عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02 Jun 2018, 06:23 PM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي بلديّ الرجل أعرف وأعلم به من غيره





الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا، أما بعد :

فقد كثر الكلام ، وساءت أفهام بل زلّت أقدام ، وضلّت أفهام في قاعدة سلفية أثرية من قواعد الجرح والتعديل وهي :" بلدي الرجل أعلم به من غيره"، حيث استغلها بعض الناس ،وأساء إليها أيّما إساءة ،وذلك في فهمها ، وتنزليها ، وهم على شقين من الناس :

الصنف الأول : أهل خير وفضل من طلبة العلم السلفيين لكن حصل منهم بعض الشطط في الفهم فضلا عن تنزيلها في الواقع.

والصنف الثاني : أهل شغب وفتن، وقلائل وجهل وسفسطة ، ولا يهمّنا الطرفان ، لأن غايتنا توضيح وبيان تلكم القاعدة السلفية الأثرية لا غير، فأقول باختصار:

إن قاعدة : "بلديّ الرجل أعلم وأعرف به من غيره"، سلفية أثرية صحيحة عن علماء أهل الحديث ،فقد دوّنوها في كتبهم ومصنّفاتهم ،وعملوا بمقتضاها، لكن ليس على إطلاقها وعمومها وشمولها ، حيث يدخل فيها بعض الاستثناءات ، والقيود والتقييدات ، وبيان ذلك ما يلي :

أولا :

إذا كان الرجل عدلا خيّرا وعرف بالسنة والسلفيّة وجرّحه بعض علماء البلد بحجج وبراهين ، وكان الجرح مفسرا معتبرا ، وخالفهم في ذلك علماء من خارج بلده ، والحالة هذه لزم قبول من جرّحه من أهل بلده.

لأن حقيقة الأمر أنهم اطّلعوا على حاله ،ووقفوا على أمور قد خفيت على غيرهم ، وبناء عليها حكموا على مقتضاها جرحا أو تعديلا ، وذلك بعد سبر وتتبّع له، وذلك لقربهم منه ، ومعرفة لحاله وحركاته وأقواله وأفعاله.

وبالمثال يتّضح المقال -كمايقال-: عبد الحميد العربي جرّحه علماء بلده وهم أعرف الناس به ، وعدّله بعض كبار أهل العلم ، بل لم يوافقوا آنذاك تجريحهم له ، وتحذير الناس منه ، ثم بعد سنوات وسنوات اتضّح لهم انحرافه ، وسوء فعاله وأقواله.

وقد نصّ أئمة الحديث على قاعدة :"بلديّ الرجل أعرف به من غيره"، وجعلوها من القرائن التي ينبغي اعتمادها في الترجيح في الرجل المختلف في حاله ، وسأذكر بعض كلامهم ونقولاتهم :

1 ـ قال حماد بن زيد -رحمه الله - : كان الرجل يقدم علينا من البلاد ويذكر الرجل ويحدث عنه ويحسن الثناء عليه ، فإذا سألنا أهل بلده وجدناه غير ما يقول . وكان يقول : بلدي الرجل أعرف بالرجل.[1]
2 ـ قال العقيلي رحمه الله : حدثنا عبد الملك بن خلج الصنعاني ، حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا صالح بن أحمد قال حدثنا علي قال : سألت هشام بن يوسف عن عبد الملك بن خلج شيخ من أهل صنعاء روى عن وهب بن منبه ، فضعفه ، ومن حديثه ما حدثناه إبراهيم بن محمد بن بره قال حدثنا محمد بن الحسن بن سدوس الصنعاني قال حدثنا رباح بن زيد عن عبد الملك بن خلج عن وهب بن منبه في قول الله تبارك وتعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} قال العمل الصالح يبلغ الدعاء لم يقع إلينا لهذا الشيخ رواية نختبر بها حاله ، وأهل بلده أعلم به.[2]
3 ـ قال أبو حاتم الرازي لابنه في بعض الرواة : وأهل بلد الرجل أعرف به.
4 ـ قال ابن ماكولا الأمير رحمه الله : ذكره ابن يونس كذلك وعبد الغني بن سعيد وهما أعرف بأهل بلدهما.[3]
5 ـ قال الخطيب البغدادي رحمه الله : في مما لاشك فيه أن أهل البلد أعرف بحديث شيوخهم من غيرهم ، فأهل المدينة أعرف بحديث نافع ومالك من غيرهم ، وأهل مكة أعرف بحديث عمرو بن دينار ، وأهل البصرة أعرف بحديث قتادة ، وأهل الكوفة أعرف بحديث أبي إسحاق السبيعي ، وأهل مصر أعرف بحديث الليث بن سعد ، وهكذا [4]...
6 ـ قال أبو زرعة الدمشقي : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في سعيد بن بشير ؟ قال : " أنتم أعلم به ".[5]
7 ـ قال ابن عدي في ( شقيق الضبي ) : " كان من قصاص أهل الكوفة ، والغالب عليه القصص ، ولا أعرف له أحاديث مسندة كما لغيره ، وهو مذموم عند أهل بلده ، وهم أعرف به ".[6]
وكان محمد بن عبد الله بن نمير من نقاد الكوفيين ، قال علي بن الحسين بن الجنيد: كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان في شيوخ الكوفيين : " ما يقول ابن نمير فيهم ؟ [7]
وقال ابن عدي أيضا في ( محمد بن عوف الحمصي ) : " هو عالم بأحاديث الشام ، صحيحها وضعيفها.[8].
8 ـ قال الحافظ المزي رحمه الله : روى عن محمد بن إدريس الأنطاكي قال حدثني بعض أصحابنا قال ذكر عند يحيى بن معين حديث من حديث الشام فرده وقال ليس هو هكذا قال فقال له رجل من الحلقة يا أبا زكريا بن عوف يذكره كما ذكرناه فقال إن كان بن عوف ذكره فإن بن عوف أعرف بحديث بلده وروى أن محمد بن عوف ذكر عند عبد الله بن أحمد بن حنبل في سنة ثلاث وسبعين ومئتين فقال ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثل محمد بن عوف وقال محمد بن بركة حدثني محمد بن عوف الطائي قرة العين فذكر حديثا وقال أبو أحمد بن عدي هو عالم بحديث الشام صحيحا وضعيفا وكان أحمد بن عمير بن جوصاء عليه اعتماده ومنه يسأل وخاصة حديث حمص.[9]

