عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11 Feb 2010, 11:34 AM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي " الهدى و الرّشد أساس صلاح العبد " بقلم الشّيخ الفاضل حسن آيت علجت الجزائري حفظه الله


السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته



" الهدى و الرّشد أساس صلاح العبد "



بقلم الشّيخ الفاضل :



حسن آيت علجت الجزائري



- حفظه الله و رعاه -






لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وحباه بالتشريف و التكريم ، كما قال سبحانه : {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}[ التين:4]، و قال سبحانه : {و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}[ الإسراء:70 ].

و من تمام تكريم الله عز و جل للنوع الإنساني أن أرسل إليهم الرسل مبشرين و منذرين ، و أنزل معهم الكتاب بالحق المبين ، كما قال تعالى : {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}[ البقرة:213 ]، و ختمهم بنبيه المصطفى ، و رسوله المجتبى : محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي المكي ثم المدني صلى الله عليه و سلم ، الذي أرسله بالهدى و هو : العلم النافع ، و دين الحق و هو : العمل الصالح (1) ، كما قال سبحانه : {هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و كفى بالله شهيدا}[ الفتح:28 ].

ثم إن الله تعالى أودع في هذا الإنسان قوتين : قوة علمية ، و قوة عملية (2) ، فالقوة العلمية : هي قوة العلم و الإدراك و التمييز ، و القوة العملية : هي قوة العمل و الإرادة ، و هاتان القوتان من الأمور التي تدرك بالحس ، و يجدهما كل أحد في نفسه ضرورة.

وكمال الإنسان ، و صلاحه ، يكون باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه : فيستعمل قوة العلم و الإدراك في معرفة الحق ، و قوة العمل و الإرادة في اتباعه ، و العمل به ، و إيثاره على الباطل ، فإذا فسدت إحدى القوتين أو كلتاهما ، كان فساده بحسب ذلك ، ففساد القوة العلمية ينجم عنه : عدم معرفة الحق و إدراكه ، أو عدم التمييز بينه و بين الباطل ، و فساد القوة العملية ينجم عنه : الإعراض عن الحق ، و ترك اتباعه و العمل به (3).

و سبق بيان أن الرسول صلى الله عليه و سلم أرسله الله عز و جل بالعلم النافع الذي تكمل به قوة الإنسان العلمية ، و العمل الصالح الذي تكمل به قوة الإنسان العملية ، و عليه ، فإن كمال الإنسان يكون بمعرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم و اتباعه.

و قد وصف الله جل و علا طائفة من أنبيائه – عليهم الصلاة و السلام – بكمال قوتيهم العلمية و العملية ، فقال : {واذكر عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار}[ ص: 45 ].

" فالأيدي : القوة في أمر الله ، و الأبصار : البصائر في دين الله عز و جل ، فبالبصائر : يدرك الحق و يعرف ، و بالقوة : يتمكن من تبليغه ، و تنفيذه ، و الدعوة إليه " (4)

هذا ، و قد جاء في كتاب الله عز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم التعبير عن معرفة الحق بلفظ : " الهدى" ، و عن العمل به و اتباعه بلفظ : " الرشد "، و كذلك جاء فيهما ذكر ضد هذين الأمرين وهما:" الضلال" و هو : عدم معرفة الحق ، و " الغي " و هو: عدم اتباع الحق و العمل به (5).

و الهدى و الرشد يشتركان في معنى ، و يفترقان في معنى آخر ، فبينهما عموم و خصوص من وجه ، وكلاهما معناه : الاستقامة على الحق ، و الهدى يكون بالعلم به ، و الرشد بالعمل به.

و كذلك الضلال و الغي يشتركان في معنى الانحراف عن الحق ، و الضلال يختص بعدم العلم به ، فهو يعود إلى فساد في الفهم ، و الغي بعدم العمل به ، فهو يعود إلى فساد في القصد.

و إذا أنعمنا النظر في كتاب الله عز و جل ، وجدنا أن الله عز و جل كثيرا ما يقابل بين الهدى و الضلال ، و بين الرشد و الغي ، و ذلك في مثل قوله عز و جل : {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين}[ البقرة:16 ] ، و قوله عز و جل : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}[ الأنعام:125 ] ، و قوله : {من يهد الله فهو المهتدي و من يضلل فأولئك هم الخاسرون}[ الأعراف:178 ] ، و في مثل قوله تعالى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}[ البقرة:256 ] ، و قوله : {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها و إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا و إن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين}[ الأعراف:146 ].

