عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18 Dec 2015, 04:47 PM
أبو عبد الرحمن العكرمي أبو عبد الرحمن العكرمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: ولاية غليزان / الجزائر
المشاركات: 1,352
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمن العكرمي
افتراضي سمت العلماء الصادقين وتشبع الأدعياء المتصنعين!!

سَمْتُ العُلَمَاءِ الصَادِقِينَ , وَ تَشَبُّعُ الأَدْعِيَاءِ المُتَصَنِّعِينَ !!!

الحمد لله ربّ العالمين رافع شأن العلماء العاملين , و واضع شأن الأدعياء المتلبسين , و الصلاة و السلام على نبيه الأمي الأمين , قدوة العاملين , و سيد المتقين , و آله و صحبه أجمعين , و بعد :
فإنّ للعلم قدرا عظيما , لا يجهله جاهل فضلا عمن فوقه , و له على النفوس سيطرة , و على القلوب المحبة تمكنا شديدا , و هذا العلم تجد أثره أشد ما تجده إذا كان في عالم عامل تقيّ ورع , صاحب سمت شرعي , و أدب مرعي , و لما كان لهذا العلم ذلك الوقع , وذلك الأثر , و تلك السيطرة الآسرة, وجد فيه أدعياء متعالمون , و طلبة متفيقهون , و مبتدؤون متصدرون , كلهم في غمرة التعالم غارقون .


و فوق ذلك , وُجِد في الناس داء آخر , و خطر كبير , ذلك الداء هو دعوى السمت , في برود عجيب , و تصنع غريب , ابتلي به بعض من اقترب من العلم و لم يشمَّ رائحته , و سأعرض في هذه الكلمات لتلك الظاهرة التي بدأت تتكاثر في مجالس الإخوة ..


فمن صورها :


-تجد الواحد منهم إذا دُعِيَ إلى مجلس كان عمومه من إخوانه المبتدئين , رأيت في وجهه الإنتفاخ , و في عينه شرر التعاظم , يتحين الفرصة , و يقلبّ ناظريه بين الحضور , كأنه يقول :


أنا ابن جلاّ و طلاّع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني


كلّ ذلك , ونفسه تراوده , و تستهويه للحديث , وهو محجم لا عن تقوى , بل انتظارا للسؤال , فما إن يتوجه إليه أخ بوجهه , و يلقي على سمعه شِبْهَ سؤال , و أو ربع استفسار , تنمّر و استأسد !!


و راح صاحبنا يسرد الأقوال المتتابعة ,و الفوائد المستنبطة , وما للمسألة من تعلق بعلوم الآلة , كاللغة و الأصول و غيرها , و يسرد في وسط ذلك اختلاف العلماء , و يسرد معه ما يحسبه سبب خلافهم , إلى أن يخرج صاحبنا إلى الترجيح !!


ثمّ إذا همس أحدهم في أذنه ناصحا بالتريث , و تلطف معه فقال له 'طعام الكبار سمُّ الصغار' , راح الصاغر يرد النصح , مستدلا على استطراداته بمصنفات شيخ الإسلام , و تحقيقات ابن القيم , و نفس الشوكاني ,بل يستدل عليك بما كان يلقيه عليه شيخه !! في مجلس الدّرس الفلاني , و ما وقع من العالم من الاستطراد .


وجهل المسكين أن صنيع العلماء ليس كصنيع الأدعياء , فأولئك يتوسعون لأمور :


أ‌- أولا لأنهم حقيقون بذلك التوسع , و أهل لذلك التشعيب.
ب‌- أنهم يتوسعون بحسب توسع اختلاف العلماء قبلهم , فإنّ بيان الأقوال و ردّها و ترجيح ما يترجح منها يتطلب ذلك.
ت‌- و منها تعويد الطلبة على الغوص في أعماق المسائل و دقائق التحقيقات , ليتدربوا على التحرير , و يتقنوا طرق التقرير .


فقل لي برك من أيّ الأصناف أنت يا دعيّ ؟ !


أقول : كلّ هذا يصدر من صاحبنا إذا كان قد بحث تلك المسألة الملقاة على مسمعه , أو كان قد سمع أو حضر درسا لعالم تعرض لها , أما إذا ما كانت المسألة لم تخطر بباله , و لم يدركها فهمه الركيك , و لا علمه المخروم , راح يتشدق , و يشقشق , و يقول أنّ في المسألة نظرا , و سأبحثها إن سنحت الفرصة فالوقت ضيّق , و الارتباطات كثيرة !! و الله المستعان !!


هذا في أحسن أحواله , أو تجده نزق من مكانه , و راح يتخرص ملقيا كذباته , شبيه الخنفشاري الشهير صاحب اليمن , الذي امتحن بـالــ 'خنفشار' فصاح قائلا :
الخنفشار نبات في جبال كذا و كذا , تأكل منها الإبل فتسمن و يكثر لبنها , وفيها يقول الشاعر :
لقد عقدت محبتكم فؤادي ** كما عقد الحلبيبَ الخنفشارُ

و يقول فيه النبي صلى الله عليه و سلم : ............!!