9 ـ قال الشيخ الألباني رحمه الله:
وأبو إسحاق بن إبراهيم بن زبريق ضعيف جدا، قال النسائي: " ليس بثقة ". وقال أبو داود: " ليس بشيء " وكذبه محدث حمص محمد بن عوف الطائي وهو أعرف بأهل بلده.[10]
وقال رحمه الله : روى عن محمد بن إدريس الأنطاكي قال حدثني بعض أصحابنا قال ذكر عند يحيى بن معين حديث من حديث الشام فرده وقال ليس هو هكذا قال : فقال له رجل من الحلقة يا أبا زكريا، ابن عوف يذكره كما ذكرناه فقال إن كان بن عوف ذكره فإن ابن عوف أعرف بحديث بلده[11] .

ثالثا :

إذا جرّح الجارح بأدلّة وحجج وبراهين وكان الجرج مفسرا معتبرا ،وهو من غير بلديّ الرجل –أي :المجروح- فإنه يجب قبول قوله والحالة هذه ، وتقديمه على من عدّله من علماء البلد ، لأنه معه زيادة علم ، والقاعدة السلفية في ذلك : الذي علم حجّة على من لم يعلم ، وزيادة الثقة مقبولة ، والذي حفظ حجّة على من لم يحفظ ، ونحو ذلك من القواعد السلفية في ذلك.

سئل شيخنا ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ما نصه : ما هو الضابط شيخنا في بلدي الرجل وهل هو على الإطلاق فيدخل فيه العرف ويشمل العوام ، أو هو للعلماء وطلاب العلم فقط ، أفيدونا بارك الله فيك وجزاكم خيرا ؟

فأجاب بقوله :

هذه يقولها علماء الحديث ، يعني : الرجل أعرف بأهل بلده. لماذا ؟ ، لأن أهل الحديث لهم عناية بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودراسة أحوال الرواة وأحوال أهل البدع ، لهم عناية شديدة ، وكل واحد ï»» شك أنه أعرف بأهل بلده من البلدان الأخرى ، ويستند بعضهم على بعض في معرفة الرجال ، هذا يعرف أهل بلده أكثر ، وذاك يعرف أهل بلده أكثر - بارك الله فيك - هذا شيء معروف ، لا يريدون أن كل الناس هكذا ، يعني : الإنسان ، الآن أنا كثير من جيراني ما أعرفهم !، بينما أهل الحديث يعرفون لأنهم لهم صلة بهؤلاء تربطهم بهم الرواية -بارك الله فيك- ، يبحثون عن عقائدهم ، لهم تخصصات في هذه الأمور -بارك الله فيك-، فأعني : فيما أعتقد أن هذا يراد به من يعتني بكتاب الله وسنة الرسول ويذب عنه ويحمي حياضه لا كل من هب ودب .

قال شيخنا عبيد الجابري حفظه الله : أن بلدي الرجل والجماعة أعرف من غيره، فإذا أثنى عالم على رجل، ثم جرحه آخر وهو بلديه وأقام البينة فإن قوله مقدم".

وقال حفظه الله : "إن هذه القاعدة في الجملة صحيحة لكن تدخل عليها استثناءات...".

ويتخلّص مما سبق أن القاعدة :"بلديّ الرجل أعرف وأعلم من غيره"، سلفية أثرية صحيحة لا غبار عليها ، وذكرها وطبّقها وعمل بها سلفنا الصالح ، ويتخلّلها بعض التقييدات كما بيّنتها آنفا.
هذا وصلى الله على نبيّنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلّم.
كتبه : عبد االحميد الهضابي.
14 /09 /1439
مكة المكرمة.

الحواشي :
[1] ـ "الكفاية للخطيب"(ص: 175).
[2] ـ "الضعفاء" (3/37) (993)
[3] ـ الإكمال (2: 396)
[4] ـ الكفاية (133)
[5] ـ تاريخ أبي زُرعة (1/540
[6] ـ ( الكامل (5 /71).
[7] ـ أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في " التقدمة " ( ص : 320 ).
[8] ـ " الكامل ( 1 / 231
[9] ـ "تهذيب الكمال"(29/239 ـ 240)
[10] ـ "الضعيفة"(2/181).
[11] ـ الضعيفة (758)


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 04 Jun 2018 الساعة 01:35 AM
رد مع اقتباس