عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26 Dec 2009, 05:46 PM
رائد علي أبو الكاس رائد علي أبو الكاس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: فلسطين
المشاركات: 90
افتراضي العلـمـاء مـدخـلـهـم نـور و مـخـرجـهـم نـورٌ و هـدايـة

بسم الله الرحمن الرحيم

العلـمـاء مـدخـلـهـم نـور و مـخـرجـهـم نـورٌ و هـدايـة

الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .
إنّ الله عزّ و جلّ رحم هذه الأمة بعلمائها العاملين الربانيين , الذين يحفظون عليها أمر دينها مِنَ الزيادة و النقص ,حتى لا تتخطفها شياطين الإنس و الجن , فتعصِف بهم الشركيات , و الضلالات و الأهواء و المعاصي و المنكرات .
فالعلماء نعمة من نعم الله , لابد أنْ نحافظ عليها , فهم مصابيح الدُجى , و أئمة الهُدى , و حجة الله في أرضه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- :" و مَنْ له في الأمة لسان صدق عام بحيث يُثنى عليه و يُحمد في جماهير أجناس الأمة ,
فهؤلاء أئمة الهدى و مصابيح الدجى "
( مجموع الفتاوى 11/43 )

و هم مَثَلُهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بهم في ظلمات البر و البحر , و هم ورثة الأنبياء , كما قال صلى الله عليه و سلم :
" ... و إنّ العلماء ورثة الأنبياء " أخرجه أبو داود و الترمذي و الحديث حسن .
فهم يصلحون ما أفسد الناس , و يقوِّمون ما اعوج , و لا يخشون أحداً إلا الله , و لا يسكتون عن حق وجب بيانه , و لا عن معصية وجب التحذير منها , و لا يكتمون حكماً شرعياً ثبت حكمه بالدليل الصحيح مِن الكتاب و السنة , ووجودهم في الأمة أمر لازم لابد منه ,
إذ لا سعادة لهم إلا بهم , و الناس في فوضى بدونهم , و لن يُصلحهم إلا هم .
و هم أشد الناس خشيةً لله – عزّ وجلّ - , قال تعالى :" شهدَ اللهُ أنّه لا إله إلا هو و الملائكةُ و أولوا العلم قائماً بالقسط,لا إله إلا هو العزيز الحكيم "

قال الإمام القرطبي – رحمه الله- :" في هذه الآية دليل على فضل العلم و شرف العلماء و فضلهم , فإنّه لو كان أحدٌ أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه و اسم ملائكته كما قرن اسم العلماء"
( الجامع لأحكام القرآن 4/41)

و لهذا أوجب الله طاعتهم بطاعة الله و رسوله , قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم "
قال ابن كثير – رحمه الله - :" و الظاهر و اللهُ أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء و العلماء "
( تفسير القرآن العظيم 1/518)

و أمرنا الله – عز و جل – و رسوله – صلى الله عليه و سلم – بالرجوع إليهم و سؤالهم , قال تعالى :" فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون "
و أخْذ العلم عنهم , قال صلى الله عليه و سلم :" خذوا العلم قبل أنْ يذهب "
رواه الدارمي ( 1/59).

و ذهاب العلم بذهاب العلماء , كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما - :" أتدرون ما ذهاب العلم ؟ قلنا لا , قال : ذهاب العلماء "
رواه الدارمي ( 1/59)
و ذهاب العلماء يترتب عليه : هلاك الناس , عن أبي الجناب – رحمه الله – قال :" سألت سعيد بن جبير , قلت : يا أبا عبد الله , ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا هلك علماؤهم " رواه الدارمي (1/59)

فالمسلمون في حاجة إلى العلماء , و بدونهم سيقعوا في الضلال و الانحراف , فلا حققوا توحيداً لله , و لا عبادة على هدي النبي
– صلى الله عليه و سلم - .

قال الإمام الآجري – رحمه الله - :" فما ظنكم – رحمكم الله – بطريق فيه آفات كثيرة , و يحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء ,
فإنْ لم يكن فيه ضياء و إلا تحيّروا , فقيّض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة و العافية , ثم جاءت طبقات مِن الناس لابد لهم مِن السلوك فيه فسلكوا , فبينما هم كذلك إذ طُفئت المصابيح فبقوا في الظلمة بهم فما ظنكم بهم.
هكذا العلماء في الناس , لا يعلم كثير مِن الناس كيف أداء الفرائض , و لا كيف اجتناب المحارم . و لا كيف يُعبد الله في جميع ما يَعبده به خلقُه إلا ببقاء العلماء , فإذا مات العلماء, تحيّر الناس و دَرَسَ العلم بموتهم و ظهر الجهل "
( أخلاق العلماء ص 96)
قال ميمون بن مهران – رحمه الله - :" العلماء ضالتي في كل بلد , و هم بُغيتي إذا لم أجدهم , وجدتُ صلاح قلبي في مجالسة العلماء "
( جامع بيان العلم و فضله 1/49)
و قال أبو الدرداء – رضي الله عنه - :" مِنْ فقه الرجل ممشاه و مدخله و مخرجه مع أهل العلم "
( المصدر نفسه 1/127)
فهؤلاء العلماء الربانيون الذين سلكوا منهج الأنبياء و الرسل في تعليمهم الناس و دعوتهم , هم الذين يُعلّمون الناس و يُربّونهم على صغار مسائل العلم قبل كباره , و يبدأون بالأهم ثم المهم .
قال ابن عباس – رضي الله عنهما- في قوله تعالى :" و لكن كونوا ربّانيين " , " و كونوا ربانيين حكماء , فقهاء"
( ذكره البخاري في ترجمة باب العلم قبل القول و العمل 1 / 160 )

