عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23 Feb 2017, 10:05 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي رسائل أخينا سمير بوالنش ـ رحمه الله ـ إلينا


رسائل أخينا سمير بوالنش ـ رحمه الله ـ إلينا

الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه.
أمَّا بعد:
فقد سمعت كما سمع غيري نبأ غدر الخوارج كلاب النَّار بأخينا سمير بوالنش ـ رحمه الله وخلفه في أهله بخير ـ.
وهي ـ والله ـ فاجعة عظيمة، ومصيبة جليلة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.


قصَّة أخينا سمير تحمل إلينا رسائل، وتُخَبِّرنا أخبارًا، وتعظنا بمواعظ، وتُذكِّرنا بأشياء نسينها أو تناسيناها، وربَّ واعظ صامتٍ أبلغ من ألف خطيب.


1. فقصَّة أخينا سمير رحمه الله تدلُّ على أنَّ الرَّجل قد يكون داعيًا إلى الله، هاديًا إلى الشِّرعة المستقيمة، ويكون له الأثر الكبير فيمن حوله، وإن كان مغمورًا لا يعرفه أكثر النَّاس.
فليس من شرط الدَّعوة على الله الشُّهرة، ولا أن تكون عالمًا تَصَدَّرُ المجالس وتُقَدَّم في الأندية!
فأين مثل سمير! مَن يرى إخوانه تائهين في دروب المخالفات من بدعٍ ومعاصي، فيهبُّ إليهم ناصحًا بما يقدر، مبلِّغًا ما يستطيع، آخذا بقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عنِّي ولو آية".
والله لو كنَّا جميعًا آخذين بهذا الخُلُق حريصين هذا الحرص على دعوة النَّاس وهدايتهم بالأسلوب الحسن والطَّريقة النَّاجعة، لكان الحال غير الحال، وما كنَّا أمَّة محمديّة مختارة إلّا من أجل هذا الوصف الّذي أضاعه أكثرنا: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".
فرحم الله سميرًا أين مثله؟!

2. قصَّة سمير تدلُّ على أنّ الرّجل قد يكون داعيًا إلى الله تعالى، ويراه أكثر النّاس على غير شيء، أو يحتقرون عمله وما يقوم به، لكنّه يكون مع ذلك قد نكأ أعداء الملّة والدّين، وبلغ منهم كلّ مبلغ، فأخونا سمير قد أضرَّ بالخوارج المارقين غاية الضَّرر، حتَّى سعوا إلى إراحة أنفسهم منه بالغدر به أخزاهم الله.



3. خبر سمير ـ وأيُّ خبر هو! ـ يدلُّ على أنَّ من يتصدَّى للدَّعوة إلى الله ونصحِ الخلقِ، فليوطِّن نفسَه على المكاره، وليعوِّدها الصَّبر على الأذى والضُّر، وليعلم أنَّه طريقٌ محفوفٌ بالمؤلمات، وقد يكون آخرُه فصلَ الرَّأس عن الجسد!
وقد حدَّثنا شيوخنا عن الشيخ محمد الأمين الشِّنقيطي رحمه الله أنَّه ألقى كلمة في حفل تخرُّج دفعة ممن الطّلبة في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة النّبويَّة، فكان ممَّا ذكره لهم أن حثَّهم على الصّبر في طريق الدّعوة إلى الله، فإنَّها طريق عامرٌ بالأذى، فلمَّا أخذ أحد الأساتذة المصريِّين ـ وكان يعيش في السعودية ـ الكلمةَ هَوَّن من شأن ما يلقاه الدَّاعية من الناس وقال ما معناه: إنّ الناس يحبُّون الخير وأهله، فأبشروا فيسحبُّكم النَّاس ويلتفون حولكم، فأخذ الشَّيخ محمَّد الأمين الكلمة وقال له: تقول هذا لأنَّك هنا، ارجع إلى بلدك واصدع بالتَّوحيد، وانظر كيف يستقبلك النَّاس.
فالدَّاعي إلى الله مستهدف بالأذى من أولياء الشَّيطان، وفي مثل هذا قيل: "إنَّ الريح تنتزع من الشجر الطوال العالية"، وإنَّ تسليط الشيطان أولياءَه على أهل الخير هو الَّذي لا يمكن لأحدٍ أن ينفكَّ عنه.


