عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11 Dec 2010, 12:37 PM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي قصة وفاة أحمد بن كليب النَّحوي (فاعتبروا يا أولى الألباب)


بسم الله الرحمن الرحيم




قِصَّة وفاة أحمد بن كليب النحوي
وفيها
عبرةٌ لأولي الألباب












الحمد لله ربِّ العالمين؛ والصَّلاة والسَّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ وعلى آله وصحبه الطَّيِّبين؛ أمَّا بعد:
فهذه قصة وفاة بن كليب (ت:426) أسوقها كما هي في كتاب جذوة المقتبس للحميدي رحمه الله وقد تناقلها غير واحدٍ من الأئمَّة منهم: ابن الجوزي رحمه الله كما في المنتظم؛ والحافظ ابن كثير رحمه الله كما في البداية والنِّهاية -كلاهما في وفيات سنة ست وعشرين-، وياقوت الحموي رحمه الله في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب المشهور بـ: معجم الأدباء -وذكر ياقوت بعد إيراده لهته القصَّة قصَّتين شبيهتين بها- كُلُّهم عن الحافظ الحُميدي رحمه الله صاحب كتاب الجمع بين الصَّحيحين، وأوردها الدكتور: إحسان عبَّاس رحمه الله ملحقةً في آخر تحقيقه لكتاب طوق الحمامة وجرى على منواله عبد الحق التركماني في تحقيقه للكتاب نفسه.
قال ابن كثير رحمه الله بعد ذكره لمختصر قصَّة وفاة ابن كليب:
«وهذه زلَّة شنعاء، وعظيمة صلعاء، وداهيةٌ دهياء، ولولا أنَّ هؤلاء الأئمَّة ذكروها لما ذكرتها، ولكن فيها عبرةٌ لأولي الألباب، وتنبيه لذوي العقول أن يسألوا الله رحمته ولطفه بهم أن يُثَبِّتهم على الخير والإسلام والسُّنَّة عند الممات إنَّه كريم جوادٌ».


  • القصَّة:
قال الحُميدي رحمه الله: (جذوة المقتبس: باب الألف، ترجمة ابن كليب)
أحمد بن كليب النحوي، أديب شاعر مشهور الشعر، ولا سيما شعره في أسلم وكان قد أفرط في حبه حتى أدَّاه ذلك إلى موته، وخبره في ذلك طريف.
حدثني أبو محمد علي بن أحمد([1])، قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي، قال: كنت أختلف في النحو إلى أبي عبد الله محمد بن خطاب النحوي في جماعة، وكان معنا عنده أبو الحسن أسلم بن أحمد بن سعيد بن قاضي الجماعة أسلم بن عبد العزيز، صاحب المزني والربيع، قال محمد بن الحسن: وكان من أجمل من رأته العيون، وكان يجيء معنا إلى محمد بن خطاب أحمد بن كليب، وكان من أهل الأدب البارع، والشعر الرائق، فاشتد كلفه بأسلم، وفارق صبره، وصرف فيه القول متستراً بذلك إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة، وتنوشدت في المحافل؛ فلعهدي بعرس في بعض الشوارع بقرطبة، والنكوري الزامر قاعد في وسط الحفل، وفي رأسه قلنسوة وشي وعليه ثوب خز عبيدي، وفرسه بالحلية المحلاة يمسكه غلامه. وكان فيما مضى يزمر لعبد الرحمن الناصر، وهو يزمر في البوق بقول أحمد بن كليب في أسلم: [من المتقارب]


