عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26 Jun 2010, 11:52 AM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي قصف البناء المشيد لتحليل الغناء ـ وقفات مع الشيخ الكلباني ـ

قصف البناء المشيد لتحليل الغناء

الحلقة (01)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين، من نزه سمعه عن الغناء، وحرمه على أمته.
أما بعد:
"لا يوجد دليل على تحريم الغناء"
عبارة نسمعها بين الفينة والأخرى، قالها ابن حزم ـ رحمه الله ـ حينما ضعف حديث البخاري بحجة أنه قال: قال هشام بن عمار! ومعلوم أن هشام بن عمار من شيوخ البخاري، فلذا حملها ابن الصلاح على الاتصال، لا على التعليق.
وقد طلع علينا هذه الأيام الشيخ عادل بن سالم الكلباني ـ أصلحه الله ـ؛ إمام الحرم المكي سابقا ـ وللأسف ـ، فشيَّد بناء ليعلن من فوقه أن الغناء حلال! وذلك على موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية، وذكر أنه كان يقول بتحريمه! ثم بان له الحق في تحليله!
فاللهم أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه.
وسأذكر بعض التعقيبات على المقال، مقسما ذلك إلى فقرات، عسى الله ينفعنا.

1 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(فإن الله عز وجل خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التي يجد بها في نفسه أطيب الأثر, فتسكن جوارحه وترتاح نفسه وينشرح صدره, هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، يميلون إلى كل ما هو جميل في الكون فيسرون برؤيته ويطربون لسماعه وبنيله تكمل لذتهم وسعادتهم).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
هذا الميل ليس على إطلاقه؛ فهناك أشياء من الملذات تعافها النفوس الطبية، ولا تميل إليها، بل قد تصير من سجاياهم الابتعاد عنها، ولذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إِنَّ رَبَّكَ يَعجَبُ لِلشَّابِّ لاَ صَبوَةَ لَهُ" [الصحيحة: 2843]، فلما نفر منها، ولم يمل إليها ككثير من الناس صار كأن لا شهوة له، فتعجب منه ربه ـ عز وجل ـ.

2 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(ولا جرم فإن الله تعالى جميل يحب الجمال، وهذا ما علل به الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ شعور الإنسان برغبته أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، ومظهره حسنا!).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
هذا التعليل النبوي مطابق للواقع؛ فإن الإنسان يحب جمال ثوبه، ونعله، ولكن المؤمنين الكُمَّل لا يحبون الغناء، ومشابهة أهل المجون، "والكلام في هذا الباب لا بد فيه من التمييز بين الواقع والجائز، والنافع والضار، ولا يُسجَل عليه بالذم والإنكار، ولا بالمدح والقبول من حيث الجملة، وإنما يتبين حكمه، وينكشف أمره بذكر متعلقه" ["الجواب الكافي": (ص 532)]، ولهذا إذا كان لبس الثوب الجميل يؤدي إلى التعالي على الآخرين فإنه يأخذ حكمه.
وهل يمكن أن تقيس الغناء على حسن الثوب، فتقول لمن سألك: إني أحب الغناء، فتقول له: إن الله جميل يحب الجمال؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ـ وهو يرد على القشيري ـ: "ولهذا دخل الشيطان من هذين البابين على كثير من النساك؛ فتوسعوا في النظر إلى الصور المنهي عن النظر إليها، وفي استماع الأقوال والأصوات التي نهوا عن استماعها، ولم يكتف الشيطان بذلك حتى زين لهم أن جعلوا ما نهوا عنه عبادة وقربة وطاعة، فلم يحرموا ما حرم الله ورسوله، ولم يدينوا دين الحق، كما حكي عن أبي سعيد الخراز أنه قال: رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية، فقلت له: تعال، مالك؟ فقال: بقي لي فيكم لطيفة: السماع، وصحبة الأحداث"" [الاستقامة": (ص 218، 219)]، وقد حصل له ما أراد، وهذا كله بحجة "إن الله جميل يحب الجمال".

3 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(وهذه الأحاسيس والمشاعر التي خلقها الله لا يمكن لأحد أن ينفك منها, لأنها من لوازم كونه إنسانا, ومحاولة التغلب على الوجدان إنما هو مقاومة لنواميس هذا الكون وقوانين الحياة).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
المؤمنون الكمل استطاعوا أن يتغلبوا شهواتهم، كالشاب الذي سبق في الحديث، وكون هذه الأحاسيس من لازم الإنسانية يجعل من لا يملكها بعيدا عن الإنسانية، أو على الأقل ليس له بعض الجوانب الإنسانية.
وهذا لا يقول به العقلاء حتما، حتى صاحب المقال.

