عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 14 Jul 2010, 10:23 AM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

قصف البناء المشيد لتحليل الغناء ـ وقفات مع الكلباني ـ
الحلقة (04)

20 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(وممن أباحه وأفتى بجوازه مع الأوتار:
ـ (الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي):
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ: "وكان له حفظ الحديث ومعرفة به، وصنَّف فيه، إلا أنه صنَّف كتابًا سمَّاه "صفوة التَّصوُّف" يضحَك منه مَن يراه، ويَعجَب مِن استِشهاده على مذاهِب الصُّوفية بالأحاديث الَّتي لا تناسب ما يحتج له من نصرة الصوفية، وكان داودي المذهَب [أي: ظاهرِيًّا]؛ فمَن أثنى عليه فلأجل حِفظه للحديث، وإلاَّ فالجَرح أولى به". ["المنتظم": (17/136)].
وقال ابن ناصر: "ابن طاهر لا يحتج به، صنف في جواز النظر إلى المرد، وكان يذهب مذهب الإباحة.
قال الذهبي ـ متعقِّبًا ـ: "قلت: معلوم جواز النظر إلى الملاح عند الظاهرية، وهو منهم". ["تذكرة الحفاظ": (ص 1244)].
وقد نسب ابن طاهر في رسالته هذه إباحة الغناء للإمام مالك ـ رحمه الله ـ، وهو كذب عليه؛ قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: " كما كذبوا عليه [يقصد مالكًا] أنه كان يأخذ طنبورا يضرب به ويغني، لما كان في المدينة من يغني، حتى إن أكثر المصنفين في إباحة السماع كأبي عبدالرحمن السلمي، والقشيري، وأبي حامد ومحمد بن طاهر المقدسي وغيرهم، يذكرون إباحته عن مالك، وأهل المدينة، وهو كذب؛ فإنَّه قد علم بالتَّواتر من مذهبه النَّهي عن ذلك". ["الرد على البكري": ( / )].
ـ (ونص على إباحة الغناء ابن رجب الحنبلي العالم الشهير صاحب الفنون):
وهذا كذب على ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ؛ فقد نقل عن الآجري ـ رحمه الله ـ الإجماع على تحريم الغناء ["نزهة الأسماع": (1/25)] ـ كما سبق بيانه ـ!!
ـ (ونقل أبو طالب المكي إباحة الغناء عن عبدالله بن جعفر وابن الزبير والمغيرة بن شعبة, وقال: وقد فعل ذلك كثير من السلف صحابي وتابعي):
سبق الكلام عن نسبة إباحة الغناء إلى الصحابي الجليل عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنه ـ، وأزيد هنا نقلا عن الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ؛ فقد قال: "والخلاصة أننا نبرئ عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنهما ـ من أن يكون اشترى الجارية من أجل ضربها على العود لما سبق تخريجه، وإلا فلا حجة في غير كتاب الله وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا سيما وقد قال عبد الله بن عمر ـ وهو أفقه منه وأعلم ـ: "حسبك اليوم من مزمور الشيطان". ["تحريم آلا ت الطرب": (ص 104)].

21 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(قال: ولم يزل الحجازيون عندنا بمكة يسمعون السماع في أفضل أيام السنة وهي الأيام المعدودات التي أمر الله عز وجل عباده فيها بذكره كأيام التشريق. ولم يزل أهل المدينة ومكة مواظبين على السماع إلى زماننا هذا).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
يقال له: من هم هؤلاء الناس الذين كانوا يفعلونه في الحجاز ومكة والمدينة؟ هل هم أهل العلم والديانة ـ كما زعمت من قبل فتبين أنه لا علم لهم ـ؟
يحكي لنا شيخ الإسلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ عن أعمالهم تلك؛ فيقول: "ومن أعظم المنكرات: تمكينهم من إقامة هذا الشعار ـ الملعون هو وأهله ـ في المسجد الأقصى عشية عرفة، ويقيمونه أيضا في مسجد الخيف أيام منى؛ وقد أخرجناهم منه بالضرب والنفي مرارا، ورأيتهم يقيمونه بالمسجد الحرام نفسه، والناس في الطواف، فاستدعيت حزب الله، وفرَّقنا شملهم، ورأيتهم يقيمونه بعرفات، والناس في الدعاء، والتضرع، والابتهال، والضجيج إلى الله، وهم في هذا السماع الملعون؛ باليراع والدف والغناء!
فإقرار هذه الطائفة على ذلك؛ فسق يقدح في عدالة من أقرَّهم ومنصِبه الدِّيني". ["إغاثة اللهفان": (1/421)].

