عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11 Aug 2014, 07:40 PM
أبو سهيل عبد الوهاب أبو سهيل عبد الوهاب غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 128
افتراضي بين الإسلام الذّاتي والإسلام الوراثي (الإمام ابن باديس)

بسم الله الرّحمان الرّحيم
الحمد لله وحده والصّلاة والسّلام على من لاّ بعده وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هديه أمّا بعد:
فهذه درّة من درر الإمام ابن باديس رحمه الله جادت بها قريحته وطابت بها نفسه، أسأل الله أن ينفع بها إنّه سميع مجيب.
يقول رحمه الله: (يولد المرء بين أبوين مسلمين فيعدُّ مسلمًا، فيشبُّ ويكتهل ويشيخ وهو يعدُّ من المسلمين، تجري على لسانه وقلبه كلمات الإسلام، وتباشر أعضاؤه عبادات وأعمالا إسلاميَّة، فراق روحه أهون عليه من فراق الإسلام، لو نسبته لغير الإسلام لثار عليك أو بطش بك، ولكنَّه لم يتعلَّم يومًا شيئًا من الإسلام، ولا عرف شيئًا من أصوله في العقائد والأخلاق والآداب والأعمال، ولم يتلقَّ شيئًا من معاني القرآن العظيم ولا أحاديث النَّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم، فهذا مسلم إسلامًا وراثيّاً; لأنّه أخذ الإسلام كما وجده من أهله، ولابدَّ أن يكون ـ بحكم الوراثة ـ قد أخذه بكلّ مافيه ممَّا أدخل عليه وليس منه من عقائد باطلة و أعمال ضارَّة وعادات قبيحة، فذلك كلّه عنده هو الإسلام ، ومن لم يوافقه على ذلك كلّه فليس عنده من المسلمين.
هذا الإسلام الوراثي هو الإسلام التَّقليديّ الذي يؤخذ بدون نظر ولا تفكير ، وإنَّما يتّبع فيه الأبناء ما وجدوا عليه الآباء، ومحبَّة أهله للإسلام إنَّما هي محبَّة عاطفيَّة بحكم الشّعور والوجدان.
هذا الإسلام الوراثي هو إسلام معظم عوام الأمم الإسلاميَّة، ولهذا تراها مع ما أدخلت على الإسلام من بدع اعتقاديَّة وعمليَّة، ومع ما أهملت من أخلاق الإسلام وآدابه وأحكامه، متمسَّكة به غاية التَّمسُّك، لا ترضى به بديلاً ولو لحقها لأجل تمسُّكها به ما لحقها من خصومه من بلاء وهوان...إلى أن قال: لكن هذا الإسلام الوراثي لا يمكن أن ينهض بالأمم; لأنَّ الأمم لا تنهض إلّا بعد تنبُّه أفكارها وتنقح أنظارها ، والإسلام الوارثيّ مبنيُُّ على الجمود والتَّقليد ، فلا فكر فيه ولا نظر .
أمّا الإسلام الذَّاتي فهو إسلام من يفهم قواعد الإسلام ويدرك محاسن الإسلام في عقائده وأخلاقه وآدابه وأحكامه وأعماله، ويتفقَّه ـ حسب طاقته ـ في الآيات القرآنية والأحاديث النَّبويَّة، ويبني ذلك كلّه على الفكر والنَّظر ،فيفرّق بين ما هو من الإسلام بحسنه وبرهانه، وما ليس منه بقبحه وبطلانه، فحياته حياة فكر وإيمان وعمل ، ومحبَّته للإسلام محبَّة عقليَّة قلبيَّة بحكم العقل والبرهان كما هي بمقتضى الشّعور والوجدان.
هذا الإسلام الذَّاتي هو الذي أمرنا الله به في مثل قوله تعالى: (قُلْ إنَّمَآ أَعظُكُمْ بوَاحدَة أَنْ تَقُومُواْ للَّه مَثْنَى وَفُرَادَى ثُّمَّ تَتَفَكَّرُواْ ) [ سبأ:46 ]، فبالتَّفكُّر في آيات الله السَّمعيَّة وآيته الكونيّة وبناء الأقوال والأعمال على الفكر ، تنهض الأمم)1.
ــــــــــــــ
1 ـ من مقال أسباب الانتكاسة للشّيخ ياسين شوشار ـ مجلّة الإصلاح ، العدد الواحد والثلاثون ـ


التعديل الأخير تم بواسطة أبو سهيل عبد الوهاب ; 11 Aug 2014 الساعة 08:07 PM
رد مع اقتباس