عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 15 Sep 2019, 10:27 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





الهداية. وما أدراك ما الهداية. نعمة يمنحها الله لِمَن يشاء من عباده. تنشأ من الإخلاص لله في الانقياد، وتنمّيها مدرسة التّوحيد والإيمان..في تربيّةٍ، يرسي قواعدها، معلّمون، زوّدهم الله بـالفقه والحكمة والعلم، والصّبر والمصابرة، في أعلى قيم الإنسانيّة، ما هيّأهم بها لتنفيذ وصيّته، فيما أُمِرُوا به. فبذلوا الغالي والنّفيس، لتحقيق مراد الله في خلقه، بـالعمل بما جاءوا به، في أنفسهم، ودعوة النّاس إلى الاقتداء بهم.

قال الله تعالى:
"شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)"

فهذه وصيّة الله لعباده المصطفين الأخيار، يعرّفهم فيها بـالدّين الذي ارتضاه لهم، ويعلّمهم كيف يقيمون الشّريعة في أنفسهم، وكيف يبلّغونها لغيرهم، وعلى أسس هذه الشّريعة، نعمة من الله وفضلا، يكون اجتماع هؤلاء المتَّبِعين للوصية، المجتبين، الطّائعين، من عباده المرسلين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:
"شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ"

{ هذه أكبر مِنَّة، أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدّين، خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الّذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كلّ وجه.
فـالدِّين الذي شرعه الله لهم، لا بدّ أن يكون مناسبا لأحوالهم، موافقا لـكمالهم، بل إنّما كمّلهم الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدّين الإسلامي، ما ارتفع أحدٌ من الخلق، فهو روح السّعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمّنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.

ولهذا قال: { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ } أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدّين: أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتّقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان. { وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } أي: ليحصل منكم الاتّفاق على أصول الدّين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرّقكم المسائل وتحزّبكم أحزابا، وتكونون شيعًا، يعادي بعضكم بعضا مع اتّفاقكم على أصل دينكم.

ومن أنواع الاجتماع على الدّين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامّة، كاجتماع الحج والأعياد، والجُمَع والصّلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتمّ ولا تكمل إلاّ بالاجتماع لها وعدم التّفرّق.

{ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أي: شقّ عليهم غاية المشقّة، حيث دعوتهم إلى الإخلاص للّه وحده، كما قال عنهم: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } وقولهم: { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }

{ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ } أي يختار من خليقته مَن يعلم أنّه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته ومنه أن اجتبى هذه الأمّة وفضّلها على سائر الأمم، واختار لها أفضل الأديان وخيرها.

{ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } هذا السّبب الّذي من العبد، يتوصّل به إلى هداية الله تعالى، وهو إنابته لربّه، وانجذاب دواعي قلبه إليه، وكونه قاصدا وجهه، فَـحُسْنُ مَقْصَدِ العبد مع اجتهاده في طلب الهداية، من أسباب التّيسير لها، كما قال تعالى: { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ }
وفي هذه الآية، أنّ الله { يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } مع قوله: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } مع العلم بأحوال الصحابة رضي الله عنهم، وشدّة إنابتهم، دليل على أنّ قولهم حُجّة، خصوصًا الخلفاء الرّاشدين، رضي الله عنهم أجمعين.} انتهـ.

تفسير قوله تعالى: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ" / لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله



قال الله تعالى:
(فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15))

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:

{ ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ ) أي: فللدّين القويم والصّراط المستقيم، الّذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، فادْعُ إليه أمّتك وحضّهم عليه، وجاهد عليه، مَن لم يقبله، { وَاسْتَقِمْ } بنفسك { كَمَا أُمِرْتَ } أي: استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك، فأمره بـتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبـتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك.

ومن المعلوم أنّ أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم أمر لأمّته إذا لم يرد تخصيص له.

( وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) أي: أهواء المنحرفين عن الدّين، من الكفرة والمنافقين، إمّا باتّباعهم على بعض دينهم، أو بترك الدّعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة، فإنّك إن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لمن الظالمين، ولم يَقُل: "ولا تتّبع دينهم" لأنّ حقيقة دينهم الّذي شرعه الله لهم، هو دين الرُّسل كلّهم، ولكنّهم لم يتّبعوه، بل اتّبعوا أهواءهم، واتّخذوا دينهم لهوًا ولعبًا.

{ وَقُلْ } لهم عند جدالهم ومناظرتهم: { آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } أي: لتكن مناظرتك لهم مبنيّة على هذا الأصل العظيم، الدّال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته على سائر الأديان، وأنّ الدّين الّذي يزعم أهل الكتاب أنّهم عليه، جزء من الإسلام، وفي هذا إرشاد إلى أنّ أهل الكتاب إن ناظروا مناظرة مبنيّة على الإيمان ببعض الكتب، أو ببعض الرُّسُل دون غيره، فلا يسلم لهم ذلك، لأنّ الكتاب الذي يدعون إليه، والرّسول الّذي ينتسبون إليه، من شرطه أن يكون مصدّقا بهذا القرآن وبمن جاء به، فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا إلاّ بالإيمان بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل، التي أخبر بها وصدق بها، وأخبر أنّها مصدّقة له ومقرّة بصحّته.
وأمّا مجرد التوراة والإنجيل، وموسى وعيسى، الذين لم يوصفوا لنا، ولم يوافقوا لكتابنا، فلم يأمرنا بالإيمان بهم.

وقوله: { وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أي: في الحكم فيما اختلفتم فيه، فلا تمنعني عداوتكم وبغضكم، يا أهل الكتاب من العدل بينكم، ومن العدل في الحكم، بين أهل الأقوال المختلفة، من أهل الكتاب وغيرهم، أن يقبل ما معهم من الحق، ويردّ ما معهم من الباطل، { اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي: هو ربّ الجميع، لستم بأحقّ به منّا. { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } من خير وشرّ. { لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي: بعد ما تبيّنت الحقائق، واتّضح الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لم يبقَ للجدال والمنازعة محلّ، لأنّ المقصود من الجدال، إنّما هو بيان الحق من الباطل، ليهتدي الرّاشد، ولتقوم الحجّة على الغاوي، وليس المراد بهذا أنّ أهل الكتاب لا يجادلون، كيف والله يقول: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وإنّما المراد ما ذكرنا.
{ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } يوم القيامة، فيجزي كلاًّ، بعمله، ويتبيّن حينئذ الصادق من الكاذب.} انتهـ.

تفسير الآية: "فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ.." / لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله


اللّهمّ اهدنا وسدّدنا.

الصور المرفقة
نوع الملف: png شرع لكم من الدّين .png‏ (615.8 كيلوبايت, المشاهدات 3735)
نوع الملف: png فلذلك فادعُ واستقم.png‏ (888.5 كيلوبايت, المشاهدات 4364)
رد مع اقتباس