4 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(ولعل قيام الإنسان بمهمته في هذه الحياة ما كانت لتتم على الوجه الذي لأجله خلقه الله إلا إذا كان ذا عاطفة غريزية توجهه نحو المشتهيات والمتع التي خلقه الله معه في الحياة فيأخذ منها القدر الذي يحتاجه وينفعه).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
أما الغاية التي من أجلها وجد الإنسان فهي توحيد الله ـ عز وجل ـ؛ قال تعالى: "وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ"، وكونها لا تقول إلا بوجود العاطفة الغريزية في الإنسان مطلقا غير صحيح؛ فمن الناس من لا تخطر في خلده بعض الشهوات؛ كشرب الخمر، والغناء، وكونه يأخذ القدر الذي ينفعه؛ فإن الغناء يضر ولا ينفع، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ.

5 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(ومن نظر في أحكام الشريعة الإسلامية لاح له أن الله تعالى في كل ما شرعه لم يجعل فيه ما يحارب الغرائز، أو يطلب من الإنسان أن يخالف ما أودعه الله فيه، وإنما جاءت النصوص بتهذيب الغريزة، وتوجيهها، وتقويمها، حتى لا تطغى، فيتحول الإنسان بهذا الطغيان إلى البهيمية).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
بل في بعض الأحكام التشريعية ترويض النفس على ترك الشهوات والملذات الغريزية؛ ومن ذلك لبس الحرير، وشرب الخمر، والشرب في آنية الذهب والفضة، أليست من الشهوات التي يطلبها الناس؟ مع ذلك فقد نهت الشريعة عنها، فمن نجح في تركها فإنها له يوم القيامة؛ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "مَن لَبِسَ الحَرِيرَ فِي الدُّنيَا لَم يَلبَسهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَن شَرِبَ الخَمرَ فِي الدُّنيَا لَم يَشرَبهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَن شَرِبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ فِي الدُّنيَا لَم يَشرَب بِهَا فِي الآخِرَةِ. ثمَّ قَالَ: لِبَاسُ أَهلِ الجَنَّةِ وَشَرَابُ أَهلِ الجَنَّةِ وَآنِيَةُ أَهلِ الجَنَّةِ" ["الصحيحة": (384)].
فقد وعد الله ـ عز وجل ـ عباده في الآخرة بأشياء حرمها عليهم في الدنيا، ومن ذلك: الغناء؛ فقد حرمه الله ـ عز وجل ـ في الدنيا، وأحله في الآخرة؛ قال تعالى: "فَهُم فِي رَوضَةٍ يُحبَرُونَ" [الروم: 15]، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: "قد ورد عن طائفة من السلف: أنه السماع الحسن في الجنة، وأن الحور العين يغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بأحسن منها، لكن تنعيم الله تعالى لعباده بالأصوات الحسنة في الجنة لا يقتضي أنه يشرع أو يبيح سماع كل صوت في الدنيا، فقد وعد بأشياء حرمها في الدنيا". ["الاستقامة": (ص 222)].
ولهذا من نزَّه سماعه عن الغناء المحرَّم في الدنيا حاز الفضل، فعن محمد بن المنكدر؛ قال: بلَغنِي أنَّ الله ـ عز وجل ـ يقول يوم القيامة: "أَينَ عِبَادِي الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنفُسَهُم وَأَسمَاعَهُم عَن اللَّهوِ وَمَزَامِيرِ الشَّيطَانِ؟! أَحِلُّوهُم رِيَاضَ المِسكِ، وَأَخبِرُوهُم أَنِّي قَد أَحلَلتُ عَلَيهِم رِضوَانِي". ["المجالسة وجواهر العلم" لابن قتيبة (4/ 155 ـ رقم 1333) قال الشيخ أبو عبيدة ـ سدَّده الله ـ: إسناده صحيح].
والغناء يتحول بسبب الإنسان إلى البهيمية؛ قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "ومن مكايد عدو الله ومصايده، التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين المبطلين: سماع المكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنى، وبه ينال الفاسق من معشوقه غاية المنى" ["إغاثة اللهفان": (1/408)]، إلخ كلامه ـ رحمه الله ـ.
فلما كان فيه ما فيه حرمه الله ـ عز وجل ـ.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 11 Jul 2010 الساعة 05:44 PM
رد مع اقتباس