4. نبأ أخينا سمير يذكرنا بأنَّ الدِّين أغلى من كلّ شيء، في سبيله يُبذَل كلُّ نفيس، ويسترخص كلُّ غالٍ، وفي سبيل نُصرته وإقامته تُبذل المُهَج، وتسترخص الأرواح.
اللَّهم غفرك! أين من هذا من يبخل بدريهمات يبذلها في الدَّعوة إلى الله ونشر الخير في النَّاس، بل أين من يظِنُّ بتعب يومٍ أو جهد ليلةٍ في سبيل الله!
أين من يبذل كلَّه ممَّن يقبض كفَّه، وأين من يُهْدِي رُوحَه ممَّن يَبخَلُ بِرَوْحَة.


5. خبر أخينا سمير ذكرى وأيُّ ذكرى؟! ذكرى بأنَّ المرء ما هو إلَّا أُحدوثة بعده، يتحدَّث النَّاس بما عاش من أجله وما مات عليه:
فمن عاش من أجل ثوب يلبسه أو طعام يملؤ به بطنَه، فلن يعدو ذِكرُه بِلَى الثَّوب ونَتَنَ الطَّعام.
ومن عاش من أجل الدِّين والمبادئ، فإنَّ ذكره باقٍ ما رَسَتْ في أماكنها الجبال.
وإنَّما المرءُ حديثٌ بعدَهُ // فكنْ حديثًا حسنًا لمنْ وَعَى

6. قصَّة أخينا سمير تُفيد بأنَّ السَّلفيَّ بمنهجه ودعوته عِبؤٌ ثقيل على المخالفين، يمقتونه ويستثقلونه ويسعون في تَلَفِه، حتَّى لا يحول بينهم وبين أهوائهم وشهواتهم، وحتَّى لا يحول بينهم وبين إضلال النَّاس وتكثير الأتباع.
فإن رضيت لنفسك يا أخي! منهاجَ النُّبوَّة تدين به الله تعالى، فلا يضقْ صدرك من معاداة الخلق لك وتبرُّمهم ممَّا تدعو إليه، بل ينبغي أن يزيدك ذلك ثباتًا ويقينًا.


7. من أعظم ما أرسل به سمير إلينا ـ وإن لم يُرسِل حقيقةً ـ أنَّ العلم والحجَّة والبرهان هو السِّلاح الأعظم الَّذي كَبُرَ في صدور المحالفين والمارقين عن سنَّة سيِّد المرسلين.
فإنَّ البيان والبرهان ونشرَ العلم والسُّنَّة والدَّعوة إليهما أحَدُ الجهادَيْن، بل هو أعظمهما، وقد قال الله تعال لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلمَّ: "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرًا" أي: جاهدهم بالقرآن والبيان. قال ابن القيِّم رحمه الله: "فقوام الدِّين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين: جهادٌ باليد والسِّنان، وهذا المشارك فيه كثيرٌ، والثَّاني: الجهاد بالحجَّة والبيان، وهذا جهاد الخاصَّة من أتباع الرُّسل، وهو جهاد الأئمَّة، وهو أفضل الجهادَيْنِ، لعِظَمِ منفعته، وشدَّة مؤنته، وكثرة أعدائه، قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكيَّة: "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا، فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا"، فهذا جهادٌ لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادَيْنِ".


ألا إنَّ سميرًا قد أفضى إلى ربِّه قتيلًا بأيدي الخوارج المارقين، وإنَّ خير قتيلٍ من قتلوه، فرحمه الله وغفر له.


هذا ما أردت مشاركة إخواني به، تعزيةً لأهله ولنا جميعًا في مصيبتنا به، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

رد مع اقتباس