أصبت يا أبا حازم، فكيف القُدوم غدًا على الله تعالى ؟ قال: أمَّا المُحْسِن فكالغائب يقدُم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان وقال: ليت شعري ! ما لنا عند الله ؟ قال: اعرِض عملَك على كتاب الله، قال: وأي مكان أجده ؟ قال: " إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)" (2).
قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم ؟ قال أبو حازم: رحمة الله قريب من المحسنين، قال له سليمان: يا أبا حازم فأيُّ عباد الله أكرم ؟ قال: أولو المروءة والنُّهى، قال له سليمان: فأيُّ الأعمال أفضل ؟ قال أبو حازم: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم، قال سليمان: فأي الدعاء أسمع ؟ قال: دعاء المحسَن إليه للمحسِن، فقال: أيُّ الصدقة أفضل ؟ قال: للسائل البائس وجهد المُقِلِّ ليس فيها منٌّ ولا أذى، قال: فأيُّ القول أعدل ؟ قال: قول الحقِّ عند من تخافه أو ترجوه، قال: فأيُّ المؤمنين أكيَس ؟ قال: رجل عمل بطاعة الله ودلَّ النَّاس عليها، قال: فأيُّ المؤمنين أحمق ؟ قال: رجل انحطَّ في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرتَه بدنيا غيره، قال له سليمان: أصبت فما تقول فيما نحن فيه ؟ قال: يا أمير المؤمنين أوَ تعفيني ؟ قال له سليمان: لا ! ولكن نصيحة تلقيها إلي، قال: يا أمير المؤمنين إنَّ آباءك قهروا الناس بالسَّيف وأخذوا هذا الملك عُنْوَة على غير مشورة من المسلمين ولا رضاهم حتَّى قتلوا منهم مقتلة عظيمة فقد ارتحلوا عنها فلو شعرت ما قالوه وما قيل لهم، فقال له رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم ! قال أبو حازم: كذبت إنَّ الله أخذ ميثاق العلماء ليبيِّنُنَّه للنَّاس ولا يكتمونه، قال له سليمان: فكيف لنا أن نصلح ؟ قال: تدعون الصَّلَف (3) وتَمَسَّكون بالمروءة وتَقسِمون بالسَّويَّة، قال له سليمان: فكيف لنا بالمأخَذ به ؟ قال أبو حازم: تأخذه من حِلِّه وتضعه في أهله، قال له سليمان: هل لك يا أبا حازم أن تصحبَنا فتصيب منَّا ونُصيبَ منك ؟ قال: أعوذ بالله ! قال له سليمان: ولم ذاك ؟ قال: أخشى أن أركَن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات، قال له سليمان: ارفع إلينا حوائجك، قال: تنجيني من النَّار وتدخلني الجنَّة، قال له سليمان: ليس ذاك إليَّ ! قال له أبو حازم: فما لي إليك حاجة غيرها، قال: فادع لي، قال أبو حازم: اللَّهم إن كان سليمان وليُّك فيسِّره لخير الدُّنيا والآخرة، وإن كان عدوَّك فخذْ بناصيته إلى ما تحبُّ وترضى، قال له سليمان: قَطّ! قال أبو حازم: قد أوجزتُ وأكثرتُ إن كنتَ من أهله وإن لم تكن من أهله فما ينبغي أن أرمي عن قوس ليس لها وَتَر، قال له سليمان: أوصني، قال: سأوصيك وأُوجِزُ: عظِّمْ ربَّك ونزِّهْهُ أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك.
فلما خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار، وكتب إليه: أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير، قال: فردَّها عليه وكتب إليه: يا أمير المزمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إيَّاي هّزْلا أو ردِّي عليك بَذْلًا وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي، إنَّ موسى بنَ عمران لمَّا ورد ماء مدين، وجد عليه رعاءً يسقون، ووجد من دونهم جارِيتَيْن تذودان، فسألهما فقالتا: " لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)" (4)، وذلك أنَّه كان جائعا خائفا لا يأمن، فسأل ربَّه ولم يسأل النَّاس، فلم يفطِن الرِّعاء وفطِنتِ الجارِيتان، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصة وبقوله، قال أبوهما - وهو شعيب عليه السلام -: هذا رجل جائع، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه، فلما أتته عظَّمته وغطَّتْ وجهها، وقالت: إنَّ أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فشقَّ على موسى حين ذكرتْ " أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا"، ولم يجد بُدًّا من أن يتبعها لأنَّه كان بين الجبال جائعا مستوحشا.
