عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 Sep 2017, 12:16 AM
عبد الباسط لهويمل عبد الباسط لهويمل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: الجزائر
المشاركات: 96
افتراضي

ابن حزم ينقل إجماع القرآن و السنة و أئمة المسلمين على كروية الأرض و السماء
الفصل في الملل و الأهواء و النحل 1/349 فما بعدها


قال أبو محمد : وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به وذلك أنهم قالوا إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول غير ذلك وجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل : { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل‏ } .

وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخذو من كور العمامة وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى‏ : {وجعلنا آية النهار مبصرة‏ } .

فيقال لمن أنكر ما جهل من ذلك من العامة : أليس إنما افترض الله عز وجل علينا أن نصلي الظهر إذا زالت الشمس فلابد من نعم فيسألون عن معنى زوال الشمس فلابد من أنه إنما هو انتقال الشمس عن مقابلة من قابل بوجهه القرص واستقبل بوجهه وأنفه وسط المسافة التي بين موضع طلوع الشمس وبين موضع غروبها في كل زمان وكل مكان وأخذها إلى جهة حاجبه الذي يلي موضع غروب الشمس وذلك إنما هو في أول النصف الثاني من النهار وقد علمنا أن المداين من معمور الأرض آخذة على أديمها من مشرق إلى مغرب ومن جنوب إلى شمال فيلزم من قال إن الأرض منتصبة الأعلى على غير مكورة أن كل من كان ساكناً في أول المشرق أن يصلي الظهر في أول النهار ضرورة ولابد إثر صلاة الصبح بيسير لأن الشمس بلا شك تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم في أول النهار ضرورة ولابد أن كان امر على ما تقولون .

ولا يحل لمسلم أن يقول إن صلاة الظهر تجوز أن تصلى قبل نصف النهار ويلزمهم أيضاً أن من كان ساكناً في آخر المغرب إن الشمس لا تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم إلا في آخر النهار فلا يصلون الظهر إلا في وقت لا يتسع لصلاة العصر حتى تغرب الشمس وهذا خارج عن حكم دين الإسلام .

وأما من قال بتكويرها فإن كل من ظهر الأرض لا يصلي الظهر إلا إثر انتصاف نهاره أبداً على كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان وهذا بين لا خفاء بل وقال عز وجل‏ : { سبع سموات طباقاً‏ } وقال تعالى‏ : { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق‏ } .

وهكذا قام البرهان من قبل كسوف الشمس والقمر بعض الدراري لبعض على أنها سبع سموات وعلى أنها طرائق وقوله تعالى طرائق يقتضي متطرقاً فيه وقال تعالى‏ : {وسع كرسيه السموات والأرض‏ } .

وهذا نص ما قام عليه البرهان من انطباق بعضها على بعض وإحاطة الكرسي بالسموات السبع وبالأرض وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن وقال تعالى‏ : { الرحمن على العرش استوى‏ } .

فأخبر هذان النصان بأن ما على العرش هو منتهى الخلق وناية العالم وقال تعالى‏ : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد } .

وهذا هو نص ما قام البرهان عليه من أن الكواكب المرمي بها هي دون سماء الدنيا لأنها لو كانت في السماء لكان الشياطين يصلون إلى السماء أو كانت هي تخرج عن السماء وإلا فكانت تلك الشهب لا تصل إليهم إلا بذلك وقد صح أنهم ممنوعون من السماء بالرجوم فصح أن الرجوم دون السماء وأيضاً فإن تلك الرجوم ليست نجوماً معروفة أصلاً وإنما هي شهب ونيازك من نار تتكوكب وتشتعل وتطفأ ولا نار في السموات أصلاً فلم نجد الاختلاف إلا في الأسماء لاختلاف اللغات وقد اعترض القاضي منذر بن سعيد في هذا فجعل الأفلاك غير السموات .