22 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(فأدركنا أبا مروان القاضي وله جوار يسمعن الناس التلحين قد أعدهن للصوفية).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
وهذا فيه رد عليك؛ إذ فيه أنه أعد للصوفية، ولا يخفاك كلام أهل العلم في سماع الصوفية، وقد رد عليهم:
شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في "الاستقامة".
ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "الكلام على مسألة السماع".
الآجري في "تحريم النرد والشطرنج والملاهي".
وغيرهم من العلماء الكبار.

23 ـ قال الشًّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(قال: وكان لعطاء جاريتان تلحِّنان، وكان إخوانه يستمعون إليهما.
قال: وقيل لأبي الحسن بن سالم: كيف تنكر السماع وقد كان الجنيد وسري السقطي وذو النون يسمعون! فقال: كيف أنكر السماع وأجازه وسمعه من هو خير مني. وقد كان عبد الله بن جعفر الطيار يسمع. وإنما أنكر اللهو واللعب في السماع).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
تتبع زلات العلماء يؤدي إلى الزندقة ـ والعياذ بالله ـ، وهذه الآثار التي ساقها؛ إن صحت فإنها تحمل على أحسن المحامل إن استطعنا إلى ذلك سبيلا ـ كما سبق في كلام شيخ الإسلام ـ، فنحملها على الغناء الجائز؛ وهو الحداء ونحوه.

24 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورا في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ: "أصل هذا ما رواه العقيلي في "الضعفاء" (4/237) من طريق وهب ـ وهو ابن جرير ـ، عن شعبة قال: أتيت منزل المنهال بن عمرو؛ فسمعت صوت الطنبور، فرجعت ولم أسأله، قلت: هلا سألته؛ فعسى كان لا يعلم.
قلت ـ الألباني ـ: وإسناده إلى شعبة صحيح، ومنه يتبين أنه لا يجوز حشر المنهال هذا في زمرة القائلين بجواز الاستماع لآلات الطرب فضلا عن استعمالها؛ لاحتمال أنه وقع ذلك دون علمه، أو رضاه...
على أن هذا الأثر يمكن قلبه على المرخصين؛ لأن شعبة أنكر صوت الطنبور، فهو في ذلك مصيب، وإن كان أخطأ في ظنه أن المنهال كان من المرخصين به!". ["تحريم آلات الطرب": (ص 104، 105)].

25 ـ ثم نقل الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ بعض أقوال المجيزين، وقال:
(هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
لا ينبغي أن تقابل النصوص بهذه الأقوال المحتلمة!
وإلا؛ فإن الأئمة الأربعة على تحريم الغناء والمعازف، قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ: "والخلاصة أن العلماء والفقهاء ـ وفيهم الأئمة الأربعة ـ متفقون على تحريم آلات الطرب اتباعا للأحاديث النبوية، والآثار السلفية، وإن صح عن بعضهم خلافه فهو محجوج بما ذكر، والله ـ عز وجل ـ يقول: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"". ["تحريم آلات الطرب": (ص 105)].

26 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(وأما مجرد الغناء من غير آلة) ثم ذكر المجيزين!

