عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10 Apr 2017, 03:47 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي تنبيهات شريفة وتوافُقات لطيفة

وبه أستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الحمد لله،،
اللَّهم صلِّ على نبِّينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجميعن.
رأيت للحافظ المتفنِّن أبي شامة المقدسي رحمه الله تنبيهًا على طريقة حكاية خلاف الصَّحابة، وأنَّ بعض الفقهاء يقول: «قال فلان من الصَّحابة كذا، وهو خطأ»، فعاب عليهم ذلك، فقال في «خطبة الكتاب المؤمَّل» (141): «وممَّا لا يعجبني من تصرُّفات كثير من المصنِّفين أنهم يذكرون مذهبهم في مسألة ثم يقولون: «وقال فلان كذا» أي: بخلاف ذلك، ويذكرون واحدًا من أكابر الصَّحابة، كما في «الوسيط» من ذكر عمر رضي الله عنه في مسألة نقض القضاء في امرأة المفقود، ومن ذكر علي رضي الله عنه في منع قتل الذكر بالأنثى، وفي فصل ما يحصل به العتق في باب الكتابة، ومن ذكر ابن مسعود رضي الله عنه في باب القدوة في صلاة الجماعة، وإنما الواجب أن تقابل المذاهب بعضها ببعض، وأقوال الصَّحابة بعضها ببعض، من غير إزراءٍ بشيء منها، ويُرجَّح الرَّاجح منها بطريقه (في المطبوع: بطريقةٍ)، فيُقال: مذهب أبي بكركذا، ومذهب ابن مسعود كذ، أو يقال: مذهب الشافعي كذا وهو قول زيد بن ثابت، وقال ابن مسعود كذا».

ثمَّ رأيتُ تلميذَهُ الحافظ النَّووي رحمه الله في «المجموع» عاب نحوَ ذلك على صاحب «المهذَّب» فقال (1/116): «اعلم أنَّ صاحب «المهذَّب» أكثر من ذكر أبي ثور، لكنَّه لا ينصفه، فيقول: «قال أبو ثور، كذا وهو خطأ»، والتزم هذه العبارة في أقواله، وربَّما كان قول أبي ثور أقوى دليلا من المذهب في كثير من المسائل، وأفرط المصنِّف في استعمال هذه العبارة حتَّى في عبد الله بن مسعود الصحابي رضي الله عنه الَّذى محله من الفقه وأنواع العلم معروف، قلَّ من يساويه فيه من الصحابة فضلا عن غيرهم، لا سيما الفرائض، فحكى عنه في باب الجد والإخوة مذهبه في المسألة المعروفة بمربَّعَةِ ابن مسعود، ثمَّ قال: «وهذا خطأ»، ولا يستعمل المصنِّف هذه العبارة غالبًا في آحاد أصحابنا أصحاب الوجوه الَّذين لا يقاربون أبا ثور، وربَّما كانت أوجههم ضعيفة بل واهية».
فهكذا الأدب مع أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورضي عنهم وأرضاهم.

ومن اللَّطيف! أنَّ كلًّا من الشَّيخ وتلميذه لم يبلغ نهايةَ مرامِه في كتابه المذكور، فاختُرم قبل إكماله.
ومن التَّوافق العجيب أنَّ كلًّا منهما قد قدَّم بفائدةٍ أو فوائد في أوَّل الكتاب خشية اخترام المنيَّة قبل تمام الكتاب، فاختُرم كلٌّ منهما قبل تمامه:
أمَّا أبو شامة فلمَّا عرض له حديث: «لا يُضرَبُ فوق عشرة أسواط إلَّا في حدٍّ من حدود الله» تكلَّم في توجيهه، وأنَّ المقصود به ضرب التَّأديب من غير الولاة، ثمَّ قال (ص 116): «وسيأتي تقرير ذلك، وإنَّما قدمته هنا خوفًا من اخترام المنية قبل الوصول إليه».
وكذلك حصل، فقد مات قبل إكماله، لكنَّه أحسن جدًّا بتقديم هذا التَّوجيه قبل موضعه، فإنَّ ابن القيِّم لمَّا ذكر هذا الحديث في «الأعلام» (1/342) ذكر هذا التَّوجيه ولم يعزه وقال: «هذا أحسن ما خُرِّج عليه الحديث».

وأما النَّووي فإنه قدَّم للـ«المجموع» بمهماتٍّ في آداب الطَّلب وآداب الفتوى وأحكامها، وقال (1/115): «قصدت بهذه الأحرف تعجيل الفائدة لمطالع هذا الكتاب، فربما أدركتني الوفاة أو غيرها من القاطعات قبل وصولها».
وقد أدركته الوفاة قبل تمامه، فتمَّمه من بعده تقيُّ الدِّين السُّبكي، واختُرم قبل إكماله أيضًا، حتَّى أكمله في هذا العصر المطيعي.

وما ذكره الَّنووي من آداب الفتوى فقد طُبع مفردًا باسم «آداب الفتوى والمفتي والمستفتي»، وربمَّا سارع إلى شرائه مَن عندَه المجموع، ظنًّا أنَّه كتاب مستقلٌّ، وهو إنَّما استُلَّ من «المجموع».
ولهذا الفعل نظائر لا بدَّ من التيقُّظ لها، فكم من كتاب يُستلُّ من كتابٍ آخر أكبر منه، ثمَّ يطبع مفردًا من غير تنبيهٍ على ذلك، فيقع المشتري في التَّغرير، ولم يُفعل هذا مع أحدٍ كما فُعل مع ابن القيِّم، فقد أُخرجت من كتبه مقطَّعات ومفرداتٌ كثيرةٌ، بعضُها استُلَّ قديمًا حتَّى صارت له مخطوطاتٌ مستقلَّة، كالطبِّ النَّبوي المستلِّ من «زاد المعاد»، وبعضها استُلَّت حديثًا، لا سيَّما من كتابه «أعلام الموقِّعين»، فقد طُبع منه مفردًا نحوٌ من عشرة كتبٍ أو تزيد، منها:
1ـ «أمثال القرآن».
2ـ «فتاوى إمام المفتين صلَّى الله عليه وسلَّم».
3ـ فصل سدِّ الذَّرائع.
4ـ وفصل فيما قيل إنَّه خارجٌ عن القياس.
5ـ مسائل التَّقليد والاجتهاد.
وغيرها،،،
وربَّما طُبع الفصلُ منها بأسماء مختلفة!!


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 11 Apr 2017 الساعة 07:18 AM
رد مع اقتباس