كما أن الله عز و جل نزه نبيه صلى الله عليه و سلم عن الضلال و الغي ، فقال : {و النجم إذا هوى ما ضل صاحبكم و ما غوى و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}[ النجم:1- 4 ].

هذا في الكتاب ، أما في السنة فقد وصف النبي صلى الله عليه و سلم خلفاءه رضي الله عنهم بالهدى و الرشد اللذين يستلزمان معرفة الحق ، و العمل به ، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، و وجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : " أوصيكم بتقوى الله ، و السمع و الطاعة و إن عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بها ، و عضوا عليها بالنواجذ ، و إياكم و محدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة " (6).

فتبين حينئذ أن الضلال : فساد في قوة الإنسان العلمية ، و الغي : فساد في قوته العملية ، و بهذا و ذاك يكون فساد دينه ، لهذا كان أصلهما من الشيطان الرجيم ، فقد قال تعالى : {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين و أن اعبدوني هذا صراط مستقيم و لقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}[ يس:60- 62]

و قال أيضا مخاطبا إبليس : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}[ الحجر:42 ].

كما أن فساد إحدى هاتين القوتين في الإنسان ، هو خروج عن الصراط المستقيم الذي هو صراط المنعم عليهم ، و المغاير لصراط الضالين و هم النصارى ، الذين قال الله عز و جل فيهم : {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق و لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرا و ضلوا عن سواء السبيل}[ المائدة:77 ] ،
وصراط المغضوب عليهم و هم اليهود الغاوون ، الذين قال الله عز و جل فيهم : {و إن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا}[ الأعراف:146 ] ، و مصداق ذلك في حديث عدي ابن حاتم الطائي رضي الله عنه مرفوعا : " اليهود مغضوب عليهم ، و النصارى ضالون " (7) ، فمن ضل عن الحق : ففيه شبه من النصارى ، ومن عرف الحق و لم يتبعه : ففيه شبه من اليهود.

إذا تقرر هذا ، فإن سبب الضلال و الغي أمران :

أولهما : ما خلق عليه الإنسان من الجهل و الظلم ، إذ قال الله عز و جل : {و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}[ الأحزاب:72 ] ، فالجهل مانع له من معرفة الحق ، و الظلم مانع له من اتباعه ، لهذا قال الله عز و جل عن فرعون و قومه : {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا}[ النمل:13- 14 ].

من أجل ذلك أنزل الله عز و جل مع رسله – عليهم الصلاة و السلام – الكتب التي فيها العلم دواءا للجهل ، و الميزان الذي فيه العدل دواءا للظلم ، فقال سبحانه : {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط}[ الحديد:25 ] ، و قال : {الله الذي أنزل الكتاب بالحق و الميزان}[ الشورى:17 ] ، فالعمل بالشريعة كفيل بعلاج هذين الداءين.

الأمر الثاني : تعرض الإنسان لفتنتين عظيمتين ، هما مدخل الشيطان لإفساد قلوب بني آدم (8) :

فالضلال : سببه فتنة الشبهات ، و هي : البدع و الأهواء ، لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث العرباض المذكور آنفا : " و كل بدعة ضلالة " أي : موقعة لمقترفها في الضلال.

و البدعة مقرونة بالهوى ، لأجل كون اتباع الهوى مضلا لصاحبه أيضا ، فقد وصم الله عز و جل بالضلال من اتبع هواه بغير علم فقال :{و إن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم}[ الأنعام:119 ] ، و قرىء : { ليَضلون} بالفتح ، و قال عز و جل : { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله}[ الروم:29 ]

و قال : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}
[ ص:26 ].

واستنادا إلى هذه الآيات و أمثالها قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في " المجموع "(28/133) : " و لهذا كان من خرج عن موجب الكتاب و السنة من العلماء و العباد ، يجعل من أهل الأهواء ، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء ، و ذلك أن كل من لم يتبع العلم ، فقد اتبع هواه ، و العلم بالدين لا يكون إلا بهدى الله الذي بعث به رسوله".