أسلمنــى فــي هــــوا *** ه أســلـــم هــذا الرشــا


غـــــزال لــــه مقلــــة *** يصيـــب بهــا مـن يشــا


وشــى بيننـــا حاســــد *** سيســأل عــمــا وشــى


ولــو شــاء أن يرتشــي *** على الوصل روحي ارتشـى



ومغن محسن يسايره فيها؛ قال: فلما بلغ هذا المبلغ انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب، ولزم بيته والجلوس على بابه، فكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائراً ومقبلا نهاره كله فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهاراً، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحاً وجلس على باب داره فعيل صبر أحمد بن كليب، فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة من جباب أهل البادية واعتم بمثل عمائمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجاً، وبالأخرى قفصاً فيه بيض، وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبل يده، وقال يأمر مولاي بأخذ هذا، فقال له أسلم: ومن أنت؟ فقال: صاحبك في الضيعة الفلانية، وقد كان تَعرَّف أسماء ضياعه، وأصحابه فيها، فأمر أسلم بأخذ ذلك منه ثم جعل أسلم يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام وتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي! وهنا بلغت بنفسك، وإلى ها هنا تبعتنى، أما كفاك انقطاعى عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابى نهاراً؟ حتى قطعت علي جميع ما لي فيه راحة، فقد صرت من سجنك. والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي، ولا قعدت ليلاً ولا نهاراً على بابي؛ ثم قام، وانصرف أحمد بن كليب كئيباً حزيناً؛ قال محمد بن الحسن: واتصل ذلك بنا، فقلنا لأحمد بن كليب، وخسرت دجاجك وبيضك؟ فقال: هات كل ليلة قبلةَ يده وأخسر أضعاف ذلك!؛ قال: فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة، وأضجعه المرض؛ قال محمد بن الحسن: فأخبرني أبو عبد الله
محمد بن خطاب شيخنا، قال: فعدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: ولم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم فيَّ البتة، فقلت له: وما دواؤك؟ فقال: نظرةٌ من أسلم، فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك، وكان هو والله أيضا يؤجر، قال: فرحمته وتقطعت نفسي له، ونهضت إلى أسلم، فاستأذنت عليه، فأذن لي وتلقاني بما يجب، فقلت له: لي حاجة، قال: وما هي؟ قلت: قد علمتَ ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عندي، فقال: نعم، ولكن قد تعلم أنه برح بي، وشهر اسمى وآذاني، فقلت له: كُلُّ ذلك يغتفر في مثل الحال التي هو فيها، والرجل يموت، فتفضل بعيادته، فقال: والله ما أقدر على ذلك، فلا تُكلِّفنى هذا، فقلت له: لابد، فليس عليك في ذلك شيء وإنما هي عيادة مريض، قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت: فقم الآن، فقال لي: لست والله أفعل، ولكن غداً، فقلت له: ولا خُلْفَ، قال: نعم، فانصرفت إلى أحمد بن كليب، وأخبرته بموعده بعد
تَأَبِّيهِ، فَسُرَّ بذلك، وارتاحت نفسه، قال: فلما كان الغد بكرت إلى أسلم وقلت له: الوعد، قال: فوجم وقال: والله لقد تحملنى على خطة صعبة علي، وما أدرى كيف أطيق ذلك؟ قال: فقلت له لابد من أن تفي بوعدك لي، قال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلا، قال: فلما أتينا منزل أحمد بن كليب، وكان يسكن في آخر دربٍ طويل، وتوسط الدرب، وقف واحمر وخجل، وقال لي: الساعة والله أموت، وما أستطيع أن أنقل قدمى، ولا أن أعرض هذا على نفسي، فقلت: لا تفعل، بعد أن بلغت المنزل تنصرف؟ قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة، قال: ورجع مسرعاً فاتَّبعته، وأخذت بردائه، فتمادى وتمزق الرداء، وبقيت قطعة منه في يدي لسرعته وإمساكي له، ومضى ولم أدركه، فرجعت ودخلت إلى أحمد بن كليب، وقد كان غلامه دخل عليه إذ رآنا من أوَّل الدَّرب مبشراً، فلما رآني تغير وقال: وأين أبو الحسن؟ فأخبرته بالقِصَّة فاستحال من وقته واختلط، وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من
الترجع، فاستشنعت الحال، وجعلت أترجع وقمت، فثاب إليه ذهنه وقال لي: أبا عبد الله! قلت: نعم.
قال: اسمع مني واحفظ عني، ثم أنشأ يقول: [مخلع البسيط]


أسلم يا راحة العليل *** رفقاً على الهائم النحيل


وصلك أشهى إلى فؤادي *** من رحمة الخالق الجليل



قال: فقلت له: اتق الله! ما هذه العظيمة؟!!، فقال لي: قد كان؛ قال: فخرجت عنه، فوالله ما توسطت الدرب حتى سمعت الصراخ عليه، وقد فارق الدنيا.
قال لنا أبو محمد علي بن أحمد: وهذه قصة مشهورة عندنا، ومحمد بن الحسن ثقة ومحمد بن خطاب ثقة.
وأسلم هذا من بيت جليل، وهو صاحب الكتاب المشهور في أغاني زرياب، وكان شاعراً أديباً؛ وقد رأيت ابنه أبا الجعد.
قال أبو محمد: لقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله محمد بن سعيد الخولاني الكاتب، فعرفها، وقال لي: لقد أخبرني الثقة أنه رأى أسلم هذا في يوم شديد المطر، لا يكاد أحد يمشي في طريق، وهو قاعد على قبر أحمد بن كليب زائراً له، وقد تحين غفلة الناس في مثل ذلك الوقت.
وقال لنا أبو محمد: وحدثني أبو محمد قاسم بن محمد القرشي، قال: كتب ابن كليب محمد إلى ابن خطاب شعراً يتغزل فيه بأسلم فعرضه ابن خطاب على أسلم، فقال: هذا ملحون وكان ابن كليب قد أسقط التنوين في لفظة في بيت من الشعر، قال: فكتب ابن خطاب بذلك إلى ابن كليب، فكتب إليه ابن كليب مسرعاً: [من السريع]


ألحق لي التنوين في مطمعٍ *** فإنني أنسيت إلحاقه


لا سيما إذ كان في وصل من *** كدَّر لي في الحُبِّ أخلاقه



وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد، قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن بن أحمد التجيبي، لأحمد ابن كليب، وقد أهدى إلى أسلم في أوائل أمره كتاب الفصيح لثعلب: [من المجتث]


هـــذا كتـــاب الفــصيح *** بكـــــل لفــظ مليــحِ


وهبتـــه لــــك طوعـــاً *** كمـــا وهبتــك روحــى




°°°°°°°°°°°°°°°°
([1]) هو ابن حزم الأندلسي صاحب المُحَلَّى.


ولتحميل القصة بصيغة: PDF








نقله لإخوانه:


أبو أحـمد ضياء التَّبِسِّي


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 13 Dec 2010 الساعة 12:22 PM
رد مع اقتباس