فصاح به أصحابه مسكتين له : كذبت على النبات و الحيوانات و العرب و شعرها , فلا تكذب على النبي صلى الله عليه و سلم , و الله المستعان .

-و صنف آخر على العكس من ذلك , صاحب سكينة و تؤدة و روية , لا يتكلم إلا إذا طلب منه ذلك , فإذا تكلم , كان صوته منخفضا لا يكاد يسمع !! يحقق مخارج الحروف !! و يدقق في الإعراب !! و يسترق الصور البديعة !! و السجع الجميل !! و يكثر من قوله : و هذا قول شيخنا فلان , و ذاك قول شيخنا علان ........


كل ذلك بعد أن يقدم لنفسه بمقدمة , ينسب نفسه فيها إلى الجهل !! و يحشر نفسه في جملة المبتدئين !! و يسرد في ضمن ذلك آيات الكتاب الكريم !! من مثل قول ربّنا : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} الآية (187/ آل عمران) , و مثل قول نبينا صلوات ربي و سلامه عليه : (بَلِّغُوا عَنِّي وَ لَوْ آيَةً) , كل ذلك وهو يردد :

لَوْلَا .. التَأَثُّمُ .. مَا .. جَازَ .. لِمِثْلِيَ .. التَّكَلُّمُ !!!



فإذا نصحه ناصح بترك التكلف , و هجر التصنع , صاح في وجهه :
هذه أخلاق العلماء , و إنما الحلم بالتحلم .. !!


و ما درى – أو لعله درى- أن البعد بينه و بين العلماء , كالبعد بين الأرض و السماء , وإنما حاله و حال العلماء , كقول القائل :


ملئى السنابل تنحنين تواضعا ** و الفارغات رؤوسهن شوامخ


فما تواضع العلماء و سمتهم , إلا من امتلائهم من العلم ,و معرفتهم لقدر ربهم .


و ختام هذه الكلمات التذكيرية – التي أسأل الله أن ينجيني و إخواني من تلك البلايا التي تضمن التحذير منها – حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيِ زُورٍ) متفق عليه


قال ابن بطال في شرحه على الحديث :
وأما قوله: كلابس ثوبى زور، فإنه الرجل يلبس ثياب أهل الزهد فى الدنيا، يريد بذلك الناس ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما فى قلبه، فهذه ثياب الزور والرياء. وفيه وجه آخر أيضًا: أن يكون أراد بالثياب الأنفس، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، يقال: فلان نقى الثوب، إذا كان بريئًا من الدنس والآثام، وفلان دنس الثياب، إذا كان مغموصًا عليه فى دينه، ومنه قوله تعالى: (وثيابك فطهر) [المدثر: 4] . وقال أبو سعيد الضرير فى معنى قوله: كلابس ثوبى زور، هو أن يستعير شاهد الزور ثوبين يتجمل بهما ويتحلى بهما عند الحاكم، وإنما يريد أن يقيم شهادته. وقال بعض أهل المعرفة بلسان العرب: ولقوله: ثوبى، التثنية معنى صحيح؛ لأن كذب المتحلى بما لم يعط مثنى، فهو كاذب على نفسه بما لم يأخذ، وكاذب على غيره بما لم يبذل.(7/346 طبعة مكتبة الرشد)


و قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
قَوْلُهُ الْمُتَشَبِّعُ أَيِ الْمُتَزَيِّنُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ يَتَكَثَّرُ بِذَلِكَ وَيَتَزَيَّنُ بِالْبَاطِلِ كَالْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَلَهَا ضَرَّةٌ فَتَدَّعِي مِنَ الْحَظْوَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَهُ تُرِيدُ بِذَلِكَ غَيْظَ ضَرَّتِهَا وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرِّجَالِ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَلْبِسُ الثِّيَابَ الْمُشْبِهَةَ لِثِيَابِ الزُّهَّادِ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَيَظْهَرُ مِنَ التَّخَشُّعِ وَالتَّقَشُّفِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي قَلْبِهِ مِنْهُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالثِّيَابِ الْأَنْفَسَ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ نَقِيُّ الثَّوْبِ إِذَا كَانَ بَرِيئًا مِنَ الدَّنَسِ وَفُلَانٌ دَنِسُ الثَّوْبِ إِذَا كَانَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الثَّوْبُ مَثَلٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَاحِبُ زُورٍ وَكَذِبٍ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ وُصِفَ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَدْنَاسِ طَاهِرُ الثَّوْبِ وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْسُ الرَّجُلِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ قَدْ يَسْتَعِيرُ ثَوْبَيْنِ يَتَجَمَّلُ بِهِمَا لِيُوهِمَ أَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ .)اهـ(317/9 طبعة دار المعرفة)


نسأل الله تعالى أن يرزقنا – جميعا- العلم النافع و العمل الصالح.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن العكرمي ; 19 Dec 2015 الساعة 11:33 PM
رد مع اقتباس