و قال البخاري – رحمه الله - :" و يقال : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره "
( المصدر نفسه 1 / 160 )
فمثل هؤلاء العلماء لابد أن نضع ثقتنا فيهم , فنحن أحق مِنْ غيرنا على عكس أهل البدع الذين يثقون برؤوسهم و دعاتهم مِنْ غير نكير عليهم " و لا نتّبع زلاّتهم و هفواتهم .
قال الإمام الأوزاعي – رحمه الله - :" مَنْ أخذ بنوادر العلماء خرج مِن الإسلام "
( سير أعلام النبلاء 7 / 125 )

و قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :" مَنْ له علمٌ بالشرع و الواقع يعلم قطعاً أنّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح و آثار حسنة و هو مِن الإسلام و أهله بمكان , و قد تكون منه الهفوة و الزلة هو فيها معذور, بل مأجور لاجتهاده , فلا يجوز أنْ يُتَّبع فيها , و لا يجوز أنْ تُهدر مكانته و منزلته في قلوب المسلمين "
( إعلام الموقعين 3 / 295)
و قال أبو هلال العسكري – رحمه الله - :" و لا يضع من العالم برع في علمه زلة , إنْ كان على سبيل السهو و الإغفال , فإنّه لم يعرُ مِن الخطأ إلا مِنْ عصم اللهُ جلّ ذكره "
( شرح ما يقع من التصحيف ص 6 )
و قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - :" لا ينبغي أنْ يُنسب صاحبها ( أي الزلة ) إلى التقصير , و لا يُشنع عليه بها , و لا يُنتقص مِنْ أجلها , أو يُعتقد فيه المخالفة بحتاً , فإنّ هذا كله خلاف ما يقتضي رتبته في الدين "
( الموافقات 4 / 170 , 171 )
فمثل هؤلاء العلماء الذين وقعوا في زلة أو هفوة عن اجتهاد , لابد مِن نصيحتهم مِن العلماء وفق الأساليب الشرعية , حفاظاً عليهم مِن الاستمرار في الخطأ , و تحقيقاً للمصلحة و النصيحة , أما الجاهل الذي لا يعرف خطأ نفسه , فكيف يعرف خطأ العالم , و هذه فتنة العصر مِنْ حدثاء الأسنان , سفهاء الأحلام .
و علينا نحن الطلاب أنْ نلتمس لهم العذر ,و إحسان الظن بهم , قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- :" لا تظن بكلمة خرجت مِنْ أخيك المسلم سوءاً و أنت تجد لها في الخير محملاً "
( تفسير القرآن العظيم 4 / 213 )
و قال محمد بن سيرين – رحمه الله - :" إذا بلغك عَنْ أخيك شيء فالتمس له عذراً , فإنْ لم تجد فقل : لعل له عذراً "
( رواه أبو الشيخ الأصبهاني ص 97 )
و قال أبو قلابة - رحمه الله - :" إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك , فإنْ لم تجد له عذراً ’ فقل في نفسك لعل لأخي عذراً لا أعلمه "
( رواه أبو نُعيم في الحلية 2 / 285 )
إذا كان هذا بالنسبة للإخوة في تعاملهم مع بعضهم البعض , فكيف بتعامل الطلاب مع شيخهم , فالطلاب أولى و أحوج من غيرهم بالتماس الأعذار لعلمائهم , و مشايخهم , و خاصة أنّ العلماء بشر يخطئون و يصيبون و ليس أحد منهم يتعمد الخطأ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" ليُعلم أنّه ليس أحدٌ مِن الأئمة المقبولين عند الأمة قَبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله
– صلى الله عليه و سلم – في شيء من سننه , دقيق و لا جليل فإنهم متفقون اتفاقاً يقينيّاً على وجوب إتباع الرسول
– صلى الله عليه و سلم – و على أنّ كلّ أحد من الناس يؤخذ مِنْ قوله و يُترك إلا رسول الله – صلى الله عليه و سلم – "
( رفع الملام عَن الأئمة الأعلام ص 4 )
قال الإمام مالك – رحمه الله - :" كلٌّ يُؤخذ مِنْ قوله و يُرد إلا صاحب هذا القبر "
( سير أعلام النبلاء 8/ 93 )

أيها الطالب : إنْ كنتَ سلفياً بحق , فهذا منهج سلفك الصالح , فلا تَحيد عنه ’ لأنّ فيه الاحترام و التقدير لأهل العلم , و لأنّك لو دخلتَ عليهم لوجدتَ النور ( العلم ) الذي عندهم , و إذا خرجت مِنْ عندهم ستخرج و النور و الهداية معك , فاغتنم هذه النعمة و عَضَّ عليها بنواجذك .
قال يحيى بن معاذ الرازي – رحمه الله - :" العلماء أرحم بأمة محمد – صلى الله عليه و سلم – مِنْ آبائهم و أمهاتهم , فقيل له كيف ذلك ؟ قال : لأنّ آباءهم و أمهاتهم يحفظونهم مِنْ نار الدنيا , و العلماء يحفظونهم مِنْ نار الآخرة "
( مختصر نصيحة أهل الحديث ص 167 )

و إيّاك ثم إيّاك مِنْ عقوقهم و هجرهم و الطعن و التشهير فيهم , و حذارِ مِن تَتَبُّع زلاّتهم و هفواتهم و التشفي فيهم , لأنّ هذا مِنْ علامات أهل البدع .
قال أبو حاتم الرازي – رحمه الله - :" علامة آهل البدع , الوقيعة في أهل الأثر "
( عقيدة السلف و أصحاب الحديث ص 304 )

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه
سمير المبحوح
8 / محرم / 1431 هــ

رد مع اقتباس