و من هنا نفهم لماذا جعل الله عز و جل اتباع الهوى ، بإزاء الاستجابة للرسول صلى الله عليه و سلم و ما جاء به من العلم و الهدى ، فقال عز و جل : {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}[ القصص:50 ]، و قال أيضا : {إن يتبعون إلا الظن و ما تهوى الانفس و لقد جاءهم من ربهم الهدى}[ النجم:23 ].

أما الغي : فسببه فتنة الشهوات و هي : المعاصي و فسق الأعمال ، لهذا قال الله تعالى : {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}[ مريم:59 ] ، و قال أيضا : {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه}[ الأعراف:175 – 176 ] ، و هذا مثل ضربه الله عز و جل لمن آتاه الله علما ، و لكنه يعمل بخلافه ، فهو يعرف الحق و لكن يصده عن العمل به اتباعه لهواه و شهواته.

و من ذلك أيضا أن الخمر – و هي من كبائر الذنوب – موجبة للغي ، ففي " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي ليلة أسري به بقدحين من خمر و لبن ، فنظر إليهما ، فأخذ اللبن ، فقال له جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة ، لو أخذت الخمر غوت أمتك ".

من أجل ذلك كله حذر النبي صلى الله عليه و سلم أمته من هاتين الفتنتين العظيمتين ، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه مرفوعا : " إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم و فروجكم ، و مضلات الهوى " (9)

و قد جمع الله عز و جل بين هاتين الفتنتين في قوله : {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة و أكثر أموالا و أولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم و خضتم كالذي خاضوا}[ التوبة:69 ]

فقوله عز و جل : { فاستمتعوا بخلاقهم } أي : تمتعوا بنصيبهم من الدنيا و شهواتها – و الخلاق هو : النصيب المقدر – و هذه هي فتنة الشهوات ، ثم قال عز و جل : {وخضتم كالذي خاضوا} فهذا الخوض بالباطل هو : فتنة الشبهات (10).

أما درء هاتين الفتنتين و دفعهما فيكون بأمرين اثنين و هما : الصبر و اليقين ، فباليقين الذي هو ثمرة العلم النافع: تدفع فتنة الشبهات ، و بالصبر : تدفع فتنة الشهوات ، لهذا قال الله عز و جل في وصف عباده المؤمنين الصالحين : {و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر}[ العصر:3 ] ، فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات ، و الصبر الذي يكف عن الشهوات ، كما جعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بهذين الأمرين فقال : {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون}[ السجدة:24 ] ، و أمر الله عز و جل نبيه صلى الله عليه و سلم بهاتين الخصلتين العظيمتين فقال : {فاصبر إن وعد الله حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون}[ الروم:60 ] (11).

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





الحواشي :

(1) كما قال الإمام ابن كثير في " تفسيره " (4/1748 ، ط : دار الفكر ).
(2) انظر : " فتاوى ابن تيمية " (9/136) ، " الفوائد " لابن القيم الجوزية (ص29 ن ط : دار النفائس ).
(3) انظر : " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " لابن القيم (1/24- 25 ، ط : دار الفكر ).
(4) قاله الإمام ابن القيم في " الوابل الصيب " ( ص 136 ، ط : دار الفوائد ).
(5) انظر : " فتاوى ابن تيمية " (10/40 و 568) ، " إغاثة اللهفان " لابن القيم (1/15).
(6) صحيح : رواه الترمذي ، و أبو داود ، وابن ماجة ، انظر : " الصحيحة " (937 و 2735 ).
(7) صحيح : رواه أحمد و الترمذي و ابن حبان ، انظر : " الصحيحة " (3263).
(8) انظر : " فتاوى ابن تيمية " (28/143) ، " مفتاح دار السعادة " لابن القيم (1/40 ن ط : دار الفكر ).
(9) صحيح : رواه أحمد و غيره ، انظر : " صحيح الترغيب " (52).
(10) انظر : " اقتضاء الصراط المستقيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/117 – 121 ، ط : العقل ).
(11) انظر : " إغاثة اللهفان " لابن القيم (2/167).



من " مجلة الإصلاح " - السنة الثانية - العدد السابع - محرم / صفر 1429ه .

رد مع اقتباس