فلما تبعها هبَّتْ الرِّيح فجعلت تصْفِق ثيابها على ظهرها، فتصف له عَجِيزتَها - وكانت ذاتَ عَجُز - وجعل موسى يُعْرض مرة ويَغُضُّ أخرى، فلما عِيْلَ صبره ناداها: يا أمَةَ الله كوني خلفي وأريني السَّمْتَ (5) بقولك.
فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيَّأ، فقال له شعيب: اجلس يا شابُّ فتعشَّ، فقال له موسى - عليه السلام -: أعوذ بالله ! فقال له شعيب: لمَ ؟ أما أنت جائع ؟ قال: بلى ولكنِّي أخاف أن يكون هذا عِوَضًا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بمل ء الأرض ذهَبًا، فقال له شعيب: لا يا شابُّ ولكنَّها عادتي وعادةُ آبائي: نَقْري الضَّيف ونُطعم الطعام، فجلس موسى فأكل.
قال أبو حازم: فإن كانت هذه المائةُ دينارٍ عِوضا لما حدَّثْتُ فالمَيْتَةُ والدَّم ولحم الخنْزِير في حالِ الاِضْطِرار أحَلُّ من هذه، وإن كان لِحَقِّ في بيت المال فلي فيها نُظَراء، فإن ساوَيْتَ بيننا، وإلَّا فليس لي فيها حاجةٌ"(6).
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "قلتُ: هكذا يكون الاقتداء بالكتاب والأنبياء، انظروا إلى هذا الإمام الفاضل والحبر العالم كيف لم يأخذ على عمله عوضا ولا على وصيته بدلا، ولا على نصيحته صَفَدا (7) بل بيَّن الحقَّ وصدَع، ولم يلحقه في ذلك خوفٌ ولا فزع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعَنَّ أحدَكم هيبةُ أحدٍ أن يقولَ - أو يقومَ - بالحقِّ حيث كان"(8)، وفي التنزيل: " يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ"(9).

***********************************************
(1): سلمة بن دينار، شيخ المدينة النبوية، الواعظ، قيل: توفي سنة (133 هـ)، سير أعلام النبلاء 6 / 96.
(2): [ الإنفطار: 13 - 14 ].
(3): يعني: مجاوزة قدر الظرف، والادعاء فوق ذلك تكبرًا، مختار الصحاح: (صلف).
(4): [ القصص: 23 - 24 ]
(5): الطريق.
(6): قال محقق "سنن الدارمي" وهو: حسين سليم أسد الداراني (الجزء:1، ص: 504):"إسناده مسلسل بالمجاهيل: محمد بن عمر، وعلي بن وهب، والضحاك بن موسى، ما وجدت لأحدهم ترجمة، وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3 / 234 - 237) من طريق: محمد بن أحمد – أبي يونس المديني – حدثنا أبو الحارث عثمان بن إبراهيم بن أبي غسان، حدثنا عبد الله بن يحي بن أبي كثير، عن أبيه قال: دخل سليمان بن عبد الملك المدينة حاجًّا فقال: ...، وأبو يونس عثمان ما وجدت له ترجمة، ويحي بن أبي كثير لم يدرك سليمان بن عبد الملك، والله أعلم" اهـ.
(7): أي: عطاءً.
(8): قلت: رواه بمعناه الترمذي (2350، مكنز) مطولا، وابن ماجه (4143، مكنز) مختصرا، من طريق: حَمَّادُ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خَطِيبًا فَكَانَ فِيمَا قَالَ: "أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ" قَالَ: فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا، قلت: وعلي بن زيد بن جدعان التيمي البصري: صدوق إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره، وقال شعبة بن الحجاج: كان رفَّاعًا، وقال النسائي: ضعيف، قلت: وأبو نضرة هو المنذر بن مالك العبدي العوقي.ورواه أحمد(11650، مكنز) من طرق وألفاظ كثيرة عن أبي نضرة، ومن طريق الحسن البصري عن أبي سعيد قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنِ الْمُعَلَّى الْقُرْدُوسِىِّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلاَ يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ"، وتابع عليَّ بن زيد عند أحمد كلٌّ من: سليمان التيمي، والمستمر بن الرَّيَّان الإيادي، وقتادة، وأبو مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي القصير، .
(9): [ المائدة: 54 ].


التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 23 Apr 2014 الساعة 12:29 PM
رد مع اقتباس