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
ما ذكر من الآثار هذه فيه ما هو مردود؛ فالإمام مالك، والشافعي، وأحمد على تحريم الغناء، لكن لما خلط الشيخ بين نوعيه ـ الجائز والمحرم ـ التبس عليه الأمر؛ فصار يحمل كل ما ورد عن الأئمة في جواز الغناء على الغناء الذي يقصده.
وقد ذكر أهل العلم ـ ممن ألف في تحريم الغناء وآلاته ـ الآيات، والأحاديث الصحيحة الصريحة على تحريم الغناء، وكذلك الآثار عن السلف الصالحين.
وهنا كلمة تسطر للشيخ الكلباني ـ هداه الله ـ ومن نحا نحوه، ذكرها العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في كتبه الفذ "تحريم آلات الطرب" (ص 119):
"فقد بدا لي أن أتحف القراء بأثر عزيز مفيد؛ لم أر أحدا ممن كتب في (الملاهي) قد تعرض لذكره، وهو عن أحد الخلفاء الراشدين؛ عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ، فإن القارئ الكريم سيتأكد منه أن (المعازف) كانت مستنكرة عند السلف، وأن الساعي إلى إشهارها يستحق التعزير والتشهير، فقال الإمام الأوزاعي ـ رحمه الله تعالى ـ: كتب عمر بن عبد العزيز إلى (عمر بن الوليد) كتابا فيه: "... وإظهارك المعازف والمزمار بددعوة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجزُّ جُمَّتَك جمَّةَ سُوءٍ".
أخرجه النسائي في "سننه" (2/178)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/270) بسند صحيح، وذكره ابن عبد الحكم في "سيرة عمر" (154-157) مطوَّلا جدًّا، ورواه أبو نعيم (5/309) من طريق أخرى مختصرًا جدًّا.
فلا غرابة إذن أن يكتب ـ أيضًا ـ عمر إلى مؤدِّب ولدِه يأمرُه أن يربِّيَهم على بغض الملاهي والمعازف، فقال أبو حفص الأموي عمر بن عبد الله قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدِّب ولدِه يأمرُه أن يربِّيهم على بغض (المعازف):
"ليكن أوَّلَ ما يعتقدون من أدَبك بغضُ الملاهي الَّتي بَدؤُها من الشَّيطان، وعاقبتُها سخَط الرَّحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم: أنَّ حضور المعازف واستماع الأغاني، واللَّهج بها؛ يُنبِت النِّفاق في القلب كما ينبِت العُشبَ الماءُ، ولعمري لتَوقِّي ذلِك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذِّهن من الثُّبوت على النِّفاق في قلبه".
أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (ق 6/1)، ومن طريقه أبو الفرج ابن الجوزي (ص 250).
وجملة: "أن الغناء ينبت النفاق" قد صحت عن ابن مسعود موقوفا، ورويت عنه مرفوعًا كما سبق في المقدمة (ص 10)، ويأتي تخريجه في الفصل الثامن (ص 145)".
ـ عاقبة الغناء في الدنيا:
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ:
"اعلم أنَّ سماع الغناء يجمع شيئين:
أحدهما: أنَّه يُلهي القلب عن التَّفكر في عظمة الله سبحانه، والقيام بخدمته [وهذا من ألفاظ الصوفية].
والثاني: أنَّه يُمِيله إلى اللَّذَّات العاجلة الَّتي تدعو إلى استيفائها؛ من جميع الشَّهوات الحسِّية، ومعظمها النِّكاح، وليس تمام لذَّته إلاَّ في المتجدِّدات، ولا سبيل إلى كثرة المتجدِّدات من الحِلِّ؛ فلذلك يحثُّ على الزِّنا، فبين الغناء والزِّنا تناسبٌ مِن جهة أنَّ الغناء لذَّة الرُّوح، والزِّنا أكبر لذَّات النَّفس، ولهذا جاء في الحديث: "الغناء رقية الزِّنا".
وهذا لأنَّ الالتِذاذ بشيءٍ يدعو إلى التِذاذِه بغيره؛ خصوصًا ما يناسبه.
ولما يئِس إبليس أن يسمع من المتعبِّدين شيئًا من الأصوات المحرَّمة كالعود؛ نظَر إلى المعنى الحاصل بالعود، فدرَجه في ضمن الغِناء بغير العود، وحسَّنه لهم.
وإنَّما مراده التَّدريج من شيءٍ إلى شيءٍ، والفقيه من نظر في الأسباب والنَّتائج، وتأمَّل المقاصد". ["المنتقى النفيس": (ص 289) للشيخ علي الحلبي].
هذا في الدنيا؛ فأما الآخرة فقد ذكر ابن القيم شيئا من ذلك في "الإغاثة"، و"الداء والدواء".
وقد اكتفيت بهذا النقل متطفلا على الأكابر، فأرجو الله أن يعصمني من الزلل، وأن يصلحني والمسلمين أجمعين.
والحمد لله أولا وآخرا.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

كتبه أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ
في مجالس آخرها صبيحة الأربعاء
02 شعبان 1431 / 14 يوليو 2010م

رد مع اقتباس