قال أبو محمد : ولا برهان على ما ذكر إلا أنه قال إن السموات هي فوق الأرض وهذا ليس بشيء لأن التحت والفوق من باب الإضافة لا يقال في شيء تحت إلا وهو فوق لشيء آخر حاشى مركز الأرض فإنه تحت مطلق لا تحت له البتة وكذلك كل ما قيل فيه أنه فوق فهو أيضاً تحت لشيء آخر حاشى الصفحة العليا من الفلك إلا على المقسوم بقسمة البروج فهي فوق لا فوق لها البتة فالأرض على هذا البرهان الشاهد هي مكان التحت للسموات ضرورة فمن حيث كانت السماء فهي فوق الأرض ومن حيث قابلتها الأرض فهي تحت السماء ولابد وحيث ما كان ابن آدم فرأسه إلى السماء ورجلاه إلى الأرض وقد قال الله عز وجل‏ : { ألم يروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً‏ } .

وقال تعالى‏ : {جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً‏ } فأخبر الله تعالى إخباراً لا يرده إلا كافر بأن القمر في السماء وأن الشمس أيضاً في السماء ثم قد قام البرهان الضروري المشاهد بالعيان على دورانها حول الأرض من مشرق إلى مغرب ثم من مغرب إلى مشرق فلو كان على ما يظن أهل الجهل لكانت الشمس والقمر إذا دارا بالأرض وصارا فيما يقابل صفحة الأرض التي لسنا عليها قد خرجا عن السماء وهذا تكذيب لله تعالى فصح بهذا أنه لا يجوز أن يفارق الشمس والقمر السموات ولا أن يخرجا عنها لأنهما كيف دارا فهما في السموات فصح ضرورة أن السموات مطابقة طباقاً على الأرض وأيضاً فقد نص تعالى كما ذكرنا على أن الشمس والقمر والنجوم في السموات ثم قال تعالى‏ : {وكلٌ في فلك يسبحون } .

وبالضرورة علمنا أنه لا يمكن أن يكون جرم في وقت واحد في مكانين فلو كانت السموات غير الأفلاك وكانت الشمس والقمر بنص القرآن في السموات وفي الفلك لكانا في مكانين في وقت غير متداخلين واحد وهذا محال ممتنع ولا ينسب القول بالمحال إلى الله عز وجل إلا أعمى القلب فصح أن الشمس في مكان واحد وهو سماء وهو فلك وهكذا القول في القمر وفي النجوم وقوله تعالى : { وكلٌ في فلك يسبحون } نص جلي على الاستدارة لأنه أخبر تعالى أن الشمس والقمر والنجوم سابحة في الفلك ولم يخبر تعالى أن لها سكوناً فلو لم تستدر لكانت على أباد الدهور بل في الأيام اليسيرة تغيب عنا حتى لا نراها أبداً لو مشت على طريق واحد وخط واحد مستقيم أو معوج غير مستدير لكنا أمامها أبداً وهذا باطل فصح بما نراه من كرورها من شرق إلى غرب وغرب إلى شرق أنها دائرة ضرورة وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن قول الله تعالى‏ : { والشمس تجري لمستقرٍ لها‏ } .
فقال عليه السلام : (( مستقرها تحت العرش )) وصدق صلى الله عليه وسلم لأنها أبداً تحت العرش إلى يوم القيامة وقد علمنا أن مستقر الشيء هو موضعه الذي يلزم فيه ولا يخرج عنه وإن مشى فيه من جانب إلى جانب ، و سجودها هو سيرها فيه .

حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري ثنا عبد الله ابن أحمد الهروي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي حدثنا إبراهيم بن خزيم ثنا عبد بن حميد حدثني سليمان بن حرب الواسحي ثنا حماد بن سلمة عن اياسي بن معاوية المزني قال : (( السماء مقببة هكذا على الأرض )) .

وبه إلى عبد بن حميد حدثني يحيى بن عبد الحميد عن يعقوب عن جعفر هو ابن أبي وحشية عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال أرأيت قول الله عز وجل‏ : { سبع سموات ومن الأرض مثلهن‏ } قال ابن عباس : (( هن ملتويات بعضهن على بعض )) .

حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ثنا محمد بن معاوية القرشي حدثنا أبو يحيى زكريا ابن يحيى الساجي البصري قال أنبأنا عبد الأعلى ومحمد بن المثنى وسلمة بن شبيب قالوا كلهم ثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا ! فذكر الحديث بطوله وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي : (( ويحك تدري ما الله إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا )) وقال بأصابعه مثل القبة . ووصف لهم ابن جرير بيده وأمال كفه وأصابعه اليمنى وقال هكذا .

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله وأحمد بن عبد البصير قالا جميعاً أنبأنا قاسم بن اصبع ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار بندار ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري ثنا شعبة عن الأعمش هو سليمان بن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : (( كل في فلك يسبحون )) فلك كفلك المغزل .

قال أبو محمد : وذكروا أيضاً قول الله عز وجل عن ذي القرنين‏ : { وجدها تغرب في عين حمئة } وقريء‏ أيضاً حامية .
قال أبو محمد : وهذا هو الحق بلا شك وذو القرنين كان في العين الحمئة الحامية حمئة من حماتها حامية من استحرارها كما تقول رأيتك في البحر تريد أنك إذ رأيته كنت أنت في البحر وبرهان هذا : أن مغرب الشمس لا يجهل مقدار عظيم مساحته إلا جاهل ومقدار ما بين أول مغربها الشتوي إذا كانت من آخر رأس الجدي إلى آخر مغربها الصيفي إذا كانت من رأس السرطان مرئيٌّ مشاهد ومقداره ثمان وأربعون درجة من الفلك وهو يوازي من الأرض كلها بالبرهان الهندسي أقل من مقدار السدس يكون من الأميال نحو ثلاثة آلاف ميل ونيف وهذه المساحة لا يقع عليها في اللغة اسم عين البتة لاسيما أن تكون عيناً حمئة حامية وباللغة العربية خوطبنا فلم تيقنا أنها عين بإخبار الله عز وجل الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه علمنا يقيناً أن ذا القرنين انتهى به السير في الجهة التي مشى فيها من المغارب إلى العين المذكورة وانقطع له إمكان المشي بعدها لاعتراض البحار هنالك وقد علمنا بالضرورة أن ذا القرنين وغيره من الناس ليس يشغل من الأرض إلا مقدار مساحة جسمه فقط قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً ومن هذه صفته فلا يجوز أن يحيط بصره من الأرض بمقدار مكان المغارب كلها لو كان مغيبها في عين من الأرض كما يظن أهل الجهل ولابد من أن يلقى خط بصره من حدبة الأرض أو من نشز من أنشازها ما يمنع الخط من التمادي إلى أن يقول قائل إن تلك العين هي البحر فلا يجوز أن يسمى البحر في اللغة عيناً حمئة ولا حامية وقد أخبر الله عز وجل أن الشمس تسبح في الفلك وأنها إنما هي من الفلك سراج وقول الله تعالى هو الصدق الذي لا يجوز أن يختلف ولا يتناقض فلو غابت في عين في الأرض كما يظن أهل الجهل أو في البحر لكانت الشمس قد زالت عن السماء وخرجت عن الفلك وهذا هو الباطل المخالف لكلام الله عز وجل حقاً نعوذ من ذلك فصح يقيناً بلا شك أن ذا القرنين كان هو في العين الحمئة الحامية حين انتهى إلى آخر البر في المغارب وبالله التوفيق لاسيما مع ما قام البرهان عليه من أن جرم الشمس أكبر من جرم الأرض وبالله تعالى التوفيق .

وبرهان آخر قاطع : وهو قول الله عز و جل : { وجدها تغرب في عين حامية‏ }وقري حمئة‏ ، { ووجد عندها قوماً‏ } ، فصح ضرورة أنه وجد القوم عند العين لا عند الشمس .

انتهى .


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الباسط لهويمل ; 17 Sep 2017 الساعة 12:24 AM
رد مع اقتباس